غزة تغير قواعد اللعبة في واشنطن.. هل نفد صبر الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل؟
طرحت مجلة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية في عدد ديسمبر 2025 سؤالًا محوريًا: "هل نفد صبر الولايات المتحدة تجاه إسرائيل؟" لتؤكد أن الدعم غير المشروط لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يواجه تحديًا غير مسبوق، إذ كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية الأمريكيين يرفضون أفعال جيش الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الوحشية في غزة وأن نسبة المؤيدين للفلسطينيين تجاوزت نسبة المؤيدين لإسرائيل. هذا التحول يعكس أزمة داخلية عميقة في السياسة الأمريكية ويكشف عن انقسام حزبي وجيلي متسع، ويضع الإدارة الأمريكية أمام معضلة استراتيجية لم تعرفها منذ عقود.
وتصف المجلة كيف أعادت القضية الإسرائيلية خلط أوراق السياسة الأمريكية، إذ خلقت صدعًا داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي. يرفض الشباب سياسات إسرائيل ويعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي ويوتيوب للحصول على الأخبار، بينما يدافع الكبار عن إسرائيل تحت تأثير الدعاية التقليدية التي تبثها وسائل الإعلام الكبرى مثل فوكس نيوز ونيويورك تايمز. لكن هذا الانقسام يضعف الإجماع التقليدي الذي حكم السياسة الأمريكية لعقود طويلة ويكشف أن التحولات الإعلامية والجيلية بدأت تؤثر بشكل مباشر على المواقف السياسية.
ويعرض الكونجرس صورة واضحة لهذا الإجماع التاريخي، إذ صوّت مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة للإبقاء على السفارة الأمريكية في القدس بعد أن نقلها الرئيس ترامب. يوضح هذا التصويت أن الديمقراطيين لم يسعوا إلى إعادة السفارة إلى تل أبيب رغم مخالفة القرار للقانون الدولي، بل تبنوا سياسة ترامب. يبرز هذا الموقف عمق النفوذ الإسرائيلي في السياسة الأمريكية ويكشف أن حتى الرئيس السابق جو بايدن اضطر إلى مجاراة هذا الإجماع رغم تحفظاته الشخصية، إذ أعلن في إحدى المناسبات: "اسمي جو بايدن والجميع يعرف أنني أحب إسرائيل"، قبل أن يبدأ التراجع التدريجي داخل حزبه.
ويصف المقال كيف بدأ هذا الإجماع يتصدع مع تصاعد صور الدمار في غزة. يرفع سياسيون مثل زهران ممداني أصواتهم بانتقادات صريحة لإسرائيل، بينما يجد المدافعون التقليديون عن تل أبيب صعوبة في تبرير استمرار الدعم غير المشروط. يوضح هذا التحول أن الرأي العام الأمريكي لم يعد يقبل الانحياز المطلق لإسرائيل وأنه يرى في هذا الانحياز تهديدًا لمصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه في الشرق الأوسط. هذا التغير يفتح الباب أمام أصوات جديدة داخل الحزب الديمقراطي تطالب بإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، ويضعف قدرة اللوبيات التقليدية على فرض رؤيتها دون مقاومة.
واشنطن أمام معضلة استراتيجية
ويشير المقال إلى أن استمرار هذا الوضع يضع واشنطن أمام معضلة استراتيجية. إذا واصلت الإدارة الأمريكية دعم إسرائيل بلا شروط، فإنها تخاطر بفقدان نفوذها في المنطقة وتعرض تحالفها التاريخي للاهتزاز. وإذا حاولت فرض ضغوط على حكومة نتنياهو، فإنها تواجه مقاومة قوية من اللوبيات المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة. هذا التوازن الصعب يجعل المرحلة المقبلة اختبارًا حقيقيًا لصلابة التحالف الأمريكي الإسرائيلي ويكشف أن السياسة الأمريكية لم تعد قادرة على تجاهل التحولات الشعبية والإعلامية.
وتؤكد المجلة الفرنسية أن التحول في المزاج الشعبي الأمريكي يمثل خطرًا مباشرًا على إسرائيل، إذ يدرك نتنياهو أن فقدان الدعم الشعبي الأمريكي قد يفتح الباب أمام ضغوط سياسية واقتصادية غير مسبوقة. يعلن نتنياهو فتح جبهة جديدة سماها "معركة الحقيقة" في محاولة للتأثير على الرأي العام الأمريكي، لكن هذه المحاولة تواجه مقاومة متزايدة من الإعلام البديل ومن الأصوات الناقدة داخل الحزب الديمقراطي. هذا الصراع الإعلامي يعكس إدراك إسرائيل أن معركة الشرعية لم تعد تُحسم في ساحات القتال فقط بل في فضاء الرأي العام العالمي.
وأوضح المقال أن السؤال الذي طرحه بداية لم يعد مجرد عنوان صحفي بل أصبح قضية استراتيجية تمس مستقبل التحالف الأمريكي الإسرائيلي. أما واشنطن، فإنها تجد نفسها بين مطرقة التزاماتها التاريخية وسندان الضغوط الإنسانية والدبلوماسية، ما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان صبر الولايات المتحدة تجاه إسرائيل سينفد بالفعل. هذا التحول يضع السياسة الأمريكية أمام اختبار غير مسبوق ويكشف أن العلاقة مع إسرائيل لم تعد محصنة من التغيير، بل أصبحت رهينة لمعادلات داخلية وخارجية تتغير بسرعة.