السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تاريخ السلطة الناعمة: "الملكة أروى" التي لم يقدر لها أن تدخل الحريم (1)

الرئيس نيوز

"المرأة والسلطة"، عجيب ذلك الصراع على وصول المرأة إلى مركز اجتماعي أو سياسي ما، أو استحواذها على نصيب من مناصب رسمية أو تنفيذية أو تشريعية ونحن في قلب القرن الواحد والعشرين.

فالتاريخ الإسلامي والعربي عامر وزاخر بسيرة نساء حكمن لسنوات في عز ازدهار الخلافة الإسلامية، ومن المفارقات أن تولت المرأة في وقت كان تطبيق الشريعة الإسلامية أمراً مفروغاً منه ومع ذلك لم تواجه مثل ما تواجهه هذه الأيام من تحجيم تحت ذريعة "الشريعة" ذاتها!!.

وكأن عقارب الساعة تتحرك إلى الوراء وليس إلى الأمام، فنعود لخوض معركة حسمها أسلافنا، وراية رفعتها جداتنا على ممالك وامبراطوريات أظهرن فيها حكمة وحنكة في شئون الحكم والدولة.

فتمكين المرأة في السلطة والحكم وأجهزة ومؤسسات الدولة لا يكون بقوة القانون، بقدر ما يكون بالذكاء والكفاءة.على المستوى المحلى مازلنا عالقين في خانة هل تصلح المرأة لهذا أو ذاك، ونعمل على تعزيزها بقوانين .

كنت ومازلت أحد الرافضين للمادة المضافة إلى الدستور عن الزام البرلمان بـ 25% من مقاعده لصالح المرأة، ومنذ عدة أسابيع، طرح أحد النواب في البرلمان مشروع قانون يقترح تخصيص نسبة 25% من تشكيل هيئة كبار العلماء للمرأة، والمقترح كان للنائب محمد فؤاد، قبل أن تقوم الدنيا ولا تقعد على مقدم المشروع، وبعيدا عن مصير المشروع الذى سيوضع غالباً فى أحد الأدراج العتيقة في البرلمان.

رغم أن الباحث في الشأن الإسلامي يعرف جيداً أن المرأة لم تكن حديثة العهد على البيئة السياسية منذ عهد عائشة رضى الله عنها.

 ومنذ أيام قليلة، أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماي" تعيين "بيني موردونت" وزيرة للدفاع خلفاً للمقال جافين وليامسون على خلفية تسريبات هواووي.

من اللافت أن نلاحظ الطريقة التي تعامل بها النشطاء المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي مع الخبر،  ليتم مشاركة صورة وزيرة الدفاع الجديدة وسيرتها الذاتية مئات المرات ما بين حالتي الدهشة والانبهار من تولى امرأة لمنصب وزير دفاع دولة عظمى تشارك قواتها في أكثر مناطق العالم التهاباً، مرة أخرى نعود لمناقشة مدى صلاحية امرأة لذلك المنصب من منظور شرقي.

في حلقات قصيرة عن "المرأة والسلطة" نستعرض نماذج لسيدات حكمن وتولين مناصب رئيسية في مفاصل الدولة، منذ العهد الفاطمي وحتى عصرنا هذا. 

1_"الملكة أروى" تلك التى لم يقدر لها أن تصبح من الحريم 

هى أروى بنت أحمد الصليحي، ملكة الدولة الصليحية في اليمن وهي أول ملكة في الإسلام وتلقب ب "السيدة الحرة" وغلب على اسمها في كتب التاريخ.

ولدت أروى بنت أحمد الصليحى عام 1048م، في حراز باليمن ، توفى والدها وهى صغيرة، وقام بتربيتها عمها على بن محمد الصليحي وزوجته السيدة الحرة أسماء.

كان "على" هو مؤسس الدولة الصليحية، وهم أحد التابعين للدولة الفاطمية فى مصر وتولوا حكم اليمن لعدة قرون .

كان الفاطميون يهتمون كثيراً بالتعليم خاصة تأكيدهم الفريد من نوعه تجاه تعليم المرأة، وتلقى العديد من نساء العائلة الملكية تعليماً جيداً فوق مستوى المنهج النموذجى للدراسات الدينية.

وبمجرد انتقال أروى إلى القصر، أشرفت عمتها أسماء شخصياً على تعليمها.بعيداً عن المناهج التعليمية التقليدية، تعلمت أروى أن تشارك زوجة الحاكم في اليمن في الحكم، فلم يكن مقدراً لها أن تصبح من الحريم،وكان خير مثال على ذلك هي أسماء، التي حكمت بجوار زوجها وكان اسمها يتردد في الخطبة، وقامت أيضاً بحضور مجلس الدولة وهى مكشوفة الوجه.

كان لقب الحرة الذى استخدم لأروى وأسماء دليلاً ملموساً على المكانة، وهو يعنى المرأة الحاكمة  التي لم تكن خاضعة  لأى سلطة فوقها.

وفى سن السابعة عشر تزوجت أروى من ابن عمها المكرم، وكانوا قد نشأ وتربيا معاً.

وقدمت إمارة عدن  كمهر للعروس. واتخذ أهل زوجها  قراراً حكيماً بإعطائها الإمارة، فلابد لزوجة وريث العرش أن تتمرن على الحكم.

ساعتها أخذت أروى إدارة دولة عدن بجدية، وقامت بتعيين الحكام وأشرفت على جمع الضرائب.

لم يمر وقت طويل على الزوجين حتى وقعت الفاجعة، ففى عام 1066 وهم في طريقهم إلى مكة للقيام بالحج، هجم عليهم بنو نجاح من زبيد (دولة قرب صنعاء)وقتل زوجها على الصليحى وأخذت أسماء أسيرة ونقلت إلى زبيد، حيث ظلت تنظر على مدار سنة رأس زوجها المتحللة التي وضعت خارج نافذتها.

وأخيراً استطاعت أسماء أن ترسل لابنها عن مكان أسرها، وقام المكرم بتجهيز ثلاثة آلاف من المحاربين لتحرير أمه. وقد كانت مهمة الانقاذ ناجحة بالرغم من أن المكرم عاد لبيته رجلاً آخر، ففي لحظة لقاء أمه أصابته نوبة مفاجئة من التشنج جعلته مشلولاً جزئياً، ولم يتعاف بعدها أبدا، وتولت أسماء الحكم حتى موتها عام 1074م

بعد موت أمه، أعطى المكرم زوجته أروى مقاليد الحكم واعتزل الحياة الاجتماعية واستمرت الخطبة بذكر اسم الزوجين الملكين، وفوّض المكرم الأمور إِلى زوجته ، فكان أول ما قامت به بعد أن غادرت صنعاء، أن اتخذت مقرها في قصر شيده زوجها في حصن بجبلة (اليمن) ونقل إِليه ذخائره وقامت بتدبير المملكة خير قيام وبسطت سلطانها على القبائل اليمانية، فخضع الناس لها، وكانت الرسائل التي يبعث بها المستنصر بالله الفاطمي إِلى اليمن تصدر باسمها.

وقامت أروى بإخفاء وجهها أثناء جلسات المجلس، فقد كانت في السادسة والعشرين من عمرها وتتمتع بقدر كبير من الجمال، فحرصت على احترام زوجها المعاق، وأخفت وجهها أثناء بحث الأعمال الرسمية.

كان هدفها الأول هو الانتقام من سعيد بن نجاح أمير زبيد، ولقد فعلت ذلك إكراما لذكرى "أسماء"، بعد انتقامها ركزت أروى انتباهها على مصالح شعبها، وقامت ببناء العديد من المساجد وأدارت الكثير من المشاريع لإصلاح الطرق وتجميلها.

واهتمت أيضا بالدراسات الثقافية والدينية وأسست العديد من المراكز التعليمية، وحرصت على ان يتلقى المعلمون والباحثون أجرا جيدا.

وخلال حكمها ارتفع معدل الزراعة والتجارة  وكانت السيدة الحرة أروى مبدعة، قامت ببناء مستشفيات للنساء ليتعلمن كيفية تنظيم ورعاية الأسرة.

عقب موت زوجها قام الخليفة الفاطمي في مصر، المستنصر بتعيين أروى حجة اليمن، والحجة هو أعلى المناصب الدينية للدعوة لدى الشيعة الاسماعيلية.

وأصر الخليفة أن تتزوج أروى من سابا بن أحمد ابن عم زوجها المتوفى، وهو ما رفضته في البداية  لكن بمرور الوقت وافقت بالرغم من ذلك لم تتخل عن القوة، وظلت تحكم بمفردها، واختلفت المصادر حول ما إذا استمر الزواج أو لم يستمر،وقد قامت أروى بحكم اليمن بمفردها لأكثر من نصف قرن.