< د. حسام البحيري يكتب: الذكاء الاصطناعي شريك المستقبل في تحقيق التنمية المستدامة
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

د. حسام البحيري يكتب: الذكاء الاصطناعي شريك المستقبل في تحقيق التنمية المستدامة

الرئيس نيوز

الذكاء الاصطناعي (AI) لم يعد مجرد تقنية مستقبلية، بل أصبح شريكًا حقيقيًا وفعالًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)التي أقرتها الأمم المتحدة. قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات، وتحديد الأنماط، واتخاذ قرارات دقيقة، تجعله أداة لا غنى عنها لمواجهة التحديات العالمية المعقدة.

  • تقنيات الغد تصنع عالمًا أخضر اليوم

في عصر تتسارع فيه التحديات البيئية والاجتماعية، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أهم الحلول المبتكرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. من مكافحة تغير المناخ إلى تحسين كفاءة الطاقة، تعيد تقنيات الذكاء الاصطناعي تشكيل طريقتنا في التعامل مع التحديات العالمية الأكثر إلحاحًا.

  • الثورة الخضراء: الذكاء الاصطناعي في خدمة البيئة

يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تحسين كفاءة مصادر الطاقة المتجددة. ففي مزارع الرياح الحديثة، تستخدم خوارزميات التعلم الآلي لتحليل أنماط الرياح والتنبؤ بإنتاج الطاقة، مما يزيد من الكفاءة التشغيلية بنسبة تصل إلى 20%. كما تساعد هذه التقنيات في صيانة التوربينات قبل حدوث الأعطال، مما يقلل من التكاليف ويضمن استمرارية الإنتاج.

في قطاع الطاقة الشمسية، تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي بيانات الطقس والأقمار الصناعية لتحسين توجيه الألواح الشمسية وتعظيم امتصاص أشعة الشمس. هذه التحسينات التلقائية تؤدي إلى زيادة كبيرة في إنتاج الطاقة النظيفة.

تقنيات الذكاء الاصطناعي تُحدث نقلة نوعية في إدارة النفايات عبر أنظمة الفرز الذكية التي تستخدم الرؤية الحاسوبية لتصنيف النفايات بدقة عالية. هذه الأنظمة قادرة على تحديد أنواع المواد المختلفة وفرزها تلقائيًا، مما يزيد من معدلات إعادة التدوير ويقلل من النفايات المتجهة إلى المكبات.

في مراقبة جودة الهواء والماء، تُستخدم شبكات الاستشعار المدعومة بالذكاء الاصطناعي لرصد مستويات التلوث في الوقت الفعلي، مما يمكن السلطات من اتخاذ إجراءات سريعة للحد من التلوث وحماية الصحة العامة.

  • التحول الذكي في الزراعة والأمن الغذائي

يُعيد الذكاء الاصطناعي تعريف مفهوم الزراعة من خلال تقنيات الزراعة الدقيقة. باستخدام الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية، تحلل خوارزميات التعلم الآلي حالة المحاصيل وتحدد الاحتياجات الدقيقة لكل منطقة من الحقل. هذا النهج يقلل من استخدام المبيدات والأسمدة بنسبة تصل إلى 30%، مع زيادة الإنتاجية في الوقت نفسه.

في سلاسل التوريد الغذائية، تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالطلب وتحسين إدارة المخزون، مما يقلل من هدر الطعام بشكل كبير. كما تُستخدم هذه التقنيات في المطاعم والمتاجر لمراقبة صلاحية المنتجات وتحسين عمليات التوزيع.

  • المدن الذكية: نحو حياة حضرية مستدامة

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أنظمة النقل الذكية تحسن من تدفق المرور وتقلل من الازدحام والانبعاثات. أنظمة إشارات المرور الذكية تتكيف مع حالة المرور في الوقت الفعلي، بينما تطبيقات النقل المشترك المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحسن من كفاءة استخدام وسائل النقل العام.

في المباني الذكية، تتحكم أنظمة الذكاء الاصطناعي في الإضاءة والتدفئة والتبريد بناءً على معطيات الاستخدام والطقس، مما يقلل من استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 40%. هذه الأنظمة تتعلم من سلوكيات المستخدمين وتتكيف معها لتحقيق أقصى كفاءة ممكنة.

  • حماية الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي

تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة الغابات وحمايتها من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار. هذه الأنظمة قادرة على اكتشاف قطع الأشجار غير المشروع والحرائق في مراحلها المبكرة، كما تساعد في مراقبة صحة الغابات وتقييم تأثير التغيرات المناخية عليها.

في مجال حماية الحياة البرية، تساعد كاميرات المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في رصد وتتبع الحيوانات المهددة بالانقراض. كما تُستخدم أجهزة الاستشعار الصوتية لمراقبة أصوات الحيوانات وتحليل سلوكياتها، مما يوفر بيانات قيمة لجهود الحفظ.

  • الابتكارات في إدارة المياه

أنظمة الري الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحلل بيانات رطوبة التربة والطقس لتحديد الكميات المثلى من المياه للري. هذه التقنية توفر ما يصل إلى 50% من المياه المستخدمة في الزراعة، مما يساهم في الحفاظ على هذا المورد الثمين.

في محطات معالجة المياه، تحسن خوارزميات الذكاء الاصطناعي من كفاءة عمليات التنقية وتقلل من استهلاك الطاقة. كما تساعد في التنبؤ بمشاكل الجودة قبل حدوثها، مما يضمن الحصول على مياه نظيفة وآمنة.

  • التحديات والفرص المستقبلية

رغم الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في التنمية المستدامة، هناك تحديات يجب مواجهتها، منها الحاجة إلى موارد حاسوبية كبيرة قد تزيد من استهلاك الطاقة، وضرورة ضمان عدالة الوصول إلى هذه التقنيات عبر جميع المجتمعات.

الذكاء الاصطناعي ليس حلًا سحريًا، بل هو أداة قوية يمكن أن تكون محركًا رئيسيًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة إذا تم تطويرها ونشرها بشكل مسؤول وأخلاقي وشامل. يتطلب ذلك تعاونًا وثيقًا بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية لضمان: توجيه الذكاء الاصطناعي نحو حل التحديات الإنسانية والبيئية الملحة. ضمان الوصول العادل والمنصف لتقنيات الذكاء الاصطناعي وفوائدها. معالجة المخاطر الأخلاقية والاجتماعية والبيئية بشكل استباقي. الاستثمار في التعليم وإعادة التأهيل لتجهيز القوى العاملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي.  بالتخطيط السليم والإدارة الرشيدة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بالفعل شريك المستقبل الأكثر فعالية في بناء عالم أكثر استدامة وإنصافًا وازدهارًا للجميع.

أخيرا، يقف الذكاء الاصطناعي اليوم في موقع فريد ليكون المحرك الأساسي للتحول نحو عالم أكثر استدامة. من خلال تطبيقاته المتنوعة في الطاقة والزراعة والمدن الذكية وحماية البيئة، يوفر هذا القطاع حلولًا مبتكرة للتحديات البيئية والاجتماعية الأكثر إلحاحًا في عصرنا.

النجاح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب استثمارًا مدروسًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع ضمان تطبيقها بطريقة مسؤولة تخدم جميع فئات المجتمع. في هذا السياق، يصبح الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية للمستقبل، بل شريك حيوي في بناء عالم أخضر ومستدام للأجيال القادمة.