الثلاثاء 30 أبريل 2024 الموافق 21 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

بعد نصف قرن من حرب أكتوبر| وثائق إسرائيلية تكشف توريط الموساد لنفسه: إخفاقات وخطأ في التقديرات

الرئيس نيوز

في وقت مبكر من سبتمبر الجاري، وتحديدًا يوم الخميس الموافق 7 سبتمبر 2023، دشّن الأرشيف الإسرائيلي عبر موقعه على الشبكة العنكبوتية صفحة خاصة لحرب يوم الغفران، ونشر نحو ألف صورة فوتوغرافية و750 تسجيلا صوتيا وأفلاما لصحفيين وجنود إسرائيليين علاوة على محاضر جلسات مهمة على المستويين السياسي والعسكرية وعددًا كبيرًا من مراسلات جيش الاحتلال والخارجية الإسرائيلية في مئات الآلاف من الصفحات والمستندات التي توثق أحداث الحرب توثيقًا لحظيًا.

ونشر الأرشيف التقديرات السياسية والعسكرية والأمنية والدولية والعامة والمدنية للاطلاع عليها لأول مرة، في حين تظل آلاف الوثائق الأخرى محظورة بدعوى الحفاظ على الأمن القومي لإسرائيل، وقد تنشر بعد مرور 40 عامًا من الآن، وفقًا لتوقعات صحيفة "هاآرتس".

وتضمنت بعض الوثائق تفاصيل مثيرة حول مشاورات لجان الكنيست والمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية، وتقديرات الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش، وتقييمات العسكريين حول سير الحرب وتحضير الجبهة الداخلية للحرب ومقياس لمستوى جاهزيتها، وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

أخطاء جسيمة

سادت إسرائيل نوبة مفاجئة من تبادل الاتهامات بشأن إخفاقات الأذرع الأمنية الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى للشعور بالهزيمة بعد ظهر السبت الموافق 6 أكتوبر، وطوال الحرب، وقد نشر الموساد دراسة جديدة ومجموعة من الوثائق التاريخية تتعلق بنشاطه آنذاك، ويبدو أن الدراسة تتضمن رد الموساد على تقارير (أمان) التي حملت جهاز الاستخبارات مسؤولية الفشل الذريع في توقع الحرب، وركزت الدائرة التاريخية في دراستها على تفنيد منشورات مختلفة في الصحافة والأوساط الأكاديمية التي حملته مسؤولية الإخفاق في التوقعات والفشل في إصدار إنذار مبكر، كما كشفت الوثائق إخفاق الاستخبارات العسكرية في التحذير من اندلاع الحرب والخطأ في التقديرات باستبعاد سيناريو شن مصر وسوريا حربًا مفاجئة على إسرائيل.

وتضمنت الوثائق ما تدعي إسرائيل أنه وثائق وصورا لتجنيد أشرف مروان الذي اجتمع في لندن برئيس الموساد "تسفي زامير" وحذره من اندلاع الحرب قبل 16 ساعة فقط من بدء الهجوم المصري السوري ولكن أخفق الموساد في التعامل مع المعلومات على محمل الجد ولم يقم بدوره في تحذير القيادة من احتمال نشوب الحرب، واتهمت الوثائق زامير بعدم القدرة على قراءة الموقف والتقليل من أهمية المعلومات التي كانت لديه.

كما تضمنت هذه المواد معلومات كثيرة عن جيشي مصر وسوريا، بما فيها تحذيرات ملموسة بشأن الموعد المتوقع لبدء الحرب، لكن هذه المعلومات لم تمنع إخفاق الجيش الإسرائيلي والثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل سواء عسكريًا أو مدنيًا.

معالجة دفتر يوميات جولدا بالذكاء الاصطناعي

كُشف النقاب عن دفتر يوميات مكتب رئيسة الوزراء جولدا مائير قبيل الحرب وبعدها وحتى تاريخ إبرام اتفاق فصل القوات عام 1974، وركزت يوميات جولدا على العديد من الجوانب السياسية والعسكرية والاتصالات الدبلوماسية الدولية والإقليمية التي أجراها ديوان رئيسة الوزراء وجميعها من الأنشطة التي حرص على توثيقها لحظيًا "إيلي مزراحي" مدير ديوان جولدا مائير في ذلك التوقيت ووصفت يوميات جولدا مائير المشاعر والمعضلات التي أحاطت بصناع القرار، كما عرضت صورة بعض العلاقات الشخصية داخل الحكومة، وأكدت الشكوك التي عصفت بقادة إسرائيل منذ يوم الغفران وحتى تأكدت الهزيمة وتتضمن يوميات جولدا مائير 3500 ملف تحتوي على مئات آلاف الصفحات، وتشمل مداولات وزارية بشأن سبل اتخاذ القرارات الإسرائيلية حيال سير الحرب على جبهات القتال، والبرقيات الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر وسوريا التي ساعدت في نقلها بين العرب وإسرائيل دول عظمى في جهود حثيثة لوقف الأعمال العدائية وزعمت بعض الوثائق أن جولدا اتصلت بالملك حسين عشية الحرب، وتحدثت الوثائق عن لقاء مزعوم جمعهما في مكتب تابع للموساد بالقرب من تل أبيب، وتكشف المواد الأرشيفية لأول مرة أن الاسم الرمزي الذي أطلقه المسؤولون الإسرائيليون على ملك الأردن في ذلك الوقت، الملك حسين، كان "مصعد".

وذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أنه قد تم العثور على وثائق جديدة مهمة بخصوص إدخالات دفتر اليومية الخاصة بسكرتير مائير، إيلي مزراحي وفي السابق، عثر باحثو الأرشيف على 200 صفحة وكشفوا عنها، ولكن باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة، عثروا على حوالي 1000 صفحة أخرى كان مزراحي قد دونها بخط يده، حول الحرب وتداعياتها، وتتناول مجموعة متنوعة من القضايا، بدءًا من تقارير حالة المعارك من ساعة إلى ساعة عن المعارك على مختلف الجبهات، وحتى الاتصالات مع الولايات المتحدة، والوضع في الأمم المتحدة، والتأثير على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وصولًا إلى وقف إطلاق النار ومفاوضات ما بعد الحرب.

ويرصد دفتر مائير يومياتها بدقة ومواعيد حضورها إلى مجلس الوزراء ومغادرتها دقيقة بدقيقة، وبالتحديد من كانت تقابل، وكم من الوقت بالضبط استغرقت اجتماعاتها كافة، وتأشيراتها بشأن القرارات أو الموافقات، بدلًا من معرفة أن القرار قد تم اتخاذه في يوم معين بشكل عام ومن خلال تصفح الصور الممسوحة ضوئيًا للوثائق، يمكن للقارئ أن يلاحظ عندما ينفد الحبر من قلم مزراحي ويتحول إلى لون آخر أثناء تدوين ملاحظاته بدفتر جولدا.

أخطاء بالجملة.. أبرزها حول تقدير الموقف

وأشارت مقدمة أرشيف الدولة الإسرائيلي إلى أنه في نهاية عام 1972 بدأت رياح الحرب تهب من جديد في الشرق الأوسط، إذ تلقى مكتب رئيسة الوزراء في أواخر نوفمبر 1972 معلومات استخباراتية من مصادر الموساد تفيد بأن مصر على وشك تجديد إطلاق النار في منطقة قناة السويس، وأن السادات أعطى الأوامر للقوات المسلحة بالاستعداد واستئناف عمليات إطلاق النار في نهاية ديسمبر 1972 ثم الاستعداد لعملية شاملة، وأشار مصدر في الموساد إلى عدم وجود يقين من أن السادات سيفتح النار بالفعل ويشن حربا شاملة.

ودفع تراكم هذه المعلومات الاستخباراتية مائير إلى عقد جلسة خاصة في مكتبها بتاريخ 1 ديسمبر 1972 بحضور وزير الأمن موشيه ديان والوزير يسرائيل غاليلي ورئيس الأركان ديفيد إليعازر ورئيس الموساد تسفي زامير ورئيس وحدة الاستخبارات العسكرية (أمان) إيلي زعيرا وآخرين، وتقول الوثائق إن موشيه ديان رجح اقتراب مصر من تجديد عمليات إطلاق النار بداية من العام 1973 حول قناة السويس ولن تكون حربا شاملة، بل ستتعمد مصر أن تكون حربًا محدودة، وفقًا لتقديره، كما توقع انضمام سوريا في حال اندلعت الحرب "وإن كان احتمالا ضئيلا"، مضيفًا أن إسرائيل لن توافق على حرب استنزاف، بل ستضرب بقوة سوريا ومصر، وسيقوم الجيش الإسرائيلي بعمليات لعبور قناة السويس في الجزء الشمالي واحتلال بورسعيد وبدوره، قال رئيس الاستخبارات العسكرية إن "فرصة قيام مصر ببدء حرب ليست كبيرة، وإن احتمال محاولتهم عبور القناة يقترب من الصفر، وإن احتمال الشروع في حرب استنزاف ضئيل للغاية".

حرب محدودة واحتمالات ضئيلة

كان رئيس الأركان يميل إلى تقييم الاستخبارات العسكرية القائل إن فرص إطلاق النار ضئيلة للغاية، لكنه قال "لا يمكن أن نحرر أنفسنا من مسؤولية الاستعداد، لأن السادات يمكن أن يفعل أشياء غير منطقية"، واتفق مع ديان على طبيعة الرد الإسرائيلي، وعرض على الحاضرين الخيارات المتاحة لجيش الاحتلال لتوجيه ضربات قوية للمصريين في حالة إطلاق النار.

وأثار رئيس الأركان "احتمالا ضعيفا" لوقوع هجوم منسق متزامن من قبل السوريين والمصريين، قائلا إنه "احتمال غير سار بالنسبة لإسرائيل، وإذا كانت هناك أخبار عن هذا الموضوع فنحن بحاجة إلى التحرك بشأن سوريا بطريقة تمنعها من دخول الحرب على الأقل لبضع سنوات".

وتظهر وثائق الأرشيف إن رئيس الموساد زامير شكّك في تقييم زعيرا وإليعازر، وقال "علينا أن نبدأ من نقطة الافتراض بإمكانية تنفيذ عمليات عسكرية أو أي سيناريو من هذا القبيل". ورجح أيضا "عدم تجدد الحرب على طول قناة السويس، بل المزيد من العمليات المحلية التي تحمل طبيعة المضايقات والاستفزازات".

وأوضح عدد من الخبراء الذين استطلعت قناة روسيا اليوم آراءهم بشأن الوثائق السرية التي أفرج عنها الموساد مؤخرًا بعد مرور نصف قرن من حرب السادس من أكتوبر، التي يسميها الإسرائيليون حرب يوم الغفران، أن إسرائيل استطاعت أن تحجب عددا هائلا من وثائق حرب أكتوبر استنادا للقانون الإسرائيلي الذي يسمح بمد فترة حظر نشر وثائق الدولة إلى خمسين عاما، وبعد انقضاء الأمد، طال الوثائق المفرج عنها مقص الرقيب العسكري وتم انتقاء وثائق معينة في محاولة لتجميل الصورة القاتمة وتزييف حقيقة الهزيمة المرة التي مُنِيَ بها الجيش الإسرائيلي في 1973.

وكانت الصحف الإسرائيلية قد أفردت مساحات لوثائق جديدة لم يفرج عنها من قبل، علاوة على العديد من كتالوجات صور، والمقاطع الصوتية ومواد الفيديو المرئية، ولكن الخبراء الذين اطلعوا عليها يؤكدون أن الحجب لم ينته تماما، فلا تزال الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تتحفظ على نشر وثائق بعينها، ومقاطع متفاوتة الحجم من وثائق أخرى بذريعة الحفاظ على أسرار الأمن القومي الإسرائيلي، ولكن الضرورة تقضي الحفاظ على الروح المعنوية للإسرائيليين خاصة عندما تتحدث الوثائق عن الصدمة العصبية التي أصابت وزير الدفاع السابق موشيه ديان في يوم الأحد الموافق 7 أكتوبر بعد زيارته للجبهة، تلك الصدمة التي أفقدته توازنه، وتجلى ذلك في ظهور مهتز للغاية باجتماع مجلس الوزراء في ذات اليوم، ومطالبته بالانسحاب من مواجهة القوات المسلحة المصرية، وترك خط بارليف، والتخلي عن الجرحى الإسرائيليين حول الخط الحصين، وإبلاغهم عبر اللاسلكي إما أن يخلصوا أنفسهم أو يستسلموا.

لكن، وبالرغم من محاولات الحجب المريرة، وقع الرقيب العسكري الإسرائيلي أحيانا في أخطاء بدائية، فعلى سبيل المثال حجب معلومات ومقاطع معينة في وثيقة التحقيق مع رئيس الأركان، ثم ترك سهوًا المعلومات نفسها في وثيقة التحقيق مع رئيس الاستخبارات الحربية إيلي زعيرا ولذلك فإن الوثائق الرسمية الإسرائيلية تفسر بعضها بعضا ويمكن عن طريق جهد قليل جمع فسيفساء الصورة الكاملة من خلال دراستها دراسة منهجية تكشف الكثير والكثير من الأسرار التي أرادت تل أبيب إخفاءها، ولكنها لم تفلح في حجبها.

وغرق عدد كبير من وثائق الموساد المفرج عنها أوائل سبتمبر الجاري في مدح جهاز الاستخبارات في محاولة بائسة يائسة لغسل يده من الهزيمة الإسرائيلية المروعة وغرقت وثائق الموساد المفرج عنها أوائل سبتمبر الجاري في مدح جهاز الاستخبارات في محاولة لغسل يده من الهزيمة الإسرائيلية المروّعة في ميدان المعركة في مواجهة القوات المسلحة المصرية، وهي محاولة باءت بالفشل بعد أن سلطت غالبية الوثائق الضوء على الفشل الاستخباراتي والأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والتقديرات البعيدة عن الواقع، وأبرزها استبعاد شن مصر وسوريا حربًا مباغتة ضد إسرائيل، وفقًا لتعبير ما أفرج عنه أرشيف الدولة العبرية من آلاف الوثائق والمستندات ومحاضر جلسات الحكومة برئاسة جولدا مائير.

استراتيجيًا، تفيد الوثائق في النظر بطريقة مختلفة إلى الانتصار المصري بعيون إسرائيلية، ومن ثم الكشف عن آليات اتخاذ القرار السياسي والعسكري في إسرائيل، ومعرفة الدروس التي تعلمتها إسرائيل من حرب أكتوبر 1973، وحاولت تجنبها فيما بعد أكتوبر.

تجدر الإشارة إلى أن الأرشيف الإسرائيلي نشر في السنوات الماضية وثائق عن الحرب، لكنه أوضح أن المجموعة الجديدة هي المتكاملة، موضحا أن الحرب قتل فيها 2656 جندي إسرائيلي، وأسرت القوات المسلحة المصرية والسورية المئات وأسفرت الحرب عن إصابة أكثر من 7200 جنديًا ومدنيًا وعندما اندلعت الحرب كانت إسرائيل تحتل شبه جزيرة سيناء في مصر، كما كانت ولا تزال تحتل القطاع الأكبر من مرتفعات الجولان السورية منذ 1967، إضافة إلى احتلالها لفلسطين منذ 1948. 

وعلى موقعه الإلكتروني، قال الأرشيف الإسرائيلي: "في الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران.. أصبح أرشيف الدولة متاحًا للجميع.. مجموعة كبيرة من المواد الأرشيفية، معظمها معروض للاطلاع عليه لأول مرة"، خلال الفترة منذ أكتوبر 1972 وحتى مارس 1974، بما في ذلك تلك اللحظات الصعبة عندما قطعت صفارات الإنذار صمت عيد الغفران وأطلقت الإشارة لبداية الحرب، مشيرًا إلى أن سجلات اجتماعات الأيام الأولى للحرب تظهر خيبة أمل واسعة النطاق مصحوبة بضغوط ثقيلة وخطوات مترنحة، إضافة إلى مخاوف ومشاعر عاصفة.