السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"فاروق حسني يتذكر" (4): كمال الشاذلي زارني في منزلي لمنع "عمارة يعقوبيان".. واصطدمت بالدولة لحماية "النيجاتيف"

الرئيس نيوز


- قلت لكمال الشاذلي: "دع الفيلم يُعرض وينساه الناس".. وياسر عرفات لم يتدخل لمنع عرض "ناجي العلي"

- رفضت نقل مكلية أصول السينما إلى "قطاع الأعمال".. والحكومة لم تكن تدري قيمة الثروة

 


أن تبقى لنحو ربع قرن وزيرًا فإن الأمر مثير للتأمل والتحليل، ورغم أن الموضوع قد لا يخلو من تميز، فإنه أيضًا لا يعفي من مسؤولية ولو أدبية عن بعض القيم التي مثلتها تلك الفترة في ظل نظام سياسي ظل لنحو 30 عامًا في السلطة.

هو فاروق حسني، وزير الثقافة المصري في الفترة من 1987 إلى 2011، والذي تتراوح النظرة إليه ما بين الفنان المستنير المبدع في عيون محبيه، وراعي "الحظيرة" في نظر كل من اختلفوا معه ومع سياساته طوال سنوات.

كتاب "فاروق حسني يتذكر.. زمن من الثقافة"، الصادر عن دار نهضة مصر، 2018، وهو كتاب حوارات، حررته الصحفية انتصار دردير، يستعيد تفاصيل تلك الفترة التي شغل فيها الفنان الوزارة، وشهدت معارك وأحداث وتطورات ثقافية شتى.

"الرئيس نيوز" يعرض الكتاب الذي يمكن اعتباره مذكرات الوزير الأسبق، على عدة حلقات، نظرًا للمكانة الجدلية التي شغلها صاحبه في مسيرة الثقافة المصرية الرسمية طوال أكثر من عقدين.

 

*

في فصل بعنوان "بحب السينما" مقتبس من عنوان الفيلم الشهير لأسامة فوزي، والذي سيأتي ذكره بعد صفحات؛ تواجه محررة الكتاب فاروق حسني بعدة أزمات سينمائية حدثت في عهده، ما بين أمور خاصة بالصناعة والإنتاج ودور وزارته فيها، وما بين أزمات أثيرت حول أفلام شهيرة.

نبدأ من مرثية عاطف الطيب للقضية الفسطينية، فيلم "ناجي العلي"، 1991، الذي لعب دور البطولة فيه نور الشريف عن قصة حياة رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير، الذي عٌرف بمواقفه الرافضة لاتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

بدأت الأزمة عندما كان الفيلم متقدما لمسابقة مهرجان الفيلم القومي عام 1993، إذ تشكلت لجنة لاختيار الأفلام التي ستعرض فيما اٌعتبر وقتها حيلة لاستبعاد "ناجي العلي" بعد حملة صحفية ضارية قادتها صحيفة أخبار اليوم برئاسة إبراهيم سعدة على صناع العمل وصلت إلى حد اتهامهم بالخيانة، في الوقت الذي تسربت فيه معلومات عن طلب الرئيس الراحل ياسر عرفات من حسني مبارك عدم عرض الفيلم.

لا يخفي فاروق حسني انحيازه لعرض الفيلم، ويقول إنه أعلن ذلك حينها، لكنه يتكئ على نقطة اللجنة الفنية لتبرير عدم عرض العمل، مشددًا على أن ذلك لم يكن "قرارا شخصيًا".

كلام الوزير الأسبق ربما يثير الغرابة مع اختلاف معايير الحكم على الأعمال الإبداعية هنا، وهو ما يعيد إلى الأذهاب أنه لم يسمح بمنع رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر ودافع عنها للنهاية، فيما شكل لجنة لاستبعاد ثلاث روايات مصرية بسبب "اتهامات أخلاقية"، لأنها خرجت من مطابع الوزارة.

في أزمة الفيلم يبدو أن "حسني" يستند على حيلة اللجنة الفنية ليبرئ نفسه ووزارته من منع الفيلم الذي "يوافق عليه هو شخصيًا"، وما يزكّي هذا أنه استبعد أي ضغوط سياسية من ياسر عرفات على مبارك لعدم عرض العمل.

يقول: "لا أعتقد أن الرئيس الراحل ياسر عرفات تدخل لمنع الفيلم، ربما يكون قد عبر عن بعض مخاوفه للرئيس مبارك لكن ليس إلى درجة المطالبة بوقف عرضه، والفيلم أثار لغطا، لكن ما دامت هناك لجنة للاختيار فهي صاحبة القرار، ويجب ألا نطغى على حقها في إقرار ما تراه".

نأتي إلى فيلم آخر كان لفاروق حسني موقف مؤيد له لكنه عُرض هذه المرة بعد دفاع الوزير وأجهزة الرقابة التابعة له عنه. نتحدث عن "عمارة يعقوبيان"، 2006، الذي كتبه وحيد حامد عن رواية "علاء الأسواني" بنفس الاسم، وأخرجه وحيد حامد.

تضمن الفيلم شخصية "كمال الفوي" التي لعبها بحرفية خالد صالح، والتي حملت إسقاطات شكلية وموضوعية على السياسي القوي في النظام، كمال الشاذلي، النائب البرلماني المخضرم وعضو الهيئة العليا للحزب الوطني.

يحكي فاروق حسني: "جاء الراحل كمال الشاذلي إلى منزلي يطالب بمنع الفيلم، قائلا إنه يسئ لشخصه، فقلت: هل اسمك ورد بالفيلم؟ بالطبع لا، قال: لكن به إسقاطات على شخصيتي كما علمت، قلت: دع الفيلم يُعرض ويتناساه الناس، فالعمل السياسي يجعل صاحبه في وضع "تبة ضرب النار"، ثم طرح مخاوفه مرة أخرى مع على أبو شادي رئيس الرقابة الذي أكد له خطأ شكوكه، وتم عرض الفيلم كاملا".

أزمة أخرى تتعلق بصناعة السينما عمومًا، هي خصخصة السينما وبيع نيجاتيف الأفلام، والتي كان فاروق حسني ووزارته شاهدين عليها، لكنه هنا لم يستطع إيقاف الكارثة، رغم "صوته المسموع" لدى رئيس الجمهورية، كما واجهته المحررة، وكما يقول في أكثر من مرة.

يعلن الوزير الأسبق اعتراضه على خصخصة أصول السينما. يقول: "كنت ضده تماما، وأنه يمثل خسارة على الصناعة"، ثم يستردك متحدثا من منظور أوسع يبعد أي مسئولية عن وزارته: "لكنني اصطدمت بسياسة الدولة الاقتصادية بعد أن ضمت السينما إلى السياحة والإسكان، وتم الاستحواذ على دور العرض والاستديوهات والصوت والضوء".

يكمل فاروق حسني: "لعلني أذيع سرا لأول مرة وهو أنني رفضت نقل ملكية أصول السينما إلى وزارة قطاع الأعمال وظلت الورقة في مكتبي ولم أوقع عليها، ولو تم هذا ما كان باستطاعة الوزارة استردادها من جديد كما حدث مؤخرا".

كيف تصرف إذن لإيجاد أي حل لبيع نيجاتيف الأفلام. يروي: "حينما بدأ ورثة بعض المنتجين يبيعونه للفضائيات العربية لم تكن لدى الوزارة إمكانيات لشرائها، ومع ذلك قمت بتشكيل لجنة برئاسة النائبة فايدة كامل وفاروق عبد السلام وعلى أبو شادي لعمل نيجاتيف بديل من هذه الأفلام يبقى بحوزتنا، واتفقنا مع الشركات والقنوات العربية ووافقوا".

يكمل: "كان المشروع سيتكلف نحو 300 مليون جنيه، وطلبت دعما من وزارة المالية لكن مندوب المالية رفض أمام مجلس الشعب وقال: إذا كانت وزارة الثقافة تريد هذه النسخ فلتعملها على حسابها". ثم يخرج من هذا برأي أكثر وضوحًا: "الحكومة لم تكن تدري قيمة هذه الثروة، وظلت نظرتها لصناعة السينما قاصرة".