مؤشرات على تفكك العلاقات بين واشنطن وكييف.. ترامب يصف زيلينسكي بـ"الديكتاتور"

في تصريحات جديدة، من ولاية فلوريدا، شن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس الأربعاء، جولة أخرى من الانتقادات ضد نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قائلًا إنه "ديكتاتور يحكم بدون انتخابات".
وأحدثت تصريحات ترامب صدمة في أوكرانيا، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، إذ اتهم ترامب زيلينسكي بأنه لا يحظى بشعبية قائلًا: "أكره أن أقول ذلك، لكن نسبة تأييده انخفضت إلى 4 في المئة" وانتقد عدم تنظيم الانتخابات وأكد "اختلاس" جزء من المساعدات الأمريكية، وذلك عبر منشور ملتهب على موقع إكس، ثم في منشور آخر على شبكة موقع تروث سوشال Truth Social، الذي يملكه الرئيس الأمريكي.
وادعى ترامب في المنشور مخاطبًا زيلينسكي "ما كان ينبغي لك أن تبدأها أبدًا"، وقصد بذلك الحرب، ومن جانبه، كشف رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، أمس الأول، الثلاثاء 18 فبراير، عن إرجاء زيارته للسعودية التي كانت من المقرر أن يجريها يوم أمس الأربعاء إلى 10 مارس المقبل، وقال زيلينسكي، خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه لا يمكن إجراء مباحثات من أجل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بدون مشاركة كييف.
وذكر الرئيس الأوكراني أنه ينبغي على أمريكا وأوكرانيا وأوروبا المشاركة في المباحثات المرتبطة بتقديم ضمانات أمنية لبلاده لضمان السلام العادل، وفقًا لرويترز.
وعن أسباب تأجيل الزيارة، ذكر مصدران مطلعان، أن الرئيس الأوكراني اتخذ قراره بتأجيل زيارته حتى لا يضفي "شرعية" على الاجتماع بين المسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا والذي عقد اليوم في الرياض.
وجاء الهجوم بعد اتهام الرئيس الأوكراني لترامب بأنه يصدق "التضليل الروسي، وهي انتقادات تثير مخاوف من حدوث قطيعة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.
وجاءت اتهامات ترامب - والتي بدا بعضها وكأنها انعكاس للرواية الروسية الشائعة حول الحرب - بعد ساعات فقط من لقاء المسؤولين الأمريكيين بوفد روسي في الرياض لبدء محادثات لإنهاء الصراع الذي استمر ما يقرب من ثلاث سنوات.
وكان الرئيس الأمريكي قد وجه للمرة الأولى، انتقادات عنيفة لزيلينسكي متهما إياه بأنه "ديكتاتور بلا انتخابات" في تكرار لخطاب الكرملين، إذ لم تنظم أوكرانيا الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر أن تجرى عام 2024 بسبب الحرب.
ورد زيلينسكي على تصريحات ترامب بالقول إن الرئيس الأمريكي "يعيش في مساحة من التضليل" الروسي، إذ إنه يكرر تساؤلات الكرملين حول شرعية زيلينسكي والحرب، وأكد زيلينسكي أن "العالم يواجه خيارًا بين التحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ناحية والسلام من ناحية أخرى".
وأشار في خطابه المُصور إلى الوصف الذي وصفه به الرئيس ترامب، بأنه "قام بعمل فظيع". مؤكدًا أن "المستقبل ليس مع بوتين، بل مع السلام. إنه خيار للجميع في العالم، بما في ذلك الأقوى، للوقوف مع بوتين أو مع السلام"، وأوضح زيلينسكي "أعتمد على الوحدة الأوكرانية، وشجاعتنا الأوكرانية، وعلاقاتنا مع الشركاء، ووحدتنا الأوروبية، وعلى براجماتية أمريكا، التي تحتاج إلى النجاح بقدر ما نحتاج إليه جميعًا".
وانتهت ولاية الرئيس الأوكراني في مايو 2024، لكن أوكرانيا لم تنظم انتخابات بسبب الحرب والأحكام العرفية، بالإضافة إلى أن ملايين الأوكرانيين فروا إلى خارج البلاد فيما أصبحت 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية خاضعة للحكم الروسي.
وفي حين أكد ترامب أن واشنطن "قدّمت 350 مليار دولار" لأوكرانيا واتهم زيلينسكي "بعدم معرفة أين ذهبت نصف الأموال"، قدّر معهد كيل الاقتصادي المساعدات الأمريكية بـ 114،2 مليار دولار منذ العام 2022.
ردود الفعل الروسية والأوروبية على تصريحات ترامب
في أول تعليق له على تصريحات ترامب الأخيرة، أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، أن دونالد ترامب تلقى "معلومات موضوعية" منذ عودته إلى السلطة.
بينما قال المستشار الألماني، أولاف شولتز، إن وصف ترامب للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي بأنه "ديكتاتور" "خاطئ وخطير"، وأضاف في تصريح لصحيفة دير شبيجل الألمانية "من الخطأ والخطير ببساطة حرمان الرئيس زيلينسكي من شرعيته الديمقراطية".
أما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فقال بعد الاجتماع الذي عقده أمس الأربعاء مع القادة الأوروبيين، إن فرنسا وشركائها "يقفون إلى جانب أوكرانيا" ويتحملون كل المسؤولية لضمان السلام والأمن في أوروبا. مؤكدًا أن أوكرانيا يجب أن تشارك في أي مفاوضات سلام.
فيما قال رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، إن وصف ترامب لزيلينسكي بأنه "ديكتاتور" "غير صحيح". إنه "منتخب ديمقراطيًا"، وأضاف "أعتقد أن لا أحد يريد الانتخابات أكثر من أوكرانيا، لأن الانتخابات تعني أن هناك سلامًا في أوكرانيا وأنهم يستطيعون حكم بلادهم مرة أخرى".
وفي الوقت نفسه، أعلنت الدنمارك عن 50 مليار كرونة (7 مليارات دولار) للإنفاق الدفاعي على مدى العامين المقبلين، مشيرة إلى التهديد المتزايد من روسيا، وقالت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميت فريدريكسن، للصحفيين إن الرسالة التي أرسلتها إلى جيش بلادها هي "اشتر، اشتر، اشتر" أي المزيد من شراء الأسلحة. وستؤدي هذه الخطوة إلى رفع إجمالي الإنفاق الدفاعي للبلاد إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من نصف قرن.
ما هي حقيقة ادعاءات ترامب؟
قام قسم تقصي الحقائق في بي بي سي، بالتحقق من صحة ادعاءات ترامب.
الادعاء: زيلينسكي "دكتاتور بلا انتخابات"
جاء ادعاء ترامب بأن زيلينسكي "دكتاتور بلا انتخابات" بعد ساعات فقط من تشكيك الكرملين في شرعية زيلينسكي بعد انتهاء فترة ولايته، وهو ادعاء رددته موسكو مرارًا وتكرارًا في الأشهر الماضية. وفي 28 يناير، وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، زيلينسكي بأنه "غير شرعي" في مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية.
وعلى الرغم من إدراك ترامب أن هذا كان ادعاء روسيا مكررًا يستخدم لتقويض زيلينسكي، إلا أنه قال في مؤتمره الصحفي "هذا ليس شيئًا روسيًا، هذا شيء قادم مني، من دول أخرى".
وكان زيلينسكي قد فاز بنسبة 73 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية من انتخابات عام 2019. وقال مراقبون مستقلون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن الانتخابات كانت "تنافسية واحتُرمت فيها الحريات الأساسية بشكل عام".
تعهد زيلينسكي بإجراء انتخابات جديدة بمجرد انتهاء الصراع ولم يؤكد بعد نيته الترشح. لاحظ بعض الخبراء أن إجراء انتخابات في أوكرانيا قبل انتهاء الصراع سيكون مستحيلًا عمليًا، حيث تستمر الهجمات الروسية على العديد من المدن ويتم تهجير الملايين من المواطنين إلى الخارج أو العيش تحت الاحتلال الروسي.
الادعاء: بأن "نسبة تأييده انخفضت إلى 4 في المئة"
من غير الواضح ما هو المصدر الذي استشهد به ترامب لأنه لم يقدم أدلة. وقد طلبت بي بي سي من البيت الأبيض توضيح ذلك، وكما هو معروف فإن استطلاعات الرأي الرسمية محدودة ومن الصعب للغاية إجراء مسوحات دقيقة خلال وقت الحرب. إذ فر الملايين من الأوكرانيين من البلاد ويخضع حوالي خمس البلاد حاليا للحكم الروسي.
ومع ذلك، تمكنت بعض الجهات من إجراء بعض الاستطلاعات عبر الهاتف. فقد وجد استطلاع أجري في شهر فبراير الجاري أن 57 في المئة من الأوكرانيين قالوا إنهم يثقون بالرئيس، وفقا لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع ومقره أوكرانيا.
ومع ذلك، انخفض هذا الرقم من 77 في المئة في نهاية عام 2023، و90 في المئة في مايو2022 - ما يشير إلى أن زيلينسكي عانى بالفعل من انخفاض في شعبيته.
الادعاء بأن زيلينسكي بدء الحرب
أعربت السلطات الأوكرانية عن استيائها لعدم مشاركتها في المحادثات الأمريكية الروسية التي انطلقت الثلاثاء، في العاصمة السعودية الرياض. لكن ترامب رفض هذه المخاوف، وقال للصحفيين إن أوكرانيا كان لديها ثلاث سنوات لإنهاء الحرب. مضيفا "كان ينبغي لك ألا تبدأ الحرب أبدًا"، وهو الأمر الذي اتهم الكرملين به أوكرانيا سابقًا ببدء الحرب ضد روسيا.
وكان الرئيس الروسي بوتين قد قال في لقاء تلفزيوني مع مضيف البرامج الحوارية الأمريكي، تاكر كارلسون، في فبراير 2024 "هم من بدأوا الحرب في عام 2014. هدفنا هو وقف هذه الحرب. نحن لم نبدأ هذه الحرب في عام 2022"، وقد ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها في عام 2014. وجاء ذلك بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا من خلال المظاهرات الشعبية.
كما دعمت روسيا القوات بالوكالة التي استولت على مناطق في شرق أوكرانيا، واتهمت الحكومة الجديدة في كييف بالتمييز والإبادة الجماعية ضد الناطقين بالروسية. رفضت محكمة العدل الدولية، الخارجية، مزاعم موسكو.
وبعد فشل الاتفاقات التي تهدف إلى إنهاء الصراع بعد عام 2014 - بدأت روسيا في حشد قوات ضخمة على حدودها مع أوكرانيا في أواخر عام 2021. ليشن بوتين غزوًا في 24 فبراير 2022، مشيرًا إلى أن هدف العملية هو "نزع السلاح وإزالة النازية" من حكومة فولوديمير زيلينسكي الموالية للغرب ومنع البلاد من الانضمام إلى الناتو.
وكان مسؤولون في حلف شمال الأطلسي قد قالوا في عام 2021 إن أوكرانيا مرشحة للانضمام إلى التحالف الغربي في المستقبل، إلا أنها لم تتخذ أية إجراءات رسمية نحو تحقيق هذا الهدف.