الثلاثاء 21 مايو 2024 الموافق 13 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

نصحت واشنطن بالكف عن صب الزيت على النار.. بكين تنتصر في أزمة البحر الأحمر

الرئيس نيوز

طرحت وسائل الإعلام والصحف الأمريكية، وعى رأسها موقع الإذاعة الوطنية العامة "إن بي آر"، سؤالًا استنكاريًا وسط اعتماد الصين الكبير على طرق الشحن في البحر الأحمر، والسؤال هو لماذا اختارت بكين النهج المتمثل في عدم التدخل في هجمات الحوثيين على السفن التجارية التي تعبر من خلال هذا الطريق البحري بالغ الأهمية، ولكن أبرز الإجابات على هذا السؤال الذي ينطوي على قدر من التعقيد والأهمية جاء في تقرير نشره موقع "أن هرد" البريطاني، فهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها قبيلة عربية نائية بتغيير المعادلات في العالم. 

وقد أدت الهجمات ضد سفن الشحن الدولي من قبل الحوثيين المتمركزين في اليمن إلى خلق أزمة أمنية كبيرة في البحر الأحمر؛ ما اضطر أكبر خطوط الشحن في العالم إلى تعليق العبور عبر البحر الأحمر، ومع تدفق ما يقرب من ثلث حركة الحاويات العالمية عبر المنطقة، فقد أدى هذا إلى تعطيل التجارة العالمية بشكل خطير ومع ذلك، فإن التأثير الأكثر ديمومة للأزمة ربما يكون على التوازن الجيوسياسي بين قوتين عظميين، تبعد كل منهما عدة آلاف من الكيلومترات عن الرمال الحارقة في شبه الجزيرة العربية: وهما بلا شك الصين والولايات المتحدة.

باعتبارها أكبر دولة تجارية في العالم، فإن الصين لديها الكثير على المحك في البحر الأحمر؛ فأوروبا هي الشريك التجاري الأكبر للصين، وأكثر من 60% من تلك التجارة من حيث القيمة تتدفق عادة عبر مضيق باب المندب ومع تعطل هذا الطريق، تقوم سفن الشحن بتحويل مسارها حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، مما يضيف ما يصل إلى أسبوعين من وقت السفر الإضافي ويزيد من تكاليف الشحن بشكل كبير.

وبحلول 25 يناير، ارتفع متوسط تكلفة شحن حاوية بطول 40 قدمًا من شنغهاي إلى جنوة إلى 6365 دولارًا، أي بزيادة قدرها 464% عن الشهرين السابقين كما ارتفعت أسعار التأمين بشكل كبير، وعلاوة على ذلك، ضخت الشركات الصينية في السنوات الأخيرة استثمارات بمليارات الدولارات في أصول بالمنطقة، مثل حصة 20% في محطة حاويات شرق بورسعيد بقناة السويس المملوكة الآن لشركة الشحن الحكومية الصينية العملاقة كوسكو وفي وقت يعاني خلاله معدل النمو في الصين بالفعل، فإن الأزمة تهدد بفرض المزيد من الضغوط الخطيرة على اقتصادها.

ومن الواضح أن واشنطن، بعد إدراكها لهذه الثغرة الأمنية، حاولت استخدامها كوسيلة ضغط لإقناع بكين بالمساعدة في إنهاء الأزمة والصين هي أكبر داعم اقتصادي وجيوسياسي لإيران، التي تدعم بدورها الحوثيين، وتستخدمهم كوكيل لإزعاج إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها وبعض المسؤولين في واشنطن مقتنعون بأنه إذا أرادت بكين ذلك حقًا، فيمكنها الضغط بسرعة على طهران لإنهاء هجمات الحوثيين.

وقد أثار مسؤولو إدارة بايدن "الأمر مرارًا وتكرارًا مع كبار المسؤولين الصينيين في الأشهر الثلاثة الماضية"، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز، وسافر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مؤخرًا إلى تايلاند للدفاع مباشرة عن رأي الإدارة في اجتماع مع وزير الخارجية الصيني، وانج يي.

ويبدو أن هذه الجهود الدبلوماسية الأمريكي قد فشلت وبصرف النظر عن بيان عام صيني فاتر يدعو "جميع الأطراف المعنية" إلى "ضمان سلامة الملاحة في البحر الأحمر"، يبدو أن بكين لم تتخذ أي خطوة أخرى على الإطلاق لمعالجة الوضع وبدلا من ذلك، دعت واشنطن إلى “تجنب صب الزيت على النار” في الشرق الأوسط. 

الهجمات مستمرة
البعض في واشنطن يتجهم؛ على سبيل المثال، انتقد النائب جيك أوشينكلوس (ديمقراطي من ماساتشوستس) الصين في جلسة استماع بالكونجرس في أواخر شهر يناير لكونها "ليست فقط غائبة عن العمل كمؤيد للتجارة والقواعد الدولية، ولكن... في الواقع تقوض بشكل فعال إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن الحل السلمي لهذه القضية”، وكان هذا الفشل في التدخل من قبل الصين مجرد "مثال آخر على المحاولات الخبيثة للقيادة العالمية من قبل الحزب الشيوعي الصيني"، كما جاء في اتهامات النائب أوشينكلوس.

لكن ربما يتعين على أوشينكلوس وآخرين من ذوي التفكير المماثل في واشنطن أن يكونوا حذرين بشأن ما يرغبون فيه وعلى مدار الجزء الأكبر من قرنين من الزمان - كانت الولايات المتحدة هي "الداعم للتجارة والقواعد الدولية" في العالم، وهذه هي الصورة التي يحب الأمريكان الترويج لها هنا وهناك، وكان التصميم على حماية تدفق التجارة البحرية من القراصنة هو الذي دفع الولايات المتحدة الفتية إلى تدخلها الأجنبي الأول، الحروب البربرية في عامي 1801 و1815، وصياغة هويتها بشكل دائم كلاعب دولي ورقم صعب، فإذا كانت الأمة الأمريكية تريد حقًا أن تصبح وتظل جمهورية تجارية، فإن هذا يعني أنها يجب عليها، كما أعلن الرئيس آنذاك توماس جيفرسون، "الإشراف على سلامة تجارتنا" من خلال "موارد قوتنا وشجاعتنا في كل البحار".

وبعد قرنين من الزمان، كانت البحرية الأمريكية لا تزال تعمل تحت شعار "قوة عالمية من أجل الخير" وهذا يعني أن الصورة الكاملة - والواقع - لأمريكا كقوة عظمى تعتمد إلى حد كبير، مثل الإمبراطورية البريطانية من قبلها، على قدرتها على تأمين التجارة العالمية، فإذا كان هناك أي جزء متبقي من "السلام الأمريكي" الذي بُني عليه عصر العولمة الحديث برمته، فهو هذا.

وفي هذا السياق، يجب على مسؤولي واشنطن أن يفكروا فيما سيعنيه إذا استمعت بكين إلى مناشدات الأمريكان وتولت بالفعل دور أمريكا كموفر للأمن، فإذا بدأت دول العالم في التحول إلى الصين من أجل "القيادة العالمية" بدلًا من الولايات المتحدة كلما كانت سفنها التجارية في حاجة إلى الحماية، فإن ذلك سيكون بمثابة علامة حاسمة على الانتقال من قرن أمريكي إلى قرن صيني، تمامًا كما فعلت أمريكا باستلام قيادة العالم من بريطانيا من قبل، وذات مرة سلمت لندن البحار لمستعمرتها السابقة ويجب على واشنطن أن تعتبر نفسها محظوظة لأن بكين رفضت حتى الآن الاضطلاع بهذا الدور، الذي إذا وافقت عليه بكين لكان انتصارًا تاريخيًا لها.

ومن ناحية أخرى، لم تثبت الجهود التي بذلتها أمريكا لأداء وظيفتها القديمة المتمثلة في تأمين الممرات البحرية أنها أكثر من مجرد إخفاق، فهو هزيمة مذرية، ومع النقص الشديد في عدد القوات البحرية الأمريكية وانتشارها في جميع أنحاء العالم، حاولت تجميع "عملية حارس الازدهار"، وهي تحالف متعدد الجنسيات من القوات تحت قيادتها يهدف إلى القيام بدوريات في البحر الأحمر ولكن هذا الجهد انهار وظيفيًا على الفور تقريبًا عندما رفضت المشاركة كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا - التي أعلنت واشنطن جميعها قبل الأوان رغبتها في أن تصبح أعضاء بالتحالف - قائلة إنها لن تقبل القيادة الأمريكية. 

ولم تقم أي دولة شرق أوسطية غير البحرين بالانضمام للتحالف وفي ارتداد إلى الماضي، أصبحت كل القوات البحرية تسير بمفردها وترافق السفن التي تبحر تحت أعلامها وألقابها الخاصة وما نراه إذن هو انهيار حقيقي في "النظام الدولي" الذي فرضته القوة الأمريكية ذات يوم والعودة بماشرة إلى عالم أقدم وأكثر نموذجية، حيث لا يوجد شرطي العالم، وحيث يلتزم الجميع بحماية مصالحهم الوطنية.

ولفت التقرير إلى أن الصينيين على استعداد جيد للاستفادة من هذا الوضع وعلى الرغم من أن شركة كوسكو قد تخلت في الوقت الحالي أيضًا عن طريق البحر الأحمر، إلا أن شركات الشحن الصينية الأصغر حجمًا قد رصدت فرصة تجارية وقفزت لسد الفجوة. على سبيل المثال، سارعت شركة تشاينا يونايتد لاينز إلى إطلاق خدمة "البحر الأحمر السريع" التي تربط مدينة جدة في المملكة العربية السعودية بالموانئ الصينية. 

والصينيون أيضًا قادرون على القيام بذلك لأنه يبدو أن الحوثيين يخضعون لأوامر صارمة لمحاولة تجنب مهاجمة السفن المرتبطة بالصين وتتأكد السفن التي لا تزال تعبر المضائق إلى البحر الأحمر بشكل منتظم من عرض الأعلام الصينية بشكل بارز واستخدام بيانات تحديد هوية الأقمار الصناعية الخاصة بها للإعلان عن أن مالكيها صينيون، أو حتى أفراد الطاقم صينيون فقط وارتفع عدد السفن التي تعبر المنطقة بينما تعلن بشكل استباقي أنها تحمل طاقمًا صينيًا من أقل من اثنتين يوميًا إلى أكثر من 30 في أواخر يناير ومن الواضح أن هذا هو التعويذة السحرية لإبعاد القراصنة - على الرغم من أن البحرية الصينية لديها ما لا يقل عن ثلاث سفن حربية في المنطقة لمرافقة سفنها، إذا ثبت أن ذلك غير كاف.