الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

"نيويورك تايمز": وثائق سريَّة تفضح النفوذ الإيراني في العراق

الرئيس نيوز


ـ سنوات من العمل الشاق وجواسيس إيرانيون للتدخل في اختيار قادة العراق

محمد إسماعيل

تزامنًا مع تصاعد الاضطرابات الأخيرة في بغداد، نزل زائر مألوف بهدوء إلى العاصمة العراقية، كانت المدينة تحت الحصار لأسابيع، بينما سار المتظاهرون في الشوارع، مطالبين بوضع حد للفساد والدعوة إلى الإطاحة برئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وعلى وجه الخصوص، ندد العراقيون بالنفوذ الضخم لجارتهم إيران في السياسة العراقية، وحرقوا الأعلام الإيرانية وهاجموا قنصلية إيرانية.

كان الزائر هناك لاستعادة النظام، لكن وجوده سلط الضوء على أكبر مظالم للمتظاهرين: كان ذلك الرجل اللواء قاسم سليماني، قائد قوة القدس الإيرانية، وقد جاء لإقناع حليف في البرلمان العراقي لمساعدة رئيس الوزراء في الاحتفاظ بمنصبه.

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن هذه لم تكن المرة الأولى التي يُرسل فيها الجنرال سليماني إلى بغداد للقيام بمهام تعزز نفوذ طهران هناك، وتعد جهود طهران لدعم عبد المهدي جزءًا من حملتها طويلة الأجل للحفاظ على العراق كدولة عميلة لطيفة لا تسبب المتاعب.

كشفت الصحيفة الأمريكية عن وثائق إيرانية تم تسريبها تقدم صورة مفصلة عن مدى عمل طهران بقوة على دس أنفها في الشؤون العراقية، والدور الفريد للجنرال سليماني، كما أن الوثائق واردة في أرشيف للبرقيات الاستخباراتية الإيرانية السرية التي حصل عليها موقع The Intercept ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز في وقت واحد.

تكشف البرقيات المسربة غير المسبوقة عن نفوذ طهران الهائل في العراق، وسنوات من العمل الشاق الذي قام به جواسيس إيرانيون للتدخل في اختيار قادة العراق، ودفع رواتب الوكلاء العراقيين الذين يعملون لصالح إيران لتبديل مواقفهم والتسلل إلى كل جانب من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والدينية في العراق.

تصف العديد من البرقيات كابوس التجسس الجاثم فوق صدر العراق، وما يكفي لصناعة مئات الأفلام التجسسية، يتم ترتيب الاجتماعات في الأزقة المظلمة ومراكز التسوق أو تحت غطاء رحلة صيد أو حفلة عيد ميلاد، كما أن الجواسيس يتربصون في مطار بغداد ويلتقطون صوراً لكل زائر إلى العراق، وينفذ عملاء طهران عبر الطرق الملتوية إلى الاجتماعات للتهرب من المراقبة ووسيلتهم هدايا من الفستق والكولونيا والزعفران. كما يتم تقديم رشاوى للمسؤولين العراقيين، إذا لزم الأمر.

يحتوي أرشيف البرقيات على تقارير مصاريف ورواتب دائمة لضباط الاستخبارات في العراق، بما في ذلك تقرير بلغ إجمالي 87.5 ألف يورو هو عبارة عن هدايا لقائد كردي.

ووفقًا لإحدى البرقيات، فإن عبد المهدي، الذي عمل في المنفى عن كثب مع إيران أثناء وجود صدام حسين في السلطة في العراق، يحتفظ بما يمكنه وصفه بالـ "علاقة الخاصة مع إيران" منذ أصبح وزيرًا للنفط في عام 2014. الطبيعة الدقيقة لتلك العلاقة ليست مفصلة في البرقية، وكما حذر أحد كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين، فإن "العلاقة الخاصة يمكن أن تعني الكثير من الأشياء - هذا لا يعني أنه عميل للحكومة الإيرانية. "لكن لا يمكن لأي سياسي عراقي أن يصبح رئيساً للوزراء دون مباركة إيران، وكان عبد المهدي، عندما حصل على رئاسة الوزراء في عام 2018، ينظر إليه كمرشح توفيقي مقبول لدى كل من إيران والولايات المتحدة.

البرقيات المسربة تقدم لمحة استثنائية داخل النظام الإيراني السري. كما تورد بالتفصيل مدى سقوط العراق تحت النفوذ الإيراني منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، والذي حول العراق إلى بوابة للقوة الإيرانية، لربط جغرافية إيران بالهيمنة من شواطئ الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط.

وتؤكد البرقيات إلى حد كبير ما كان معروفًا بالفعل حول قبضة إيران القوية على السياسة العراقية، لكن التقارير تكشف أكثر بكثير مما كان معروفاً في السابق عن مدى استخدام إيران والولايات المتحدة للعراق كمنطقة انطلاق للألعاب التجسسية، كما سلطت البرقيات الضوء على السياسة الداخلية المعقدة للحكومة الإيرانية، حيث تتصارع الفصائل المتنافسة وتبين الوثائق كيف أن إيران، في كل منعطف تقريبًا، تفوقت على الولايات المتحدة في المنافسة على النفوذ.

يتكون الأرشيف من مئات التقارير والبرقيات (حوالي 700 صفحة) التي كتبت بشكل رئيسي في عامي 2014 و2015 من قبل ضباط وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، الذين كانوا يعملون في الميدان في العراق. تتمتع وزارة الاستخبارات الإيرانية تقليديًا بسمعة تحليلية ومهنية، لكن هيمنة الأيديولوجية الإسلامية لحكم الولي الفقيه طغت عليها وأخرجتها عن ذلك المسار المهني، وسقطت في تبعية إجبارية للحرس الثوري الإسلامي، التي تم تأسيسه رسمياً ككيان مستقل بأمر من المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي.

في العراق ولبنان وسوريا، والتي تعتبرها إيران حاسمة بالنسبة لأمنها القومي، يحدد الحرس الثوري - خاصة قوة القدس النخبوية بقيادة الجنرال سليماني - سياسات إيران. يتم تعيين سفراء هذه الدول من الرتب العليا للحرس الثوري، وليس وزارة الخارجية، التي تشرف على وزارة الاستخبارات، وفقًا لعدة مستشارين للإدارات الإيرانية الحالية والسابقة. وقالت هذه المصادر إن الضباط من وزارة الاستخبارات والحرس الثوري في العراق عملوا بالتوازي مع بعضهم البعض. وقد أبلغوا النتائج التي توصلوا إليها إلى مقرهم في طهران، والذي قام بدوره بتنظيمها في تقارير للمجلس الأعلى للأمن القومي.

 

كانت استمالة المسؤولين العراقيين جزءًا أساسيًا من عملهم، وقد أصبح الأمر أسهل من خلال التحالفات التي أقامها العديد من القادة العراقيين مع إيران عندما كانوا ينتمون إلى جماعات معارضة تقاتل صدام حسين. العديد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين في العراق أقاموا علاقات سرية مع طهران، وفقاً للوثائق. كما أن نفس الخطاب المؤرخ في 2014 الذي وصف "العلاقة الخاصة" لعبد المهدي، قد سمى أيضًا العديد من الأعضاء الرئيسيين الآخرين في مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي رئيس الوزراء بأن لهم علاقات وثيقة مع إيران.

مقتبس من برقية كتبت باللغة الفارسية:

"الهدف الحالي هو أن يقدم هذا الشخص رؤى استخباراتية حول خطط الحكومة الأمريكية في العراق، سواء كان ذلك للتعامل مع داعش أو أي عمليات سرية أخرى. الهدف النهائي هو أن يكون هذا الشخص مخبراً، إما في وزارة الخارجية الأمريكية أو مع أي قادة عراقيين من السنة أو الأكراد على استعداد للتعاون".

أكد محلل سياسي ومستشار في شؤون العراق للحكومة الإيرانية، "جيس جريشي"، أن إيران ركزت على تعيين مسؤولين رفيعي المستوى في العراق. وقال: "لدينا عدد كبير من الحلفاء من بين القادة العراقيين الذين يمكن أن نثق بهم وأعيننا مغمضة".

وطُلب من ثلاثة مسؤولين إيرانيين التعليق على مقال نيويورك تايمز، في استفسارات عن وجود هذه البرقيات والتقارير المسربة. وقال علي رضا ميروسفي، المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة الإيرانية، إنه كان بعيداً حتى وقت لاحق من هذا الشهر، لم يستجب ماجد تخت رافانشي، سفير إيران لدى الأمم المتحدة، لطلب مكتوب تم تسليمه باليد إلى مقر إقامته الرسمي، لم يرد وزير الخارجية محمد جواد ظريف على طلب التعليق عبر البريد الإلكتروني.

عندما تم الاتصال به هاتفياً، رفض حسن دانييفار، سفير إيران في العراق من 2010 إلى 2017 ونائب قائد القوات البحرية للحرس الثوري سابقًا، الرد مباشرة بتأكيد وجود البرقيات، لكنه أشار إلى أن إيران لديها اليد العليا في جمع المعلومات في العراق. "نعم، لدينا الكثير من المعلومات من العراق حول قضايا متعددة، خاصة حول ما كانت تفعله أمريكا هناك"، وقال: هناك فجوة واسعة بين واقع وتصور الأعمال الأمريكية في العراق، لدى الكثير من القصص لأرويها"، ورفض التوضيح.

وفقاً للتقارير، بعد انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011، تحركت إيران بسرعة لإضافة مسؤولين سابقين بوكالة الاستخبارات الأمريكية C.I.A إلى كشوف الرواتب، يظهر قسم غير مؤرخ من برقية لوزارة الاستخبارات أن إيران بدأت عملية تجنيد جاسوس داخل وزارة الخارجية الأمريكية.

ووفقًا للملفات، بدأت إيران في مقابلة المصدر، وعرضت مكافأة والأجر المحتمل براتب، وعملات ذهبية، وهدايا أخرى، لم يتم ذكر اسم مسؤول وزارة الخارجية في البرقية، ولكن وصف الشخص بأنه شخص قادر على تقديم "رؤى استخباراتية حول خطط الحكومة الأمريكية في العراق، سواء كان ذلك للتعامل مع داعش أو أي عمليات سرية أخرى"، وقالت البرقية: "الحافز المالي سيجعل مهمة تجنيده سهلة".