الثلاثاء 16 أبريل 2024 الموافق 07 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

سيدني بواتييه.. زعيم سينما الأفروأمريكان

الرئيس نيوز

يأتي شهر فبراير، حاملاً في تفاصيله ذكرى أيقونات فنية أثرت وجدان الإنسانية في عالم الفن السابع، خاصةً بعاصمة السينما الأمريكية، هوليوود التي أنجبت واحدًا من أعتى أساطين السينما العالمية، النجم الأفروأمريكي وابن جزر البهاما "سيدني بواتييه" الذي تم عامه الرابع والتسعين منذ أيام.


في يوم العشرين من فبراير من العام 1927، ولد الفتى الأسمر "سيدني بواتييه" بميامي، الواقعة بولاية فلوريدا لأسرة من جزر البهاما، وكان ترتيبه السابع والأخير، لوالديه إيفيلين وريغينالد جيمس بويتير، مزارعان من جزر البهاما، وكانا يملكان مزرعة في جزيرة "كات"، كانت العائلة تسافر إلى ميامي لبيع الطماطم وغيرها من المنتجات، عمل ريغينالد كسائق سيارة أجرة في ناساو بجزر البهاما.


ولد "بواتيه" بميامي أثناء زيارة والديه لها ، ولم يكن متوقعًا أن يعيش الوليد الجديد وظلا بميامي ثلاثة شهور للعناية بصحته، نشأ بعد ذلك بجزر الهاما، ثم في المستعمرة الملكية، وبسبب ولادته الأمريكية كانت الجنسية تحق له.


عاش بواتييه بجزيرة "كات" مع أسرته حتى سن العاشرة ثم انتقل ل"ناساو" ومكث بها خمس سنوات وعمل في مهن وحرف عديدة ما بين كهربائي وسباك وخبير تبريد ودوبلاج للصور المتحركة، علاوة على نشأته تحت رعاية الكنيسة الكاثوليكية الرومانية لكنه أصبح لا أدريًا بوجهة نظر ربوبية.


انتقل "بواتييه" لنيويورك المدينة الأكثر كثافة سكانية على مستوى أمريكا، مقيمًا مع عائلة شقيقته الكبرى ليكون على موعد مع ما سطر له في سجلات المستقبل الحافل، متلمسًا المجد بالعمل في مهن ووظائف متعددة ما بين غاسل للصحون، وسائق تاكسي وتعلم من نادل المطعم قراءة الصحف.

زوَّر في عمره في نوفمبر من العام 1943 ليجند بالجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية، وتعرض لضغوط نفسية جعلته يعالج نفسيًا، مما دفع طبيبه المعالج بمنحه إعفاءً نهائيًا في العام 1944 بموجب المادة رقم 8 من لوائح الجيش الأمريكي.


ظل التنقل حليفًا له في مختلف المهن، ومن الأعمال التي شغلها فراشًا بمسرح الزنوج، وأثناء ذلك أسند له دور في مسرحية "أيام في شبابنا" بعد غياب الممثل الرئيسي للدور، وجسد الشخصية ونجح فيها ليلفت إليه الأنظار.

أتيحت له فرصة العمل على خشبة مسرح "برودواي" إلى أن وصل للأدوار الأولى، وتم اقتناصه في دور صغير بفيلم "سندريلا السمراء" في العام 1947  ثم جاءت الإنطلاقة الكبرى في العام 1950 بفيلم "لا مجال للخروج" للمخرج "فرانسيس زانوك"، وهو أول الأفلام التي اخترقت مجال العنف والعنصرية السائدة في المجتمع الأمريكي.

يُعد "بواتييه" أول ممثل من الأفروأمريكان الذين اخترقوا مجال السينما، محولاً الزنجي من أدوار زنجي الحقل، وزنجي المنزل إلى الزنجي الصحفي، والمحقق الشرطي، والمعلم، والمهندس، والزعيم المناضل على مدار تاريخه الفني.


في العام 1957 مثل مع النجم الأبيض الوسيم "روك هيدسون"  فيلم "شئ له قيمة" متناولاً اشتداد معارك الاستقلال الكينية ضد المستعمر البريطاني، من خلال حركة "ماو ماو" أو (مقاتلون من أجل الحرية) في العام 1952 وحتى الاستقلال في العام 1963.

تعتبر فترة الستينات من أبرز محطاته الفنية، وذلك بحصوله على جائزة الأوسكار أحسن ممثل دور أول، عن فيلم "زنابق الحقل" في العام 1964، عقب فوز أول ممثلة أفروأمريكية بجائزة أحسن ممثلة مساعدة، وهي "هاتي ماكدنيل" عن دورها في فيلم "ذهب مع الريح" في العام 1940.

اقتنص "بواتييه" الجائزة بعد منافسةً قوية مع "أريكس هاريسون"، "بول نيومان"، "ألبرت فيني"، "ريتشارد هاريس"، وسلمه الجائزة كلاً من النجم "جاك ليمون"، والنجمة "بان آن كرافت"، وتمر الأعوام إلى أن يأتي العام 2001 ليكرر نفس اللحظة التاريخية بحصوله على جائزة الأوسكار التكريمية، من النجم الأسمر "دينيزل واشنطون"، وحصل جائزة "الجولدن جلوب" أعوام 1958، و1959، و1981.

غير النجم الأسمر، من معايير الفتى الأول ليحول قبلة المعحبات من الفتى الأبيض الوسيم إلى الفتى الأسمر الجذاب، كنوع من موتيفية المشهد السينمائي في خضم اشتداد صراع العنصرية العرقية.

قدم العديد من الأفلام في عصره الذهبي بالحقبة الستينية، وهي : "شروق الشمس" 1961، "باريس الحزينة" 1961، "رقعة زرقاء" 1965، "أفضل قصة رويت بالتاريخ" 1965، "دفء الليل" 1967، "مع حبي لأستاذي" 1967، وسيظل عمله الأشهر "خمن من القادم على العشاء؟" في العام 1967 الأبرز لجدية معالجته للعنصرية، في مسألة زواج الأسود من بيضاء في ظل سخونة العنصرية وانتهاء الفيلم بتقبل الفكرة كرؤية مسبقة لما حدث بعد ذلك.

قدم في العام 1997 فيلم "مانديلا وديكليرك" مع "مايكل كين" متناولاً قصة كفاح "نيلسون مانديلا" عقب خروجه من السجن في العام 1990 وحصوله على جائزة نوبل للسلام في العام 1993 مناصفةً مع "فرديريك دي كليرك" رئيس جنوب أفريقيا، وذلك عقب القضاء على نظام "الأبارتيهايد" ووصول أول رئيس أسود لسُدة الحكم في جنوب أفريقيا من العام 1994.

حصل في العام 1999 على الترتيب رقم 22 ضمن أفضل من أثروا السينما الأمريكية على مدار مائة عام، إلى جانب حصوله على وسام الفنون برتبة فارس بمهرجان "كان" السينمائي في العام 2006.

يُعد "بواتييه" الثاني في الأهمية بعد الزعيم "مارتن لوثر كنج"، في فاعلية الحضور والتأثير في مواجهة السياسات العنصرية وإسقاطها تباعًا في الحياة والقوانين الأمريكية.

يُذكر أن "بواتييه" شارك في فاعلية مظاهرات "مارتن لوثر كنج"، بواشنطن دي سي، من خلال خطابه الشهير "لدي حلمًا" وكان معه النجم "شارلتون هيستون"، والكاتب الأمريكي الأسمر "جيمس بولدوين" في التاسع والعشرين من أغسطس في العام 1963.

عمل "بواتييه" في العام 1997، سفيرًا لجزر البهاما في اليابان حتى العام 2007، ومثل جزر البهاما أيضًا كسفير باليونيسكو من العام 2002 حتى العام 2007.


في العام 2016، حصل على ميدالية الحرية التي تمنح في عيد الاستقلال الأمريكي يوم 4 يوليه من الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" كتكريم عملي ورئاسي لمن عبر عن أحلام الزنوج في أزمنة القهر من خلال تواجدهما بالبيت الأبيض.

يعيش المارد الأسمر، حياةهادئة مع زوجته الممثلة الشقراء "جوانا شاماكوس" منذ العام 1976 وله منها ولدان، واثقًا بأنه سيعيش أكثر من ذلك قائلاً: "أشعر في أعماقي أن الحياة لا زالت تليق بي".