السبت 06 ديسمبر 2025 الموافق 15 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"جريمة الزرقاء" تفتح ملف "الصمت المشبوه" للأمن الأردني أمام مافيا الابتزاز

الرئيس نيوز

كشفت الجريمة البشعة التي ارتكبت في الزرقاء وكان ضحيتها صبي يبلغ من العمر ستة عشر عامًا، عن قضية الصمت الرسمي والمجتمعي على عدة مشاكل في الأردن، بدءًا من الانتشار الحاد للجريمة والعنف، وانتهاءً بظهور جيوب مافياوية إجرامية تمارس الأعمال التجارية. في الابتزاز وما يسمى بـ"الإتاوات"، مستغلين اهتمام الدولة بقضايا مهمة وانشغالها بإدارة الشؤون السياسية ودفع الملفات الاقتصادية وتطوير الملفات الصحية في البلاد.
ووقع الحادث الذي صدم المملكة بأكملها يوم الثلاثاء الماضي في مدينة الزرقاء (23 كم شمال شرق العاصمة عمّان). وقالت صحيفة The Weekly Weekly الأمريكية إن عصابة من المجرمين قامت باختطاف الشاب صالح حمدان، وبترت يديه بفأس وأتلفت عينه بسكين، بزعم أنها جريمة انتقامية بحق والد الصبي المسجون حاليا لقتله أحد أقارب العصابة في شجار. ورفض الأب دفع أموال الابتزاز التي طلبها المجرم المتوفى.
جريمة الزرقاء، التي تناقلتها وسائل الإعلام الأجنبية على نطاق واسع، أحرجت الدولة الأردنية التي طالما تفاخرت بقدرتها على السيطرة على الأمن وتماسك نسيجها الاجتماعي.
 عصابات الابتزاز 
وحظر المدعي العام في محكمة الجنايات الأردنية النشر ونشر الفيديو وتفاصيل الجريمة، فيما شنت السلطات حملة أمنية واسعة ضد الجانحين والمجرمين، لا سيما عصابات الابتزاز والخاطفين. وجاءت هذه الحملة على خلفية غضب شعبي متزايد من شوكة هؤلاء المجرمين، خاصة في المحافظات النائية بالمملكة.
من خلال هذه الحملة، بدا أن الدولة الأردنية تحاول طمأنة مواطنيها بأنها قادرة على الضرب بقبضة حديدية ضد أي شخص يحاول زعزعة ثقة الجمهور في الأجهزة الأمنية، كرد فعل على الأسئلة العامة المتزايدة حول دور الدولة في الحد من المخاطر المتزايدة للجريمة وقدرتها على مواجهتها بحزم.
وعبر ناشطون أردنيون عن شكوكهم في رد فعل الدولة ووصفوا الحملة الأمنية بأنها محاولة ملطفة لاحتواء الغضب الشعبي، معتبرين أن الإجرام سيعود قريباً إلى ما كان عليه قبل الحملة.
 صمت الأجهزة الأمنية "المشبوه"
نمت ظاهرة ابتزاز المواطنين مقابل "الإتاوات" أو "ضريبة الخوف" كما يطلق عليها في الأردن، في السنوات الأخيرة إلى مستويات مقلقة في عدة محافظات في الأردن، مثل محافظة الزرقاء. في تطور حديث، لم تعد عصابات المبتزين تقتصر هدفها على أصحاب المتاجر والشركات، بل وسعت ممارساتها لتشمل الباعة الجائلين. 
وقد أدى صمت الأجهزة الأمنية "المشبوه" على هذه الظاهرة إلى ظهور فرضيتين: إما أن السلطات تخشى المافيات الإجرامية التي تقف وراء هذه الظاهرة، أو أن هذه المافيات نفسها تستفيد من حماية شخصيات أمنية رفيعة المستوى.
في سيناريو كلاسيكي للابتزاز، تهدد عصابات الابتزاز أصحاب المتاجر وتطالب بـ"الأتاوات". عادة ما يخضع أصحاب المحال التجارية خوفًا من فقدان مصدر رزقهم إذا رفضوا ذلك.
وذكرت مصادر أردنية أن هؤلاء المجرمين منظمون في مجموعات أو عصابات، على غرار تجار المخدرات، ويتمتعون بقوة ظاهرة لدرجة اعتقاد بعض السكان بأن قوات الأمن تخشى الوقوف في طريقهم. وينتهي الأمر بمعظم أصحاب المتاجر بالدفع في ضوء إدراكهم أن اللجوء إلى الأجهزة الأمنية لن يوفر لهم أي حماية، بل قد يؤدي إلى ردود فعل انتقامية من جانب أفراد العصابات. هذا ما عبر عنه أحد ضحايا هذه الممارسات بشكل غير مباشر خلال برنامج وثائقي عرض على قناة تلفزيونية أردنية، حيث قال إنه لجأ إلى حماية شخص له نفوذ في منطقته. عندما سُئل عن سبب عدم ذهابه إلى الشرطة طلباً للحماية، رفض الإجابة.
الفقر والتطرف
يقول علماء الاجتماع إن زيادة حالات الابتزاز في السنوات الأخيرة مرتبطة بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار الفساد المخيف داخل المملكة. تتفاقم المشكلة بسبب التراخي الذي أبدته السلطات في التعامل مع هذه الظاهرة لدرجة أن بعض الأحياء في العديد من المحافظات خرجت اليوم تقريبًا عن سيطرة السلطات وأصبحت بالمعنى الحرفي ملاذاً للمجرمين.
ويشير الخبراء إلى أن معدلات الجريمة في الأردن شهدت ارتفاعا مطردا بعد التحولات الاجتماعية في العقود الأخيرة، خاصة في المناطق الفقيرة. ازداد الفقر في المملكة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية.
بالنسبة للسلطات الأردنية، شكلت الأزمة في العراق، على خلفية التدخل الأمريكي عام 2003، ثم الأزمة السورية، نوعاً من صمام "الأمان" في التعامل مع الإجرام محلياً. وتغضت السلطات عن هروب الشبان الأردنيين ذوي السوابق الجنائية إلى هاتين الساحتين وتحولهم من مجرمين إلى متطرفين.
تعديلات تشريعية 
مع تغير الأوضاع في العراق وسوريا عاد المئات من هؤلاء "المتطرفين" الأردنيين بعقلية انتحارية وشكلوا عصابات تخيف المواطنين وترهقهم. وفي مناسبات عديدة، أبلغت السلطات عن وقوع إصابات بين عناصر الأمن إثر مداهمات استهدفت بعض الأحياء التي تنشط فيها هذه العصابات.
دعا مدير الأمن العام اللواء حسين الحواتمة إلى إجراء تغييرات وتعديلات على التشريعات والقوانين الحالية حتى تصبح العقوبات رادعة بدرجة كافية. وطالب الحواتمة، خلال حملة أمنية في منطقة وسط العاصمة عمان، بدأت يوم السبت، المواطنين بإبلاغ الشرطة عن رجال العصابات بالابتزاز باستخدام رقم هاتف مخصص، مع ضمان السرية التامة، فيما يبدو أنه محاولة لطمأنة الناس وكسر حاجز الخوف. وأكد أن الحملة الأمنية ستستمر حتى نهاية الظاهرة ، مضيفاً: "سنضرب بقبضة من حديد كل من يحاول الإضرار بأمن الوطن والمواطنين".
وكان مصدر امني اردني اعلن في وقت سابق عن اعتقال نحو 100 من المجرمين المطلوبين والمتهمين بالابتزاز خلال الحملة.
 وقال متحدث اعلامي باسم مديرية الامن العام في بيان ان "الحملات الامنية المشتركة لمديرية الامن اسفرت عن توقيف 97 مطلوبا من المطلوبين الهاربين والمشتبه بهم في قضايا ابتزاز وترويع مواطنين بينهم خمسة مجرمين مصنفين بالخطورة جدا".
وأوضح أن هذه الحملات الأمنية "ستستمر حتى يتم القبض على جميع المشتبه بهم ويتخلص المجتمع من أفعالهم". كما اكد "مقتل احد المطلوبين عندما حاول رجال الامن اعتقاله في صويلح بعمان بعد ان قفز من شرفة المنزل".