نص "كِبرا نجست".. أيديولوجيا الطموحات الإثيوبية الخطيرة في البحر الأحمر
تناولت مجلة "ذا إيفانت" الكينية بالدراسة والتحليل الطموحات الإثيوبية في البحر الأحمر باعتبارها امتدادًا لأيديولوجيا قديمة تستند إلى نص "كِبرا نجست" الذي يربط إثيوبيا بالنبي سليمان وملكة سبأ، بلقيس، ويمنحها شعورًا بالاستثنائية والحق التاريخي في الوصول إلى الموانئ البحرية، خصوصًا ميناء عَصَب الإريتري.
وتثير الطموحات الإثيوبية في البحر الأحمر جدلًا واسعًا، ليس فقط بسبب التوترات الجيوسياسية الراهنة، بل أيضًا بسبب جذورها الأيديولوجية العميقة التي تعود إلى قرون مضت.
وفقًا لتحليل نشره الباحث يوهانس ولدِماريام، فإن الخطاب التوسعي الإثيوبي يستند إلى فكرة "الاستثنائية الإثيوبية"، أي أن الإثيوبيين شعب مختار له حق تاريخي في السيطرة على الممرات البحرية، وهو خطاب يجد أساسه في نص "كِبرا نجست" المكتوب في القرن الرابع عشر، والذي يربط نسب الملوك الإثيوبيين بالملك سليمان وملكة سبأ (بلقيس).
هذا النص منح شرعية دينية وسياسية للملوك عبر العصور، ويبدو أن رئيس الوزراء الحالي أبي أحمد يوظّف هذه الرمزية في سياق حديثه عن "حق إثيوبيا الطبيعي" في الوصول إلى البحر الأحمر.
محاولات السيطرة على الموانئ الإريترية
تجدر الإشارة إلى أن الطموحات الإثيوبية ليست جديدة، فقد ارتبطت تاريخيًا بمحاولات السيطرة على الموانئ الإريترية، خاصة ميناء عَصَب، الذي يُنظر إليه في أديس أبابا باعتباره منفذًا استراتيجيًا لا غنى عنه.
تقارير أخرى، مثل ما نشره الصحفي مارتن بلوت، أوضحت أن روايات "الحق التاريخي" في عَصَب باتت أداة لتعبئة الرأي العام الإثيوبي حول أجندة قومية توسعية، ما يفاقم التوتر مع إريتريا ويثير مخاوف إقليمية من اندلاع صراع جديد.
كما أن البعد الدولي لهذه الطموحات لا يقل أهمية. فبحسب مراجعة في موقع Horn Review، فإن الولايات المتحدة تنظر إلى إثيوبيا باعتبارها حليفًا محتملًا في إعادة تشكيل التوازنات بالقرن الأفريقي، وقد تدعم بشكل غير مباشر طموحاتها البحرية كجزء من إعادة تموضع استراتيجي في مواجهة النفوذ الصيني والخليجي في البحر الأحمر.
هذا الدعم المحتمل يثير قلق دول المنطقة، خاصة مصر والسودان، اللتين تعتبران أن أي تمدد إثيوبي نحو البحر الأحمر سيؤثر مباشرة على أمنهما القومي ومصالحهما الاقتصادية.
ومن الناحية الأيديولوجية، يوظّف أبي أحمد خطابًا يجمع بين التاريخ والدين والسياسة، إذ يربط بين "المجد الإمبراطوري" لإثيوبيا القديمة وبين مشروعه الحالي للنهضة.
هذا المزج بين الأسطورة والسياسة يخلق حالة من التعبئة الداخلية، لكنه في الوقت ذاته يثير مخاوف خارجية من أن تتحول هذه الطموحات إلى سياسات توسعية فعلية.
ويشير محللون إلى أن استدعاء رمزية بلقيس وسليمان ليس مجرد خطاب ثقافي، بل هو أداة لإضفاء شرعية على مشروع سياسي قد يقود إلى إعادة رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر.
وأكد تقرير المجلة الكينية أن الطموحات الإثيوبية في البحر الأحمر هي مشروع أيديولوجي متكامل يستند إلى نصوص وأساطير قديمة، ويُترجم اليوم في خطاب سياسي معاصر.
وبينما ترى أديس أبابا أن لها "حقًا تاريخيًا" في الوصول إلى البحر، تنظر دول المنطقة إلى هذه الطموحات باعتبارها تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي.
وهكذا، فإن قصة بلقيس وسليمان التي استُخدمت عبر القرون لإضفاء شرعية على الحكم الإثيوبي، تعود اليوم لتشكل خلفية أيديولوجية لطموحات أبي أحمد في البحر الأحمر، بما يحوّل الأسطورة إلى أداة سياسية في صراع جيوسياسي معقّد.





