محمد إبراهيم طعيمة يكتب: عندما احتاج «السقا» لشهادة حسن سير وسلوك!
في لحظةٍ مشحونة، خرج فيديو قصير، فاشتعلت السوشيال ميديا كما لو أنها كانت تنتظر شرارة.. لم يسأل كثيرون عن السياق، ولا عن النية، ولا عن الإنسان الذي يقف خلف الكاميرا، فقط تحوّل هذا المقطع العابر الذي قيل في لحظة انفعال، إلى محاكمة مفتوحة، وكأن حسن النية صار تهمة، والدعم الصادق صار جرمًا.
تابعت كما تابع الكثيرون خلال الساعات القليلة الماضية حملات الهجوم والسخرية والتقليل من من الفنان أحمد السقا بعد الفيديو الذي نشره ويدعم فيه اللاعب المصري العالمي محمد صلاح في أزمته مع ناديه.
لم يكن السقا في ذلك الفيديو سوى رجلٍ يُعبّر عن إحساسه، ويدعم لاعبًا مصريًا رفع اسم بلده عاليًا في العالم كله.. لم يكن خطابًا مُعدًا، ولا كلمات موزونة بميزان العلاقات العامة، بل جملة خرجت من القلب، وربما تعثرت في الطريق إلى الأذن.
ومحمد صلاح، الذي خرج أحمد السقا داعمًا له، لم يكن يومًا مجرد لاعب كرة قدم عادي، بل نموذجًا مصريًا استثنائيًا، خرج من الشارع إلى العالم، وحمل اسمه واسم بلده إلى أبعد نقطة ممكنة، وصار مثل أعلى لمعظم شباب الوطن العربي وليس المصريين وحدهم، ودعم هذا النموذج، مهما اختلفت طرق التعبير عنه، يظل موقفًا طبيعيًا من فنان يرى في النجاح الوطني قيمة تستحق الانحياز، لا ساحة للشك أو التخوين.
ومن يعرف أحمد السقا حق المعرفة، يعرف أن الرجل لا يجيد الأقنعة، هو ممثل كبير.. نعم، لكنه قبل ذلك ابن مدرسة قديمة في الرجولة، تلك التي تُخطئ في التعبير أحيانًا، لكنها لا تُخطئ في النية.
السقا، عبر سنوات طويلة، لم يكن يومًا فنان "المسافة الآمنة"، فلم نره يختبئ خلف الصمت حين يُهان زميل، ولا يتوارى حين يحتاج أحد إلى سند، على العكس، كان حاضرًا في مواقف كثيرة، بعضها خرج للعلن، وكثير منها ظل بعيدًا عن الأضواء.
حين تعرّض بعض الفنانين الشباب لأزمات قاسية في بداياتهم، كان اسمه حاضرًا في الكواليس، دعمًا ونصيحة وموقفًا، وحين مرّ فنانون كبار بوعكات صحية أو أزمات إنسانية، لم يتردد في الوقوف إلى جوارهم، لا بكلمة عابرة، بل بحضور حقيقي وسؤال دائم، وعُرف عنه، بشهادة كثيرين، تدخله لإنهاء خلافات، واحتواء مشاحنات، ورد اعتبارات، دون أن يطلب لنفسه بطولة أو تصفيقًا.
لم يكن أحمد السقا يومًا فنان "الترند"، بل فنان "الجدعنة"، تلك الكلمة التي لا تُدرّس، ولا تُكتب في السير الذاتية، لكنها تُعرف في الشدّة، وتظهر في المواقف الصعبة.
والهجوم الذي تعرّض له بعد فيديو الدعم، لا يمكن فصله عن مناخ عام صار فيه الحكم أسرع من الفهم، والإدانة أسبق من السؤال، وكأننا لم نعد نحتمل فكرة أن يخطئ إنسان، أو ينفعل، أو يقول ما يشعر به دون أن يُحاسب وكأنه ارتكب خطيئة كبرى.
أحمد السقا ليس معصومًا، ولا يدّعي الكمال.. هو إنسان، يحمل قلبًا واضحًا، وصوتًا صريحًا، وربما لهذا السبب تحديدًا يتعرض أحيانًا لسوء الفهم، لكن تحويل لحظة دعم إلى ساحة تشكيك، هي قسوة لا تليق، لا بتاريخ الرجل، ولا بما نحب أن نراه في أنفسنا.
وفي النهاية، لا يحتاج أحمد السقا إلى شهادة حسن سير وسلوك من أحد.. تاريخه الفني والإنساني يقول ما لم يقله الفيديو، ومواقفه تشهد بما لم تحتمله ثوانٍ قليلة اقتُطعت من سياقها، لكننا نحن كمجتمع نحتاج أن نتوقف قليلًا أمام أنفسنا، وأن نعيد طرح السؤال الأهم: هل ما زلنا نرى الإنسان قبل اللقطة؟ أم صرنا نبحث عن الإدانة أسرع مما نبحث عن الفهم؟
القسوة لا تصنع وعيًا، والهجوم لا يُصلح موقفًا، أما تصفية النوايا، فهي وحدها القادرة على إنصاف البشر قبل أن تُنصف الآراء.
