الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

كيف واجهت الفدائية زينب الكفراوي العدوان الثلاثي بـ"عربة أطفال"؟

الرئيس نيوز

- هرّبت أسلحة وقنابل تحت ابن شقيتها الرضيع.. وضابط إنجليزي سألها عن اسمه فردت: "جمال"
- قادت 6 فتيات إلى جانب الفدائيين ضد العدوان الثلاثي.. وحلقة الاتصال تاجر يوناني


بملامح دقيقة وتسريحة شعر مميِّزة لتلك الأيام، كانت زينب الكفراوي، ابنة الـ15 سنة، فتاة نشيطة؛ تذهب إلى مدرسة المعلمات صباحًا، وتمارس الرياضة في وقت فراغها، لكنها لا تفهم في السياسة كثيرًا، إلى أن جاء يوم 29 أكتوبر 1956.

في صباح ذلك اليوم، استيقظت "زينب" على غارات الطيران الإنجليزي تدك بورسعيد. كان نصيب المدينة من العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل كبيرا، حتى أن حي "المناخ" القريب من منزلها احترق تماما.

قبل سنتين من ذلك التاريخ، أي عام 1954، تلقت زينب تدريبات أولية على بندقية "لي أنفيلد" الإنجليزية، وتعلمت كيف تتعامل مع الذخيرة والقنابل، كان ذلك جزءًا من "تربية عسكرية" فرضتها الظروف الملتهبة التي كانت مصر مقدمة عليها. كما أنها عملت في جمع التبرعات لصالح الجيش.

عندما جاءت سنة 1956 بدا أن ما تعلمته "زينب" سيكون مفيدًا الآن.

في قسم بوليس حي العرب، كان يعمل أبوها، محمود الكفراوي، بدرجة "صول". قضى الرجل 35 عاما في الخدمة الشُرطية.

في يوم العدوان استدعاه النقيب مصطفى كمال الصياد، المسئول عن القسم: "عايزين بنات يا عم محمود يساعدوا الرجال في المقاومة.. مفيش حد هيشك فيهم".

كانت المهمة في البداية "نقل منشورات". ردّ الرجل دون تفكير: "بنتي موجودة"، وأضاف: "وهتشوف كمان بنات تانيين". هكذا لم يبخل رجل البوليس البورسعيدي بابنته على بلده في تلك اللحظة.

قبلت "زينب" المهمة على الفور، وراحت تبحث عن أخريات، فجمعت ست فتيات أسماءهن كالتالي: زينب أبو زيد، أفكار العوادلي، نجدة عبد الغفار، ليلي النجار، سلوى الحسيني، واعتماد عبد المحسن.

شكلت زينب الكفراوي من هؤلاء "المجموعة العاشرة" النسائية في المقاومة الشعبية للعدوان، بجانب 9 مجموعات من الرجال كان يشرف عليها كلها النقيب كمال الصياد.

بجانب سينما "ماجستيك"، إلى جوار الميناء، كان هناك محل ملابس رياضية يملكه تاجر يوناني من قبرص. هناك كانت حلقة الوصل بين "مجموعة زينب" وبين النقيب "الصياد".

كانت كل واحدة منهن تذهب إلى المحل وتستلم نصيبها من "المنشورات" من الرجل اليوناني الذي كان يشترك في المهمة كأنه مصري صميم، ثم يذهبن للصق المنشورات المنددة بالعدوان على الحوائط.

أثبتت "زينب" وباقي مجموعتها مهارة وصلابة في نقل وتوزيع المنشورات، كما أثبتت الأيام، مع استمرار العدوان، أن مهمتهن لا بد أن تتطور إلى ما هو أكثر من ذلك، أي إلى "نقل السلاح" إلى الفدائيين.

كان مخزن السلاح والذخيرة في منطقة "عزبة فاروق". والمهمة كالتالي: تذهب زينب وزملاتها إلى هناك وتستلم كمية مطلوبة من السلاح وتنقلها بمعرفتها إلى الرجال في وسط المدينة.

ذهبت "زينب" واستلمت كمية من السلاح والذخيرة والقنابل. كانت حيلتها لكي تخبئ كل هذا هي عربة أطفال تحمل فيها طفلا رضيعا هو ابن شقيقتها.

كان عليها أن تضع كل هذه الأسلحة في باطن العربة، ثم تغطيه ببطانية صغيرة، ثم تريح فوقها الرضيع، وتتمشى في الشارع كأي أم تسير بطفلها وتتصرف في أي موقف تواجهه.

في تلك المرة، سارت "زينب" في شارع الروضة، وهي تدفع العربة بالطفل وبالأسلحة، لكن دورية إنجليزية استوقفتها. كان الأمر متوقعا، ومن بعيد كان النقيب كمال الصياد يراقبها للتأمين.

استوقف الضابط البريطاني "زينب" وسألها بمشاكسة مصطنعة: "ما اسم الطفل". ورغم أن اسمه كان "رؤوف" فإنها ردت: "اسمه جمال". كانت تريد أن تغيظ ذلك المحتل باسم الزعيم الذي وقف في وجههم وأمم قناة السويس وأعادها إلى شعبه.

ظلت "زينب"، طوال أيام الحرب التسعة، تنفذ مهمتها بشجاعة، شجاعة نفسية في المقام الأول جعلتها تستجيب ببساطة عندما قرر والدها أن يشتبك مع الإنجليز وقال لها "روحي عمّري البندقية"، وذهبت دون اهتزاز.

شجاعة نفسية جعلتها تحمل كومة من القنابل على كتفها وتتسلق جدارا لتهريب هذه الكمية قبل أن يداهم جنود العدو منزل كان يختبئ فيه عدد من رجال المقاومة.

64 سنة مرت على تلك الأيام التي كانت فيها زينب الكفراوي مقاتلة صغيرة بقلب متمرس، وروح متقدة بالحماس، ذلك الحماس الذي ظل يلازمها كلما حكت عن تلك المشاهد التي خلدها في ذاكرة بورسعيد، مدينتها التي دافعت عنها وهي بنت 15 سنة، وشيعتها بوفاء وامتنان عندما رحلت قبل أيام وهي في الثمانين.