الإثنين 10 نوفمبر 2025 الموافق 19 جمادى الأولى 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
اقتصاد مصر

فول الصويا يشعل حربًا تجارية عالمية بين واشنطن وبكين.. معركة غذاء أم صراع نفوذ؟

الرئيس نيوز

لم يعد النفط أو الغاز وحدهما وقود الصراعات الكبرى، بل أصبح فول الصويا نفسه رمزًا لحرب اقتصادية تتجاوز حدود التجارة التقليدية. هذا المحصول الزراعي البسيط الذي ملأ صوامع المزارعين في الغرب الأوسط الأمريكي، صار فجأة سلاحًا استراتيجيًا في مواجهة عالمية بين الولايات المتحدة والصين. وبينما كان الفلاح الأمريكي يراقب الطقس لحساب موسم الحصاد، أصبح عليه اليوم أن يراقب قرارات البيت الأبيض ومفاوضات بكين بنفس القلق.

من غذاء وأعلاف إلى ورقة ضغط دولية

فول الصويا ليس مجرد محصول غذائي؛ بل هو عمود فقري في منظومة الغذاء العالمي. فهو يُستخدم في صناعة الزيوت النباتية، وأعلاف الماشية، والمنتجات الصناعية الحيوية، مما يجعله سلعة تمس الأمن الغذائي والاقتصادي معًا. 

وأشارت بلومبرج إلى أن الصين، التي كانت تستورد أكثر من ٦٠٪ من فول الصويا الأمريكي، استخدمته كورقة ضغط بارزة في صراعها التجاري مع واشنطن بعد فرض الرسوم الجمركية المتبادلة عام ٢٠١٨.

هذا التحول جعل فول الصويا أكثر من مجرد سلعة زراعية، إذ أصبح مقياسًا للتوازن بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم. فحين توقفت الصين عن شراء فول الصويا الأمريكي، وجّهت استثماراتها نحو البرازيل والأرجنتين، مما تسبب في هبوط حاد في أسعار المحصول الأمريكي وارتباك واسع في الأسواق الزراعية.

خسائر بالمليارات وغضب في قلب أمريكا 

طبقًا لتقرير فاينانشال تايمز، انخفضت صادرات الولايات المتحدة من فول الصويا إلى الصين بنسبة تفوق ٧٠٪ في أول عام من الحرب التجارية، وهو ما ألحق خسائر فادحة بالمزارعين في ولايات مثل أيوا وإلينوي وميزوري. 

هذه الولايات تُعدّ من ركائز القاعدة الانتخابية التي يعتمد عليها صانع القرار في واشنطن، ولذلك تحوّل الغضب الريفي إلى ضغط سياسي داخلي.

المزارعون الأمريكيون يدفعون ثمن الحرب رسوم ترامب الجمركية 

اضطر البيت الأبيض اضطر إلى إطلاق برامج دعم وتعويضات ضخمة للمزارعين المتضررين، بلغت مليارات الدولارات سنويًا، لكن الشعور بعدم اليقين ظل قائمًا. فكما ذكرت وول ستريت جورنال، لم تكن المشكلة في الخسارة الفورية بقدر ما كانت في ضياع الثقة بين المزارعين وحلفائهم التجاريين في آسيا.

ارتدادات عالمية على أسعار السلع

لم تقتصر آثار الحرب التجارية على الولايات المتحدة والصين، بل امتدت إلى الأسواق العالمية. فقد أشارت رويترز إلى أن اضطراب الإمدادات أدى إلى ارتفاع أسعار الأعلاف والزيوت النباتية في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.

 دول مثل مصر والهند وتركيا بدأت تبحث عن مصادر بديلة لتأمين احتياجاتها، في حين وجدت دول أمريكا الجنوبية وبصفة خاصة البرازيل فرصة ذهبية لتعزيز صادراتها الزراعية، وتوثيق علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع بكين.

وفي المقابل، دفعت هذه الأزمة الدول الكبرى إلى إعادة النظر في سياسات الأمن الغذائي. فالصين ضاعفت استثماراتها في الزراعة الإفريقية، بينما بدأت واشنطن عقد اتفاقات جديدة لتوسيع صادراتها نحو أوروبا وآسيا لتعويض السوق الصينية المفقودة. هذا التغيير الاستراتيجي جعل فول الصويا عاملًا مؤثرًا في رسم خرائط التحالفات الاقتصادية الجديدة.

فول الصويا كسلاح جيوسياسي

بحسب تحليل بلومبرج إيكونوميكس، فإن الحرب التجارية حول فول الصويا كشفت عن مرحلة جديدة من استخدام الغذاء كسلاح جيوسياسي. فالصين تسعى لتقليل اعتمادها على الإمدادات الأمريكية عبر الاستثمار في الزراعة المحلية والبنية التحتية الزراعية في دول نامية، بينما ترد الولايات المتحدة بمحاولات لفتح أسواق جديدة في إفريقيا والشرق الأوسط من خلال اتفاقات تجارية موجهة.

وتشير صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن فول الصويا أصبح ميدان اختبار لتوازن القوى بين الاقتصادين الأمريكي والصيني. فالتنافس عليه يعكس صراعًا أوسع على قيادة النظام التجاري العالمي، في وقت تتزايد فيه الدعوات إلى فك الارتباط الاقتصادي بين الشرق والغرب.

المزارع الأمريكي وسط أزمة عابرة للحدود

الجانب الإنساني في هذه الأزمة لا يقل أهمية عن الجانب الاقتصادي. فالمزارع الأمريكي الذي اعتاد العمل في صمت، وجد نفسه فجأة في قلب صراع سياسي لا يملك فيه سوى الانتظار. 

كثيرون منهم فقدوا أسواقهم التاريخية، وتراجع دخلهم، واضطر بعضهم لبيع أراضيهم أو تقليص إنتاجهم. وقد أشارت تقارير بلومبرج إلى أن نسب الديون الزراعية ارتفعت لأعلى مستوياتها منذ أزمة الثمانينيات، بينما ازداد اعتماد المزارعين على الدعم الحكومي.

رغم التوصل لاحقًا إلى اتفاقات تجارية جزئية بين واشنطن وبكين، إلا أن جذور الأزمة لا تزال قائمة. فكل جولة مفاوضات جديدة تثير مخاوف من عودة الرسوم الجمركية المتبادلة. 

ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية في شرق آسيا، واحتمالات اندلاع نزاعات اقتصادية جديدة، يبدو أن فول الصويا سيظل على طاولة الصراع لفترة طويلة.

ويرى محللو فاينانشال تايمز أن الحرب حول فول الصويا ليست معركة على البذور والأسعار فقط، بل على النفوذ السياسي والاقتصادي في النظام العالمي المقبل. فبينما تسعى الصين لترسيخ استقلالها الغذائي، تحاول الولايات المتحدة استعادة دورها كمصدر أول للسلع الزراعية.

معركة غذاء أم معركة نفوذ؟

يمكن القول إن فول الصويا تجاوز دوره التقليدي ليصبح رمزًا لتحولات أعمق في الاقتصاد العالمي. كل شحنة فول أصبحت تعني أكثر من مجرد غذاء للمواشي؛ إنها رسالة سياسية تحمل ملامح عصر جديد تتشابك فيه المصالح التجارية مع الصراعات الجيوسياسية.

وكما كتبت فاينانشال تايمز: "منذ أن تحوّل فول الصويا إلى ورقة سياسية، لم يعد مجرد محصول يُزرع في الحقول، بل أصبح يُزرع في أروقة السياسة العالمية." 

وبين واشنطن وبكين، تبقى كل حبة فول شاهدة على صراع طويل لن تُطفئه الاتفاقات بسهولة، لأن ما يُزرع اليوم في الحقول يُحصد غدًا على موائد النفوذ العالمي.