الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

6 أكتوبر بقلم مراسل حربي (2): وجوه من قلب المعركة.. كيف يبدو رجال مصر على الجبهة؟

الرئيس نيوز

"لقد قضيت ليلة طويلة متوحدًا أذرف الدمع الحار على مقاتل مصري من هذا النوع الذي يأتيك انطباع عند رؤيته، أنه خُلق ليستشهد، من جرأته، من البطولات الأسطورية التي أتاها، من تأثيره بين رجاله، من طريقته في الحديث التي تجعلك تشعر أنك أمام راهب حرب، متصوف عسكرية.. لو سردت آلاف الصفحات بأكثر الأقلام حدة، وأكثرها موهبة، فلن يصبح هذا إلا بمثابة خدش فوق سطح متعدد الأعماق".

بروح المقاتل وقلم الصحفي، سجّل الكتاب الراحل جمال الغيطاني هذه الكلمات، في السنة الأخيرة من فترة عمله مراسلًا حربيًا على الجبهة، والتي بدأها منذ عام 1968 إلى 1974.

عايش "الغيطاني" الجيش المصري، في تلك الفترة الملحمية التي شهدت الاستعداد لمعركة التحرير، وتفاعل بروحه وشاهد بعيينه ونقل بقلمه عمليات حرب الاستزاف، حتى جاءت اللحظة الكبرى في 6 أكتوبر 1973، عندما عبرنا قناة السويس إلى الضفة الشرقية.

كان الكاتب الراحل أحد أشهر المراسلين الحربيين في تاريخ الصحافة والجيش المصري، وكانت مراسلاته اليومية من الجبهة إلى الشارع عبر صحيفة "الأخبار" مادة أدبية إخبارية رفيعة المستوى لنقل صورة كاملة عن بطولات الجندي المصري في مواجهة العدو الإسرائيلي.

"الرئيس نيوز" يعرض على حلقات متتالية يوميات حرب أكتوبر بقلم "الغيطاني" والتي صدرت حديثًا في كتاب "على خط النار"، الصادر عن دار أخبار اليوم في مناسبة الذكرى 46 لمعركة العبور.

*

يبدع جمال الغيطاني عندما يتحدث عن انعكاس الحرب في هيئة أبطالها، إنه يتأمل وجوه المقاتلين، قسمات ملامحهم، ضحكاتهم، هدوءهم، إلى أن يصل إلى روحهم العميقة المروية بماء النيل والمعجونة في تراب هذا الوطن.

في رسالته إلى جريدة "الأخبار"، بتارخ 21 أكتوبر 1973، والحرب لا تزال قائمة، يكتب المراسل الحربي بتكثيف واختصار عن ثلاثة من جنود الجيش المصري على الجبهة، تحت عنوان "مع الرجال.. الذين قاتلون في سيناء".

يبدأ "الغيطاني" مع المقاتل "عبد الوهاب"، صاحب قسمات الوجه الهادئة. يقول عنه: "عام 1969 اشترك في الإغارة على أحد المواقع الحصينة بخط بارليف، ورفع العلم المصري لأول مرة وقتئذ. وفي بداية هذا الأسبوع شاهد المقاتل عبد الوهاب العلم المصري يرتفع فوق نفس الموقع، يرتفع إلى الأبد".

وفقا لتأمل الغيطاني في ملامح هذا المقاتل، فإن "وجهه الهادئ يعكس الروح الحضارية العميقة للإنسان المصري، بأني الحضارة، يبني، ويبدع، يخلق أرقى الفنون، يعطي الحياة ويدعمها ويؤكد استمرارها".

"عبد الوهاب" حاصل على دبلوم المدارس الثانوية الزراعية، ورغم الوجه الهادئ الملامح "لكننا نعرف من زملائه المقاتلين، أنه أشرس مما نتصور، وأنه لحظات الهجوم يندفع في مقدمة المقاتلين، وأنه يرفض الإجازة الميدانية القصيرة، لا يريد أن يغيب ثانية واحدة عن ميدان القتال".

نأتي إلى النموذج الثاني الذي يكتب لنا عنه المراسل الحربي جمال الغيطاني، إنه المقاتل محمد، وهو زميل السلاح لـ"عبد الوهاب" لكنه يختلف عنه في السمات الشخصية.

يقول الكاتب عنه: "إذ يظهر في مكان ينشر الضحكات، إن ملامحه مصرية تماما، وفي روحه يتجسد أحد مكونات الشخصية المصرية.. المرح والسخرية، هذا العامل الذي يخفف الصعاب".

ويضيف: "المقاتل محمد يعرف سيناء كما يعرف راحة يده، لقد قضى شهورا طويلة خلف خطوط العدو".

ثم يصيغ "الغيطاني" هذه الفقرة في مديح بطولة "محمد"، الشهير بين زملائه باسم "بوند" نظرا لحبه للمخاطرة والجسارة: "أرى الآن المقاتل محمد النحيل، أسمر الوجه، أراه الآين بعيني عقلي فوق نقطة ما بأرض سيناء، أراه مغيرا على أحد أهداف العدو، أراه يقتحم موقعا حصينا، أراه يذود عني، وعنكم الخطر، وربما يدفع حياته، ومرحه، وحيويته، لكي أعيش أنا وتعيشون أنتم".

المقاتل "عبده" هو الوجه الثالث من وجوه معركة أكتوبر بقلم "الغيطاني"، إنه معاون إحدى المدارس بكفر الدوار: "أسمر الوجه، كتلة مشتعلة من الحماس، والرغبة في التحدي، الانطباع الأول لدى رؤيته أنك أمام مقاتل شرس، جرئ".

تتسع رؤية جمال الغيطاني قليلا ليصل إلى علاقة الجنود بقادتهم. يقول: "حدثني المقاتل عبده، وحدثني زملاؤه عن قائدهم، في حديثهم عنه إعجاب لا يخفى، إنه يعرفهم، يعرف كل منهم ومشاكلهم الخاصة، وفي القتال يتقدمهم، وإذ يبلغه نبأ إصابة أحدهم يعض شفته السفلى غيظا وحنقا.. إن علاقتهم بهم مزيج من علاقة القائد برجاله، والأخ بأشقائه، والصديق بأصدقائه".