الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

إسبانيا في مرمى نيران ترامب: تصعيد غير مسبوق يهدد تماسك الناتو

الرئيس نيوز

في تحول لافت في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه أوروبا، لم تعد ألمانيا الهدف المفضل لانتقاداته، بل أصبحت إسبانيا الدولة الأوروبية الجديدة التي تواجه هجومًا مباشرًا من واشنطن. هذا التصعيد، الذي وصفته مجلة سبكتاتور البريطانية بأنه "نقلة استراتيجية في سياسة ترامب الخارجية"، يعكس توترًا متزايدًا بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها التقليديين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ووفقًا لتقرير نشرته المجلة، فإن ترامب، في ولايته الثانية، بات يعتبر إسبانيا "الحلقة الأضعف" في الناتو، متهمًا حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بعدم الالتزام بتعهداتها الدفاعية، وعرقلة جهود الحلف في رفع الإنفاق العسكري إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. وقد وصف ترامب مدريد بأنها "البلد الوحيد الذي يرفض الدفع"، في إشارة إلى رفضها المصادقة على البيان المشترك لقمة الناتو الأخيرة، ما كاد أن يعرقل صدوره لولا منحها استثناءً خاصًا.

من ألمانيا إلى إسبانيا: تبدل في بوصلة الغضب

خلال ولايته الأولى، كانت ألمانيا في قلب انتقادات ترامب، الذي اتهمها مرارًا بـ"الاعتماد المجاني" على الحماية الأمريكية، وبـ"تدمير نفسها" من خلال استقبالها لمليون لاجئ. لكن الأمور تغيرت.

فبحسب سبكتاتور، فإن ألمانيا نجحت في تخفيف الضغط الأمريكي عبر اتخاذ خطوات ملموسة، أبرزها تعديل دستوري يسمح بتجاوز قيود الإنفاق لزيادة الميزانية الدفاعية، وخطة لمضاعفة الإنفاق العسكري بحلول عام 2029، إلى جانب استثمارات ضخمة في البنية التحتية العسكرية. هذه التحركات أخرجت المستشار الألماني فريدريش ميرتس من "مقعد السخونة"، ووضعت بيدرو سانشيز في قلب العاصفة.

أزمة إنفاق أم أزمة سيادة؟

إسبانيا، التي أنفقت العام الماضي 1.43٪ فقط من ناتجها المحلي على الدفاع، تعهدت برفع النسبة إلى 2٪ بنهاية 2025، وهو ما يعني ضخ نحو 10 مليارات يورو إضافية. لكن بالنسبة لترامب، هذا "أقل من المطلوب وبشكل متأخر"، خاصة بعد أن قرر الناتو أن نسبة 2٪ لم تعد كافية لمواجهة التهديدات الروسية. وقد عبّر ترامب عن استيائه بوضوح خلال القمة، قائلًا: "إنهم يريدون ركوب الموجة مجانًا، لكنهم سيدفعون الثمن في التجارة".

وفي لقاء لاحق مع الرئيس الفنلندي، ذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، مقترحًا "طرد إسبانيا من الناتو"، رغم أن ميثاق الحلف لا يتضمن آلية قانونية لذلك. لكن كما أوضحت سبكتاتور، فإن "الرمزية في خطاب ترامب أهم من واقعيته"، إذ يسعى إلى فرض ضغوط سياسية واقتصادية على مدريد، حتى لو لم تكن هناك أدوات قانونية مباشرة.

الداخل الإسباني: مقاومة شعبية ومحدودية التهديد

لكن الرد الإسباني لم يتأخر؛ فقد أكدت حكومة سانشيز أن سياسات الدفاع "شأن سيادي لا يخضع للإملاءات"، مشيرة إلى أن الرأي العام الإسباني لا يرى في روسيا تهديدًا مباشرًا، نظرًا لبعد البلاد الجغرافي عن بؤر التوتر في أوروبا الشرقية. كما أن التزامات الدولة الاجتماعية، من رعاية صحية وتعليم ودعم للبطالة، تجعل من الصعب تبرير زيادة الإنفاق العسكري في الوقت الراهن.

تداعيات أوسع على الناتو

تصعيد ترامب ضد إسبانيا يثير مخاوف من تصدّع داخلي في الناتو، خاصة إذا ما قررت دول أخرى التمسك بمواقف مشابهة. فالحلف، الذي يعتمد على الإجماع، قد يجد نفسه أمام تحديات غير مسبوقة في حال تصاعدت الخلافات بين أعضائه. كما أن هذا التوتر قد يضعف الجبهة الغربية في مواجهة التحديات الأمنية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، والتهديدات السيبرانية، وتصاعد النفوذ الصيني.

في المقابل، قد تستفيد ألمانيا مؤقتًا من هذا التحول، إذ لم تعد في مرمى النيران الأمريكية، ما يمنحها هامشًا أكبر للمناورة السياسية داخل الحلف.

اختبار جديد للتحالفات الغربية

في ضوء هذه التطورات، يبدو أن المواجهة بين واشنطن ومدريد لن تكون مجرد خلاف عابر، بل قد تشكل اختبارًا حقيقيًا لمتانة التحالفات الغربية في عصر تتغير فيه موازين القوى. فهل ستنجح إسبانيا في الصمود أمام ضغوط ترامب، أم أن الحلف الأطلسي سيشهد مرحلة جديدة من إعادة التشكيل وفق الرؤية الأمريكية؟

كل ذلك، كما خلصت مجلة سبكتاتور، "يعكس تحوّلًا في ميزان العلاقات عبر الأطلسي، حيث لم تعد الشراكة قائمة على الثقة المتبادلة، بل على معادلات القوة والمصالح الصرفة".