الجمعة 14 نوفمبر 2025 الموافق 23 جمادى الأولى 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

ناخبو نيويورك يتحدون المانحين الصهاينة في سباق انتخابي حاسم لمنصب عمدة الولاية

الرئيس نيوز

في انتخابات بلدية نيويورك لعام ٢٠٢٥، برز المرشح التقدمي زهران ممداني كحالة سياسية استثنائية بعدما حصد دعمًا واسعًا من قطاعات يهودية شابة، رغم مواقفه الصريحة المناهضة للصهيونية وانتقاده العلني لسياسات إسرائيل. 

ووفقًا لصحيفة أمريكان بروسبكت، شارك ممداني في فعاليات دينية يهودية تقدمية، منها احتفالات رأس السنة العبرية في كنيس كولوت خاينو في بروكلين، حيث استُقبل بتصفيق حار من مئات الحضور.

وكشفت استطلاعات الرأي أن ٦٧٪ من اليهود تحت سن ٤٤ صوتوا له في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وهو ما يعكس تحولًا ملموسًا في المزاج السياسي داخل المجتمع اليهودي في المدينة. ووفقًا للصحيفة الأمريكية، فإن هذا الدعم أثار قلقًا واسعًا في أوساط المانحين الصهاينة الذين اعتادوا التحكم في تمويل الحملات البلدية.

 ووثّقت الصحيفة تصاعدًا في حجم التمويل الذي تلقاه خصوم ممداني من جهات مانحة مرتبطة بمنظمات صهيونية، بعضها يركز على دعم مرشحين يتبنون مواقف مؤيدة لإسرائيل أو يتجنبون انتقادها. 

هذه الجهات اعتبرت ممداني تهديدًا مباشرًا لنفوذها السياسي، خاصة بعد تصريحاته التي وصف فيها الصهيونية بأنها أيديولوجيا فصل عنصري، ودعوته إلى وقف التمويل العسكري الأمريكي لإسرائيل.

حملات دعائية ممولة ظهرت في أحياء بروكلين وكوينز تتهمه بمعاداة السامية، رغم أن خطابه يركز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

وفي المقابل، نجح ممداني في بناء تحالف انتخابي واسع ضم يهودًا تقدميين، ومسلمين، وأفارقة أمريكيين، ولاتينيين، وناشطين من حركة صوت اليهود من أجل السلام. 

هؤلاء وصفوه بأنه صوت سياسي يرفض استخدام الهوية اليهودية كغطاء لسياسات استعمارية، مؤكدين أن دعمه لا يتعارض مع انتمائهم الديني، بل يعكس التزامهم الأخلاقي تجاه قضايا العدالة. 

هذا التحالف أعاد تشكيل خريطة التأثير داخل دوائر اليسار في نيويورك، وقلّص من قدرة المانحين التقليديين على احتكار التمثيل اليهودي في السياسة المحلية.

قضية إسرائيل لم تُهمّش في هذه الانتخابات، بل تحولت إلى محور نقاش علني. ممداني لم يتراجع عن مواقفه، بل أكد في أكثر من مناسبة أن الولاء لنيويورك لا يعني الصمت عن جرائم الاحتلال، وأن دعم حقوق الفلسطينيين لا يتعارض مع خدمة سكان المدينة. 

هذا الخطاب لقي صدى واسعًا بين الناخبين الشباب، في حين واجه مقاومة شديدة من منظمات يهودية محافظة، حاولت الضغط على الحزب الديمقراطي لإقصائه من السباق.

أما موقع ميدل إيست آي اللندني، فقد وثّق مشاركة ممداني في لقاءات مجتمعية داخل أحياء يهودية، حيث تحدث أمام جمهور مختلط من الناشطين التقدميين، مؤكدًا أن معارضته للصهيونية لا تعني رفضه لليهود، بل رفضه لاستخدام الدين كأداة سياسية.

 الصحيفة أشارت إلى أن ممداني بات يمثل تيارًا جديدًا داخل الحزب الديمقراطي، يربط بين العدالة الاجتماعية في الداخل الأمريكي وحقوق الشعوب المضطهدة في الخارج.

وعلق الموقع اللندني على هذا التحول من زاوية اجتماعية، مشيرا إلى أن ممداني نجح في كسر الحواجز التقليدية بين الأقليات، وبات يشكل تحديًا مباشرًا لتحالفات المال والنفوذ التي لطالما هيمنت على الانتخابات البلدية في نيويورك. 

التقرير نقل عن ناشطين قولهم إن ممداني لا يطلب تنازلات من أي فئة، بل يطرح خطابًا موحدًا يرفض التمييز ويواجه الاستعمار، سواء كان داخليًا أو خارجيًا.

وفي السياق التاريخي، لطالما لعب المال الصهيوني دورًا حاسمًا في توجيه نتائج الانتخابات البلدية في نيويورك، عبر دعم مرشحين يلتزمون بخطاب مؤيد لإسرائيل أو يتجنبون الخوض في قضايا الشرق الأوسط. 

لكن انتخابات ٢٠٢٥ كشفت عن تصدع في هذا النفوذ، بعدما فشل المال في منع صعود مرشح يصف الاحتلال الإسرائيلي بأنه جريمة، ويطالب بوقف الدعم العسكري الأمريكي لتل أبيب.

وفي أروقة الحزب الديمقراطي، أثار صعود ممداني نقاشًا داخليًا حول حدود الخطاب السياسي المقبول، خاصة أن بعض القيادات التقليدية حاولت التبرؤ من مواقفه، بينما دافع عنه تيار شبابي يرى أن الحزب يجب أن يعكس قيم العدالة والمساواة، لا مصالح المانحين. 

هذا الانقسام أعاد طرح سؤال حول مستقبل العلاقة بين الحزب الديمقراطي والمنظمات الصهيونية، في ظل تزايد الأصوات التي تطالب بفصل الدين عن التمويل السياسي.

ما يجرى في انتخابات نيويورك لا يمكن أن يُقرأ كحدث محلي معزول، بل كجزء من تحولات أوسع داخل المزاج السياسي الأمريكي الأوسع، حيث يتراجع التأييد غير المشروط لإسرائيل، ويزداد حضور الحركات التقدمية التي تربط بين العدالة الاجتماعية وحقوق الشعوب المضطهدة. 

التمويل الصهيوني، رغم ضخامته، لم ينجح في كبح هذا المد، بل كشف عن هشاشة التحالفات التقليدية التي كانت تهيمن على المشهد الانتخابي لعقود مقبلة.