الأحد 14 ديسمبر 2025 الموافق 23 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

القصة الحقيقية لـ"ورد وشكولاتة"..صعود شيماء جمال ونهاية القاضي: كيف تحول الابتزاز إلى جريمة "مزرعة الموت"؟

الرئيس نيوز

صعود "شيماء جمال": من الظل إلى أضواء النخبة.. حكاية طموح أوقع قاضيًا في الشباك 

كانت وقائع القضية رقم 10229 لسنة 2022 أكثر جنونًا من خيال أي مؤلف، لدرجة أن مسلسل "ورد وشوكولاتة" حاول "تهذيب" أو تلطيف الواقع المؤلم والحقيقة بوجهها القبيح. 

فتشابه القصة بين الإعلامية شيماء جمال وزوجها القاضي أيمن حجاج، وبين شخصيتي "مروة" و"صلاح" في المسلسل (زواج سري، محامٍ نافذ/قاضٍ، وتهديد بالفضيحة ينتهي بالقتل) لم يكن صدفة، بل هو استلهام من الدراما الواقعية التي شغلت الرأي العام.

القصة الحقيقية لمسلسل ورد وشكولاتة

في أطراف المدن وأحيائها المكتظة، تولد أحلام كبرى من رحم الحاجة. لم تكن شيماء جمال مجرد إعلامية تسعى للشهرة، بل كانت ابنة لظروف اجتماعية قاسية؛ خلفية عائلية متواضعة، والدة تعمل في مهن بسيطة، ولديها سجل جنائي بين الدعارة والضرب( بحسب تصريحات طليقها)، وشقيق له سجل جنائي ( بحسب تأكيدات محامين المتهم). كانت تدرك أن السلم الاجتماعي التقليدي طويل وممل، وأن طريقها نحو القمة يتطلب "مغامرة" تتناسب مع طموحها الجامح.

شحذت شيماء أدواتها، وعرفت كيف تستغل ذكاءها وحضورها الإعلامي المحدود في برنامج "المشاغبة" كجسر نحو عالم النخبة. كان هدفها واضحًا "اختراق الدائرة المغلقة للسلطة والمكانة"، وقبل كل شئ المال.

الحكاية كما جاءت بأوراق التحقيقات: القاضي والهدف المنشود

كان لقاؤها في عام 2017 مع المستشار أيمن حجاج، نائب رئيس مجلس الدولة ووكيل نادي القضاة، في "كافيه الحصن" بمثابة الفرصة التي انتظرتها. كان حجاج يمثل القمة التي تحلم بها، النفوذ، المكانة الاجتماعية، والقدرة على فتح الأبواب المغلقة، والثراء.

لم يكن التعارف عاديًا؛ فقد استخدمت شيماء جمال مهنتها ببراعة، حيث وعدها القاضي بدعم برنامجها من داخل نادي قضاة مجلس الدولة، وتبني مبادراته الإنسانية. كان هذا الدعم هو أولى خطوات الصعود؛ فبمجرد أن نجح القاضي في إقناع النادي بتبني حالة "الطفلة المريضة" إحدى الحالات الإنسانية التي تبناها برنامجها، ارتفعت أسهم شيماء بشكل غير مسبوق. تحولت من مذيعة "مشاغبة" مغمورة إلى "مذيعة نادي القضاة" التي تحظى بحق شبه حصري في تغطية فعالياته، مستفيدة من سلطة وكيل النادي الذي كان يروج لحلقاتها.

شباك العلاقة: من العرفي إلى الرسمي

تحولت العلاقة المهنية السريعة إلى إعجاب، سرعان ما استغلته شيماء جمال لضمان ارتباط دائم. كانت الخطوة الفاصلة هي إيقاع القاضي في شباكها، حيث نجحت في تصوير مقاطع وصور لعلاقتهما الخاصة دون علمه.هذا التصوير لم يكن مجرد توثيق، بل كان بمثابة أداة قوة؛ "وثيقة ابتزاز" ضمنت لها البقاء في حياة الرجل النافذ.

تحت ضغط الصور والمقاطع، تحولت العلاقة إلى زواج عرفي، لم تكتفِ شيماء بالزواج العرفي الذي لا يخدم طموحها العلني، فنجحت في تحويله إلى زواج رسمي، لكنه ظل سريًا بعيدًا عن أعين المجتمع ونخبة القضاة وزوجته الأولى.

ورقة الابتزاز الأخيرة

لم يكن الزواج السري نهاية المطاف لشيماء، بل بداية لمرحلة جديدة من الضغط. كانت رغبتها في إشهار الزواج والإنجاب منه هي التعبير الأقوى عن إصرارها على تثبيت مكانتها الاجتماعية الجديدة والكاملة، وعندما قوبلت رغبتها بالرفض، استخدمت شيماء ورقتها الرابحة " التهديد بالفضيح".

طالبت بمبلغ 3 ملايين جنيه مقابل أن تطلق سراحه دون أن تضر بمستقبله وسمعته، وأمهلته حتى أغسطس 2022 لإعلان الزواج، وإلا فإنها ستعلنه بنفسها عبر منصات التواصل الاجتماعي وستخبر زوجته الأولى، وفيما بعد أظهرت التحقيقات تضخم ثروة أيمن حجاج وتورطه بقضايا رشاوى، الأمر الذي قد يشير إلى قيام المذيعة شيماء جمال بالوساطة بين القاضي وآخرين، مما جعل امتلاكها لوقائع تدينه وظيفيا ورقة ضغط إضافية.

بالنسبة لشيماء، كانت هذه هي المرحلة الأخيرة للصعود، مرحلة "العلنية" التي لا رجوع عنها. أما بالنسبة للقاضي، فقد تحولت علاقة التسلية التي بدأت في الكافيه إلى تهديد وجودي يهدد بإسقاط سنوات من المجد والنفوذ.

النهاية المأساوية لـ المذيعة شيماء جمال 

أمام طموحها الذي تحول إلى ضغط وابتزاز مستمر، وأمام خوفه على مكانته، توصل القاضي إلى قرار قاتل. لم يكن ليسمح لتلك الفتاة الصاعدة من الظل أن تطيح به.

قرر "إزهاق روحها للخلاص منها"، مستغلًا حاجة صديقه للمال لتنفيذ الجريمة المخطط لها. قصة الصعود المذهل انتهت بجريمة مروعة، حيث غابت أضواء الشهرة عن شيماء ليحل محلها الظلام الدامس في "مزرعة الموت".

لقد نجحت الإعلامية شيماء جمال في الوصول إلى القمة التي حلمت بها، لكنها لم تنجح في تثبيت قدمها عليها؛ فسقطت ضحية لطموحها الذي لم يتوقف، وخوف شريكها على مكانة ونفوذه.

الخلاص بالقتل: مخرج وحيد من "الخطر"

تحول طموح شيماء إلى كابوس يهدد بانهيار سنوات من النفوذ والمكانة للقاضي أيمن حجاج. أمام خيار الإذعان لابتزاز الـ3 ملايين جنيه، أو إشهار زواج يهدم حياته العامة والخاصة، اختار المتهم الطريق الأخير والأكثر دموية، الخلاص بالقتل.

أدرك القاضي أن تنفيذ مثل هذه الجريمة يتطلب شريكًا مأمونًا ومتواطئًا. وجد ضالته في صديقه القديم، حسين الغرابلي، الذي ربطته به علاقات تجارية قديمة وعلم بحاجته الماسة للمال. كانت المعادلة بسيطة، مساعدة على القتل مقابل مبلغ يغير حياة الصديق المأزوم ماليا.

وتبلورت فكرة "التخلص" في غضون أبريل 2022، تبلورت الفكرة في ذهن القاضي، ليقرر التخلص من "مصدر الخطر".، واتفق المتهمان على أن يتقاضى حسين مبلغًا ضخمًا (وصل إلى 360 ألف جنيه) مقابل المشاركة في الجريمة والمساعدة في إخفاء الجثة.

قلب المتهمان الأمر على أوجه عدة،  تارة طرح أيمن فكرة صدم شيماء بسيارة أو قتلها بعيار ناري بدعوى الخطأ. استبعدت هذه الأفكار لخطورتها ومخاطر كشفها. كما تم استبعاد وحدة سكنية كانت مقترحة كمسرح للتنفيذ خوفًا من الشهود.

"مزرعة الموت": تجهيزات باردة ومحسوبة

استقرت الخطة على أن تكون الجريمة بعيدة عن الأنظار، في مكان معزول، وفي بداية يونيه 2022، استأجر المتهم الثاني مزرعة نائية في منطقة أبوصير بالبدرشين لمدة خمس سنوات، في منطقة عرفها المؤجر بأنها بعيدة عن العمران ونادرًا ما يتواجد بها أحد. كان الهدف هو تجهيز "غرفة استراحة" لتكون مسرح الجريمة، و"طرف قطعة الأرض" ليكون مقبرتها.

وفي 18 يونيه 2022، ذهب القاتل وشريكه إلى أحد المحال واشتريا أدوات الحفر والتكبيل والتشويه اللازمة بخطوات محسوبة وهدوء تام، تمثلت في 2 كوريك، فأس، مقطف، سلسلة حديدية، قفلين، و3 زجاجات ماء حارقة (ماء نار). كانت هذه النقطة هي لحظة القطع الكامل مع العاطفة، وبداية التنفيذ العملي لـ "الخلاص".

فخ "التمليك" ويوم الفصل: 20 يونيه

حدد المتهمان يوم 20 يونيه 2022 موعدًا للإعدام، واستدرج القاضي زوجته شيماء إلى المزرعة بزعم عرضها عليها لتمليكها إياها، ليخدعها بأن طموحها في امتلاك الأصول قد تحقق. كان الصديق الشريك ينتظرهما.

دخل أيمن وشيماء إلى مبنى الاستراحة. كان الاتفاق بين المتهمين أن تكون عبارة "تجهيز كوب من الشاي" هي إشارة البدء في تنفيذ المخطط.

بمجرد إطلاق الإشارة، غافلها القاضي وسدد لها ثلاث ضربات بمقبض سلاحه الناري المرخص على رأسها، مما أفقدها اتزانها. وحال محاولتها المقاومة، جثم عليها القاضي ضاغطًا على عنقها كاتمًا أنفاسها.

هرع إليه شريكه حسين، وجلس خلفها، وكبل ذراعيها ليشل مقاومتها التي استمرت قرابة عشر دقائق، حتى سكنت حركة شيماء تمامًا، وتحولت قصة صعودها إلى جثة هامدة.

"شيطانة قد تقوم من مرقدها"

بعد التأكد من مفارقتها للحياة، تمثلت بشاعة الجريمة في محاولات إخفاء الهوية وطمس المعالم، قام القاضي بلف جسد وعنق شيماء بسلسلة حديدية وأغلقها بقفلين، حيث صور له عقله المضطرب أنها "شيطانة قد تقوم من مرقدها". كما كبل المتهم الآخر ساقيها بقطع قماشية.

قاما المتهمان  بنقل الجثمان إلى الحفرة التي جهزت سلفًا، وسكب حسين عليها كمية من ماء النار لتشويه معالمها. ثم قاما بهالة التراب حتى وارياها تمامًا.

حطم المتهمان هاتفيها وألقياها مع أغراضها في ترعة المريوطية. وفي اليوم التالي، نقل الصديق كمية من التبن ووضعها فوق موضع الدفن إمعانًا في التمويه، وزرع كاميرات مراقبة مربوطة بهاتف القاضي لتأمين مدخل المزرعة.

بهذا التخطيط البارد والمنظم، ظن القاضي أنه تخلص نهائيًا من ورقة الابتزاز وفتاة الطموح التي كادت أن تسقطه. لكن القدر تدخل على يد شريكه نفسه، الذي انهار تحت وطأة الجريمة، وكشف بتقدمه للنيابة عن نهاية تلك الحكاية المأساوية التي مزجت بين طموح الصعود وجريمة الحفاظ على النفوذ.