الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«إسلامية إسلامية».. كيف اخترقت «جماعة الإخوان» الأوقاف والأزهر؟ (3)

الرئيس نيوز

التوغل الإخواني في جسد الدولة المصرية يرجع إلى عبد الناصر


-  مبارك كان يستنزف الجماعة بشكل جزئي على طريقة أن "تدمى عدوك بشكل لا يقتله"


-  السعودية حولت للأزهر 100 مليون دولار لدعم أنشطته في مواجهة الشيوعية


- عبدالحليم محمود دعم الإخوان بشكل كبير.. وساهم في "الانتشار النووي" للمعاهد الأزهرية  




يواصل الكاتب وائل لطفى في حديثه مع "الرئيس نيوز" جمع نسيج الروايات المختلفة وتحليلها للوصول إلى إجابة سؤاله: "كيف تمت صناعة التشدد في مصر؟"، والذى اضطره إلى العودة إلى السبعينات، وجمع الشهادات من أصحابها، منذ بداية "الصفقة" بين الرئيس السادات والجماعات الإسلامية.

قفزت الجماعات الإسلامية، أسوار الجامعة بعد اكتمال نموها ليخرج آلاف المنتمين الجدد، رافعين شعارات (إلى الله يا مصر)، ولأول مرة ظهرت على الجدران شعارات تقول (إسلامية.. إسلامية.. لا شرقية ولا غربية)، (واحكم بينهم بما أنزل الله).

وعن تغلغل الجماعات الإسلامية في مؤسسات الدولة يقول لطفى: موجة الأسلمة التي اجتاحت الجامعات المصرية  لم تكن منفصلة عما يحدث خارج أسوار الجامعة، وكانت تتأثر بها سلبا وإيجابا، فالدعاة الإخوان داخل وزارة الأوقاف المصرية أقنعوا الطلاب المتدينين بحتمية قيام المجتمع الإسلامي.

واخترق الإخوان مؤسسات الدولة الرسمية وعلى رأسها الأوقاف والأزهر، وهو التوغل الذي لايزال قائمًا إلى الآن  ويلزمه الكثير من الوقت لإنهائه، ولكن للحقيقة والإنصاف  فالتوغل الإخواني في جسد الدولة المصرية، لم يبدأ في عهد السادات وإنما يرجع إلى عبد الناصر، في العام 1954 إذ انشق فريق كبير من الجماعة وانحاز إلى عبد الناصر، وبالتالي تم تسكينهم داخل المؤسسات، وتسوية أوضاعهم الوظيفية بأوامر من عبد الناصر شخصيا.

وما طبيعة الدور الذي قام به أعضاء الجماعة في مؤسسات الدولة؟ 

وزارة الأوقاف كانت أكثر الوزارات اختراقا، ومنهم  الشيخ الباقوري والشيخ الغزالي وكيل الجماعة وأحد أهم مفكريها، والشيخ سيد سابق مفتى الجماعة  وعينوا فورا وكلاء وزارة قبل أن يتحولوا مرة أخرى إلى قبلة الجماعة مع بداية مؤشرات تحول الدولة في عهد السادات. 

اخترقوا مؤسسات الدولة المصرية، وعملوا من خلالها، وكان أبرز نموذجين في المجال الدعوي هما محمد الغزالي، والشيخ السيد سابق، وإن كانت الموهبة الشخصية، والدعوية تجعل الغزالي أكثر تأثيرا.

لقد ظل الغزالي ابنا وفيا لفكرة الدولة الإسلامية رغم خروجه من جماعة الإخوان إثر خلافه مع مرشدها حسن الهضيبي، لقد وصل الرجل بالفكرة الإخوانية لجيل الشباب، في الوقت الذي كان فيه الإخوان في السجون.

وبحسب شهادة عبد المنعم أبو الفتوح، فإن الغزالي قد كان صاحب الفضل الأكبر، لأنه (بث فينا الوعي بالإسلام كمشروع نهضوي) و(اجتذبنا واجتذب الإخوان المسلمين الذين كانوا يصلون وراءه رغم الخلاف القديم.
وهو نفس الدور لعبه الشيخ سيد سابق الذي كان وكيل وزارة الأوقاف مثل الغزالي تماما الذي قال أبوالفتوح عنه 
(كنا ندعوه إلى الكلية لإلقاء محاضرات في مساجدها ثم في المدرجات، ثم في المخيمات التي كنا نقيمها في الجامعة، وكان مرجعنا في كثير من القضايا، والمسائل الفقهية).

وهل استمرت صفقة السادات مع الإخوان في عصر مبارك؟

طبعًا..  وكان يتم توظيف عدد من كوادر الجماعة في وزارات ذات ميزانيات أعلى  مثل البترول والكهرباء وذلك وفق سياسة "التسكين" التي اعتمدها مبارك مع الإخوان.

ولكن مبارك كان يستنزف الجماعة بشكل جزئي صغير على طريقة أن "تدمى عدوك بشكل لا يقتله ويحافظ عليه قيد الحياة ولكن ينهكه"، فكان يتم ترتيب قضايا محدودة ومتكررة يتم إلقاء القبض فيها على ربع أعضاء  مكتب الإرشاد والسماح للبقية بتسيير أمور الجماعة، ومدة الحبس لم تكن تزيد عن ثلاث لخمس سنوات. 

ذكرت في الكتاب أن الأزهر كان داعمًا لأجندة الإخوان وقتها

في العام ١٩٧٤ كانت القيادات التاريخية للإخوان خارج السجون، وسمح للمرشد العام أن يعيد إصدار مجلة الدعوة، وتبنت المجلة قضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وتضامن معها بشكل مطلق الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، الذي كان يخصص جزءا كبيرا من جهد الأزهر لمحاربة الشيوعية، وأصدر كتابا مترجما لعدد من المفكرين الأوربيين باسم (الإله الذي هوى) وتوسع في بناء المعاهد الأزهرية، بتبرع خاص حصل عليه من إحدى الدول العربية.

لم يكن هناك حرج أن يكتب شيخ الأزهر مقالات في مجلة مملوكة للإخوان المسلمين، وهكذا نشرت الدعوة نص رسالة، كان عبد الحليم محمود قد وجهها لسيد مرعي، رئيس مجلس الشعب وقال له فيها إن الله قد حرم الخمر في فتدق الشيراتون، وشارع الهرم، كما حرمها في بولاق، وكلوت بك.. وكان ذلك تعليقا منه على قانون يحظر الخمر في الأماكن والمحال العامة، ويسمح بها في الفنادق، والمنشآت السياحية.

تقصد أن الشيخ عبدالحليم محمود كان عضوًا في الإخوان؟   

لا ندعى ذلك.. ولكنه كان هناك تقارب كبير  بينه وبين الإخوان وحتى ابنه الدكتور منيع عبد الحليم محمود قال خلال حوار مع سناء  البيسي بالأهرام أنه كان يعتبر نفسه واحد من الجماعة والجماعة تعتبره واحد منها، ولعب دور كبير في الانتشار النووي  للمعاهد الأزهرية  وتبرعات بالآلاف ليس لها مصدر معلوم وليست من ميزانية الدولة. 

 وهناك واقعة سردها الأستاذ هيكل في كتابه "خريف الغضب" أنه فور توليه، حولت المملكة العربية السعودية للأزهر 100 مليون دولار، لدعم أنشطته في مواجهة الشيوعية، وقد طلب رئيس الوزراء آنذاك، أن تتسلم الحكومة المبلغ وتتكفل بتوفير الدفعات التي يحتاجها الأزهر، وهذه الواقعة توضح  مدى التنسيق السياسي بين الحكومة والاتجاه الذى سلكه الأزهر في ذلك الوقت.

وهو أيضا شيخ الأزهر الوحيد الذى التقى الرئيس الأمريكي وتحدث معه في مكافحة الشيوعية واصطحب معه الشيخ الحصري، وهذه وقائع تدل على أنه كان يعتبر هدم الشيوعية معركة مقدسة، وكان دائم الدخول في معارك مع المفكرين والكتاب اليساريين، منهم معركة مع عبد الرحمن الشرقاوي، رئيس مجلس إدارة  روز اليوسف، عندما اتهمه بالإلحاد والكفر رغم أنه أحد الكتاب الهامين في التأريخ للفكر الإسلامي والصحابة.