أزمة البنتاجون.. مزاعم أوامر «قتل الجميع» في الكاريبي تهز وزارة الدفاع الأمريكية
تتصاعد تداعيات أزمة غير مسبوقة داخل وزارة الدفاع الأمريكية بعد مزاعم عن إصدار وزير الدفاع بيت هيجسِث أوامر مباشرة للقوات البحرية والجوية بـ"قتل الجميع" بما في ذلك الناجين على متن قوارب يُشتبه بأنها تحمل شحنات مخدرات في منطقة الكاريبي.
هذه المزاعم، التي ظهرت أولًا عبر تقارير أمريكية، سرعان ما تحولت إلى قضية دولية تناولتها كبريات الصحف والمجلات السياسية في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا وفرنسا، كل منها من زاوية مختلفة، لكنها جميعًا اتفقت على أن القضية تمثل اختبارًا خطيرًا لمصداقية البنتاجون والتزام واشنطن بالقانون الدولي.
تفاصيل المزاعم
وفقًا لتقارير واشنطن بوست، فإن مصادر عسكرية تحدثت عن أوامر باستهداف قوارب مشتبه بها بتهريب المخدرات، حتى بعد أن شوهد ناجون يتشبثون بالحطام.
الصحيفة نقلت عن مسؤولين سابقين في البنتاجون قولهم إن مثل هذه الأوامر، إذا ثبتت، "تتعارض مع أبسط قواعد الاشتباك المعمول بها في البحرية الأمريكية".
أما نيويورك تايمز فقد ركزت على البعد القانوني، مشيرة إلى أن أي أوامر من هذا النوع قد تُصنّف ضمن "القتل خارج نطاق القانون"، وهو ما يفتح الباب أمام مساءلة جنائية دولية.
الصحيفة أضافت أن لجان الكونغرس بدأت بالفعل في جمع شهادات من ضباط شاركوا في العمليات، وأن التحقيقات قد تشمل مراجعة تسجيلات الاتصالات العسكرية وتقارير ما بعد العمليات.
صحيفة يو إس إيه توداي أبرزت تصريحات هيغسِث الذي وصف المزاعم بأنها "أخبار كاذبة"، مؤكدًا أن العمليات كانت تستهدف حماية الأمن القومي من تهديدات تهريب المخدرات.
لكن هذا الرد لم يوقف موجة الغضب، إذ أعلن نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري عن فتح تحقيق رسمي في الكونغرس، وسط دعوات بالكشف عن تفاصيل العمليات وعدد الضحايا المدنيين المحتملين.
في كندا، تناولت ذا جلوب آند ميل القضية من زاوية حقوقية، مؤكدة أن أي استهداف للمدنيين أو الناجين "يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي"، وأن مثل هذه المزاعم تضع صورة الولايات المتحدة كمدافع عن حقوق الإنسان في مأزق.
الصحيفة أشارت إلى أن كندا، بوصفها شريكًا في مكافحة الجريمة المنظمة في الكاريبي، قد تجد نفسها مضطرة لمطالبة واشنطن بتوضيحات رسمية إذا ثبتت صحة هذه المزاعم.
وربطت صحيفة الجارديان البريطانية القضية بالجدل الأوسع حول استخدام القوة خارج مناطق الحرب المعلنة، مشيرة إلى أن "العمليات في الكاريبي لم تكن جزءًا من حرب رسمية، بل من حملة أمنية ضد المخدرات"، وهو ما يثير أسئلة حول شرعية هذه العمليات.
الصحيفة نقلت عن خبراء بريطانيين في القانون الدولي قولهم إن "أي سياسة تقوم على أوامر قتل جماعي دون تدرج في استخدام القوة ستضعف قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن مواقفها في المحافل الدولية".
ركزت صحيفة لوموند الفرنسية على التداعيات الدبلوماسية، معتبرة أن دول الكاريبي قد تطالب بتوضيحات رسمية من واشنطن، خاصة إذا ثبت سقوط ضحايا مدنيين.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي فرنسي قوله: "أي تجاوز في قواعد الاشتباك يضعف قدرة الولايات المتحدة على قيادة تحالفات دولية قائمة على احترام القانون".
وأضافت أن باريس تتابع القضية عن كثب، لأنها قد تؤثر على التعاون الأمني بين أوروبا والولايات المتحدة في ملفات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
أما صحيفة سيدني مورنينج هيرالد الأسترالية، فقد نشرت تحليلًا يؤكد أن هذه الفضيحة قد تُستخدم من قبل خصوم واشنطن، مثل روسيا والصين، للتشكيك في التزامها بالقانون الدولي، وهو ما قد ينعكس على مكانتها في المؤسسات متعددة الأطراف.
الصحيفة أشارت إلى أن "الولايات المتحدة تواجه بالفعل تحديات في الحفاظ على صورتها كقوة عالمية مسؤولة، وأي فضيحة من هذا النوع ستمنح خصومها مادة دعائية قوية".
ما تكشفه هذه المزاعم ليس مجرد حادثة معزولة، بل مؤشر على التوتر القائم بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في الولايات المتحدة بشأن حدود استخدام القوة العسكرية.
الإعلام الغربي، من واشنطن بوست ونيويورك تايمز إلى لوموند وذا غارديان، يعكس قلقًا متزايدًا من أن تتحول العمليات الأمنية إلى ساحة مفتوحة بلا ضوابط قانونية.
ومن المتوقع أن تحدد التحقيقات البرلمانية المرتقبة ما إذا كانت هذه الأوامر مجرد مزاعم بلا أساس، أم أنها تكشف عن خلل خطير في منظومة اتخاذ القرار داخل البنتاجون.
وفي كل الأحوال، فإن القضية تضع المؤسسة العسكرية الأمريكية أمام اختبار غير مسبوق يتعلق بالشفافية، المساءلة، والقدرة على الحفاظ على صورة الولايات المتحدة كدولة تلتزم بالقانون الدولي.