الأربعاء 17 ديسمبر 2025 الموافق 26 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

ولاية تكساس تفتح جبهة قانونية ضد عمالقة التلفاز الذكي بتهمة التجسس على المستخدمين

الرئيس نيوز

أشعلت ولاية تكساس جدلًا واسعًا بعد أن رفع المدعي العام كين باكستون دعوى قضائية ضد خمس من كبرى شركات تصنيع أجهزة التلفاز الذكية في العالم، هي: سوني، سامسونج، إل جي، هايسنس، وتي سي إل. 

وتتهم الدعوى هذه الشركات باستخدام تقنيات التعرف الآلي على المحتوى (ACR) للتجسس على المستخدمين داخل منازلهم وجمع بيانات حساسة دون موافقة صريحة، في خطوة تعكس تصاعد المخاوف من انتهاك الخصوصية الرقمية وتداخلها مع اعتبارات الأمن القومي، لا سيما مع وجود شركتين صينيتين ضمن قائمة المدعى عليهم، وفقا لصحيفة سايبر ناو.

خلفية القضية وتحوّلها إلى صراع قانوني

في السنوات الأخيرة، تحولت أجهزة التلفاز الذكية من مجرد شاشات عرض إلى منصات رقمية متصلة بالإنترنت، قادرة على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات. هذا التحول، الذي رُوّج له باعتباره نقلة نوعية في تجربة المستخدم، فتح في المقابل الباب أمام تساؤلات عميقة حول الخصوصية وحدود ما يمكن للشركات جمعه من معلومات داخل الفضاء الأكثر حساسية: المنزل.

وفي هذا السياق، جاءت دعوى تكساس لتضع هذه الممارسات تحت المجهر القانوني. إذ تؤكد الولاية أن الشركات الخمس استخدمت تقنيات ACR لرصد كل ما يُعرض على الشاشة، سواء عبر البث التلفزيوني أو منصات البث أو حتى أجهزة خارجية موصولة بالتلفاز، ومن ثم تحويل هذه البيانات إلى سلعة تجارية تُستخدم في الإعلانات المستهدفة أو تُنقل إلى أطراف ثالثة.

تفاصيل الاتهامات

وفقًا لما ورد في ملف الدعوى، فإن تقنية ACR تعمل بشكل صامت في الخلفية، حيث تقوم بمطابقة المحتوى المعروض على الشاشة مع قواعد بيانات ضخمة، ما يسمح بتحديد تفضيلات المشاهدين وأنماط سلوكهم بدقة عالية. وتؤكد الدعوى أن هذه العملية تتم غالبًا دون علم المستخدم أو من خلال موافقات مبهمة مدفونة في إعدادات معقدة لا ينتبه إليها معظم المستهلكين.

وتذهب الاتهامات إلى أبعد من مجرد تتبع المحتوى، إذ يشير المدعي العام إلى أن بعض الشركات جمعت بيانات حساسة إضافية، مثل معلومات تسجيل الدخول، وربما بيانات مالية، ما يشكل – بحسب وصفه – غزوًا رقميًا غير مرئي يتجاوز الحدود المقبولة قانونيًا وأخلاقيًا.

البعد الصيني ومخاوف الأمن القومي

أحد أكثر الجوانب حساسية في الدعوى يتعلق بوجود شركتي هايسنس وتي سي إل، اللتين تتخذان من الصين مقرًا لهما. فقد شدد باكستون على أن قانون الأمن القومي الصيني يمنح السلطات في بكين صلاحيات واسعة للوصول إلى بيانات الشركات، ما يثير مخاوف من احتمال وصول بيانات مستخدمين أمريكيين إلى جهات أجنبية.

لكن هذا البعد أضفى على القضية طابعًا يتجاوز حماية المستهلك المحلي، ليصل إلى مستوى القلق الأمني والاستراتيجي، في ظل التوتر المستمر بين الولايات المتحدة والصين حول التكنولوجيا والبيانات والسيادة الرقمية.

موقف المدعي العام وخطابه السياسي

في تصريحاته، استخدم باكستون لغة شديدة اللهجة، مؤكدًا أن الشركات «خانَت ثقة سكان تكساس» وتجاوزت الخطوط الحمراء للخصوصية. 

ووصف ما جرى بأنه خداع ممنهج يهدف إلى تحقيق أرباح على حساب الحقوق الأساسية للمواطنين. كما شدد على أن تكساس لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما اعتبره شكلًا من أشكال المراقبة الجماعية داخل البيوت.

غير أن منتقدي باكستون يرون في القضية بعدًا سياسيًا، معتبرين أنها تخدم صورته كمدافع شرس عن الخصوصية والحريات الفردية، خاصة في ظل طموحاته السياسية وحضوره الإعلامي القوي.

تفاعل الإعلام والرأي العام

أثارت الدعوى ردود فعل متباينة في الأوساط الإعلامية. فبينما رحب كثيرون بالخطوة واعتبروها سابقة ضرورية لكبح جماح الشركات التكنولوجية، رأى آخرون أن المستخدمين يتحملون جزءًا من المسؤولية بسبب عدم قراءة شروط الاستخدام أو تفعيل إعدادات الخصوصية.

وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الشركات المتهمة غالبًا ما توفر خيار تعطيل تقنية ACR، لكن هذا الخيار يكون مخفيًا ضمن قوائم إعدادات معقدة، ما يجعل معظم المستخدمين خاضعين للمراقبة دون إدراك فعلي لما يحدث.

تداعيات محتملة تتجاوز حدود تكساس

تحمل القضية تداعيات واسعة على عدة مستويات. فعلى صعيد الشركات، قد تواجه غرامات مالية ضخمة وإجبارًا على تعديل سياسات الخصوصية وجعلها أكثر شفافية. أما على صعيد المستخدمين، فقد تفتح الدعوى الباب أمام تشريعات أكثر صرامة تحكم عمل الأجهزة الذكية وتمنح المستهلكين سيطرة حقيقية على بياناتهم.

ودوليًا، يضيف وجود شركات صينية إلى النزاع بُعدًا جيوسياسيًا قد يزيد من حدة التوتر بين واشنطن وبكين، ويغذي النقاش العالمي حول سيادة البيانات وحدود العولمة الرقمية.

وتمثل دعوى ولاية تكساس ضد عمالقة صناعة التلفاز الذكي تمثل محطة مفصلية في الصراع المتصاعد بين الابتكار التكنولوجي وحقوق الخصوصية. فهي لا تختبر فقط قانونية تقنيات التعرف الآلي على المحتوى، بل تضع نموذج الأعمال القائم على جمع البيانات موضع تساؤل جذري. 

وبين حماية المستهلك، والمخاوف الأمنية، والمصالح الاقتصادية، قد تتحول هذه القضية إلى سابقة قانونية ترسم ملامح مستقبل الأجهزة الذكية، ليس في تكساس وحدها، بل على مستوى العالم بأسره.