الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

وسط صمت موسكو.. صور الأقمار الصناعية تظهر الغواصة النووية الروسية الجديدة

الرئيس نيوز

في تطوّر عسكري مثير للقلق، كشفت صور أقمار صناعية تجارية عن الظهور الكامل لأول مرة لغواصة روسية نووية جديدة من طراز "خاباروفسك" (Khabarovsk-class)، وهي غواصة مصممة خصيصًا لحمل طوربيد "بوسيدون" النووي — السلاح الذي يُعرف إعلاميًا بـ"سلاح يوم القيامة". 

هذا الظهور، الذي رُصد في منشأة "سيفماش" شمال روسيا، يأتي في توقيت بالغ الحساسية وسط تصاعد التوترات بين موسكو والغرب، ويعيد تشكيل معادلات الردع النووي تحت سطح البحر.

صور الأقمار الصناعية تكشف المستور

الصور التي نشرتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أظهرت الغواصة وهي راسية في حوض بناء السفن بمدينة سيفيرودفينسك، محاطة بنشاط لوجستي مكثف. ويُعتقد أن الغواصة دخلت مرحلة التشغيل التجريبي أو الاستعداد للنشر، بعد تأخر دام خمس سنوات عن الجدول الزمني الأصلي. ولم يصدر أي تعليق رسمي من وزارة الدفاع الروسية، ما عزز من غموض المشهد وأثار تكهنات واسعة في الأوساط العسكرية الغربية.

"بوسيدون": سلاح لا يُوقف

تُعد "خاباروفسك" ثاني غواصة روسية تُصمم لحمل طوربيدات "بوسيدون"، بعد الغواصة "بلغورود" التي دخلت الخدمة في 2022. ويتميّز هذا الطوربيد النووي بقدرته على الإبحار آلاف الكيلومترات تحت الماء، وتوليد موجات تسونامي مشعة قادرة على تدمير مدن ساحلية بأكملها. هذه القدرات الخارقة تجعل من "خاباروفسك" منصة استراتيجية للردع النووي غير التقليدي، وتمنح موسكو أداة ضغط جديدة في أي مواجهة محتملة.

ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الأسلحة بأنها "لا تُقهر" و"لا مثيل لها في العالم"، في تصريحات سابقة اعتُبرت بمثابة إعلان غير مباشر عن دخول روسيا مرحلة جديدة من الردع النووي البحري.

التوقيت: بين المناورات الغربية والرسائل الروسية

اللافت إلى أن ظهور الغواصة تزامن مع مناورات بحرية واسعة لحلف الناتو في بحر البلطيق، شاركت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية أخرى تحت عنوان "الردع البحري المتكامل". هذا التزامن دفع مراقبين إلى اعتبار أن موسكو أرادت إرسال رسالة مزدوجة: أولًا، أنها تراقب عن كثب تحركات الناتو؛ وثانيًا، أنها تمتلك أدوات ردع قادرة على قلب المعادلة في حال التصعيد.

ووصف محللون عسكريون في الغرب الغواصة بأنها "سلاح ظلّ"، لا يُرى إلا بعد أن يُستخدم، ما يجعلها عنصرًا بالغ الخطورة في أي سيناريو تصعيدي. كما أن قدرتها على التخفي الصوتي العالي تجعل رصدها شبه مستحيل، وهو ما يربك الحسابات الدفاعية التقليدية.

انعكاسات استراتيجية: سباق تسلّح تحت الماء

هذا التطور يعيد إلى الواجهة سباق التسلّح البحري بين القوى الكبرى، خاصة في مجال الغواصات النووية. فبينما تُطوّر الولايات المتحدة طرازات جديدة من غواصات "كولومبيا"، وتعمل بريطانيا على تحديث أسطول "فانغارد"، تأتي "خاباروفسك" لتؤكد أن روسيا لا تزال لاعبًا رئيسيًا في هذا السباق، رغم العقوبات والعزلة السياسية.

كما أن هذا الظهور يطرح أسئلة حول مستقبل الاتفاقيات النووية، مثل "نيو ستارت"، التي تحدّ من عدد الرؤوس النووية والصواريخ الباليستية. فهل ستُعيد هذه التحركات الروسية فتح ملف التفاوض النووي؟ أم أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من الردع المتبادل غير المنضبط؟

ولا يعد ظهور غواصة "خاباروفسك" في صور الأقمار الصناعية حدثا تقنيا، بل رسالة سياسية وعسكرية واضحة مفادها أن روسيا مستمرة في تطوير أدوات ردعها النووي، وتُعيد تشكيل معادلات الردع تحت سطح البحر. ومع دخول هذا النوع من الغواصات الخدمة، تتعزز المخاوف الغربية من سباق تسلح نووي جديد، لا سيما في ظل غموض نوايا موسكو بشأن استخدام هذه الأسلحة في النزاعات المستقبلية، ففي زمن تتداخل فيه التكنولوجيا مع الاعتبارات الجيوسياسية، يبدو أن الردع النووي لم يعد يُدار فوق الأرض فقط، بل بات في أعماق البحار — في صراع صامت، ولكنه ينطوي على تهديد لا تخطئه عين المراقب.