الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

د. شهاب دغيم يكتب: السقوط في الهاوية.. الغنوشي نموذجا

الرئيس نيوز

 هل فقدت كل استراتيجية التكتيك السياسي لحركة النهضة جدواها؟ وهل فقد الغنوشي كل أسلحته عندما خرج من السرية للنور؟.. فقبل أن يكون في باردو رئيسا لمجلس النواب التونسي، كان الشيخ في مأمن من المواجهة مع الخصوم، لكن السلطة لها تكاليف باهظة، وإرادة وضع اليد على البلاد قد تصبح في الأخير هزيمة سياسية وتاريخية قاسية لا عودة بعدها. 

 الذين دبروا ونصحوا الغنوشي بالترشح للبرلمان كانوا يعلمون أنها ستكون بداية السقوط والنهاية.. فبعد أن كان محجوبا يخطط في الظلام،  أصبح الغنوشي مكشوفا في مرمى مدفعيات وصواريخ الخصوم مباشرة وعلى الملأ. 

صراع مكشوف اليوم بين رئاسة الحمهورية ورئاسة المجلس..  خسر الغنوشي الكثير خسر تلك الأعوام التي بني فيها كل أحلام السيطرة على البلاد والعباد في ثلاثة أشهر فقط.. سقط رمز حركة النهضة الإخوانية الهوى في خندق ممارسة السياسية ويوشك على السقوط سياسيا عاجلا أم آجلا.

 حلم المرشد العام يتهاوى كل يوم وتضيق حلقة المقربين من الشيخ حتى في هياكل الحركة.. آخرها خروج صهره بوشلاكة وأحد شباب الصقور أنور معرف من المكتب التنفيذي بإيعاز من مجموعة المائة المحتجة على إعادة ترشيح الغنوشي لرئاسة النهضة من جديد.. استراتيجيات السيطرة بدت عقيمة ومدمرة وعصفت بعرش الغنوشي الذي بناه في سنوات الفراغ السياسي وانتهازية الطبقات السياسية المتهافتة.. فشل سياسي وديمقراطي. فلا تونس بلغت مرحلة ديمقراطية سياسية حقيقة ولا حركة النهضة استوعبت دمقرطة هياكلها وآليات حكمها في انصارها.

 الغنوشي رئيس الحركة منذ تاسيسها وإلى اليوم وربما غدا.. أي قبل وصول بن علي رحمه الله إلى الحكم بسنوات ضوئية.. ولا ولن يترك المجال لمن يأخذ منه صولجان القيادة ولن تترك المجموعة المناصرة له من يفتك منها القيادة، وإن كلف ذلك الحركة انشطارها؛ فالنهضة بدأت اليوم تنخرها الصراعات التي خرجت إلى العلن لأول مرة بهذا العنف والحدة.  

ما يعتقده البعض صراعا حول دمقرطة الحركة هو في الحقيقة صراع نفوذ.. من سيتحكم في الحركة؟ وكأن صراع خلافة الغنوشي قدا بدأ منذ انتخابه على رأس البرلمان.. صراع قد يكون محموما للنهصة التي بدأت ظاهريا متماسكة على عكس بعض الأحزاب التي عصفت بها الصراعات كنداء تونس مثلا، لكن باطنيا لاحت بوادر انقسام حادة لتجعل الصراع الحقيقي حول من يحكم.

 سقوط الغنوشي اليوم أو غدا يعني نهاية التاريخ "تاريخ سطوة الإسلام السياسي وسيطرته على البلاد وعلى العباد وحتى على مؤسسات الدولة".. وهو في النهاية سقوط جيل الحركة الذي كان يحلم بالدولة الدينية و باللحظة القطبية.. الجيل الذي واجه الدولة الوطنية منذ بورقيبة إلى اليوم.. جيل واجه الدولة من الخارج وأراد تفكيكها من الداخل عندما صعد الحكم و حاول تطويع مؤسستها غير المضمونة،  لكنه فشل أمام صمود مؤسسات الدولة التي على وهنها قاومت المد النهضوي المتواصل.. وبقيت أسس الدولة الوطنية التي أسسها بورقيبة والرواد ثابتة.. سقوط رئيس حركة النهضة في النهاية هو إقرار بفشلها في التونسة و فشلها في محاربة الدولة الوطنية ورموزها ومراهنتها على العالمية الإخوانية والتخندق الإقليمي والدولي خدمة لأجندات خارجية ومحاور أيديولوجية أجنبية بعينها، مما افقدها كل مصداقية محلية حتى لدي بعض أنصارها، فهل سيكون سقوط الغنوشي الذي أخرته مناورة حزب قلب تونس لنبيل القروي، عندما أفشلت لائحة حجب الثقة منه التي قدمتها احزاب مدنية على رأسها الحزب الدستوري الحر وزعيمته عبير موسى المتاهضة الحركة النهضة؟. 

 هل سيكون سقوط الغنوشي فاتحة عهد جديد للحركة بكوادر شابة وبتوجهات مختلفة تجمع بين الصقور وبين البرجماتيين تقبر نهائيا مشروع الدولة التيوقراطية الدينية للإخوان؟.. فشباب الحركة الجديد لم يعرف المواجهة مع السلطة ولم يعرف المنافي ولا السجون بل نشأ في إطار الدولة المدنية على تسلطها متعايشا معها ومعاصرا للتحول الديمقراطي بهناته وتشعبه.

 في رأينا لن يصمد الغنوشي كثيرا أمام الرفض المتواصل لشخصه ولسيادته على مجلس نيابي في أغلبه معارض له ولوجوده.. وأمام انفراده بالمؤسسة النيابية وتطويعها لخدمة أجنداته الشخصية وأجندات الحركة الإخوانية، مما أفقد المؤسسة التشريعية كل مصداقية وشرعية شعبية وسط اصوات منادية بحدة بحل المجلس النيابي والدعوة لانتخابات جديدة، الحركة الاخوانية فقدت في عشرية الثورة والديمقراطية كل شرعيتها التاريخية وخسرت أكثر مما ربحت فقدت تعاطف التونسيين اليوم وتآكلت كتلتها التي انحسرت في 50نائب بعد ان نيفت الـ90، في أول انتخابات سنة 2011. 

عادت النهضة الاخوانية إلى حجمها الانتخابي الحقيقي أي حدود 20/25% من نوايا التصويت مع استحالة فوز أي مرشح منها بالرئاسية ربما لعقود طويلة بسبب عداء شق كبير للتونسيين لها.. كما فقدت مصداقيته بسوء إدارتها للملفات الحارقة واغراق البلاد في المديونية وفي أزمة سياسية عميقة تعاني البلاد مخلفاتها إلى اليوم وتحملها جميع الاحزاب المسؤولية في فشل المسار الديمقراطي والاجتماعي والسياسي في البلاد.