الجمعة 04 أكتوبر 2024 الموافق 01 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تحولات كبيرة في السياسة الخارجية والعلاقات الأمريكية مع مصر والسعودية وتركيا وإسرائيل

الرئيس نيوز

لأكثر من 50 عامًا، وخاصة منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ارتكزت السياسات والمبادرات الأمريكية في الشرق الأوسط على شبكة معقدة من العلاقات مع أربع ركائز إقليمية متنوعة: المملكة العربية السعودية، وإسرائيل، وتركيا، ومصر وفي وقت أو آخر، عملت الولايات المتحدة مع واحدة أو أكثر من هذه الدول لاحتواء الحرائق الدائمة التي تجتاح المنطقة حتى عندما أشعلت هذه الدول نفسها الحرائق في المقام الأول، سواء كانت المملكة العربية السعودية في اليمن أو تورط إسرائيل في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، أو تورط تركيا في أراضي كل من العراق وسوريا.

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة "فورين يوليسي"، حققت الولايات المتحدة، على مر السنين، بعض الانتصارات الملحوظة في المنطقة، بمفردها أو مع هؤلاء الحلفاء ولكن العالم الذي أدى إلى ظهور هذه العلاقات يمر بتغيرات تتطلب إعادة تقييم جادة، بل وجذرية، فلم يعد هناك تهديد سوفيتي لمنطقة الخليج، وأصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم وفي الوقت نفسه، انهارت آخر محادثات السلام التي رعتها الولايات المتحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وأصبح حل الدولتين ميتا منذ فترة طويلة، ويقوم المتطرفون المسؤولون عن إسرائيل اليوم بمهمة يهودية مقدسة لضم جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة رسميًا تحت سيطرتهم وسط إدانة عالمية لتلك الممارسات.

ورجحت اتلمجلة أن قادة المملكة العربية السعودية وإسرائيل وتركيا ومصر يرسمون مساراتهم الخاصة، متجاهلين بشكل صارخ مصالح واشنطن الأساسية وهم يعتقدون أن العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية الوثيقة مع روسيا، أو الصين، أو الهند، أو مع بعضها البعض - علنًا أو سرًا - ستوفر لهم بدائل مناسبة للولايات المتحدة وبعبارة صريحة، فإن الركائز الأربع التقليدية التي يقوم عليها دور أمريكا في الشرق الأوسط أصبحت الآن هشة للغاية بحيث لا يمكن الاعتماد عليها.

وكُتب الكثير مؤخرًا عن الكيفية التي انخرط بها الأتراك، والإسرائيليون، والعرب في الحوار مع بعضهم بعضًا، واستكشاف السبل الكفيلة بإحياء الدبلوماسية الإقليمية، والتعاون، والاستثمار وذهب بعض المحللين إلى حد إعلان فجر حقبة جديدة في الشرق الأوسط.

ولكن ينبغي الترحيب بتخفيضات التصعيد هذه بقدر كبير من الحذر فالرجال الذين يتغنون اليوم بفضائل المصالحة هم نفسهم المسؤولين عن تخريب اليمن؛ وتغذية وتمويل داعش واجتياح الأراضي في سوريا وليبيا؛ أما إسرائيل فأطلقت العنان للشوفينية الدينية وحرض بعض قادتها بانتظام على الإرهاب ويدعون إلى التطهير العرقي للفلسطينيين في الضفة الغربية، وفي تركيا، يُعرف الرئيس رجب طيب أردوغان بإثارة نسخة من القومية التركية العدوانية، المليئة بالإيحاءات الدينية والممزوجة بالإحياء العثماني، في حملاته المتكررة من المظالم والترهيب ضد الغرب ويقدم أردوغان نفسه على أنه تجسيد لهذه القيم المسببة للتآكل. 

وعلاوة على ذلك، توقفت هذه الدول في الغالب عن التعاون مع الولايات المتحدة بشأن أولوياتها الإقليمية ولم يتمكن أردوغان إلا بالكاد من المناورة للخروج من أزمة كبيرة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وقوى الناتو الأخرى في قمة فيلنيوس الأخيرة، عندما بدا وكأنه يتخلى عن معارضته لانضمام السويد إلى الناتو بعد عام من العرقلة ولكن ابتزازه لأوروبا من خلال التهديد بإطلاق العنان لموجات من اللاجئين السوريين مستمر كما كان شراء أردوغان في وقت سابق لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 يستدعي فرض عقوبات أشد مما تلقاه.

كما تبددت أيضًا العوامل التاريخية التي عززت العلاقات مع الولايات المتحدة. ولم يعد الاتحاد السوفييتي الذي كان يشكل خطرا على دول المنطقة موجودا ومن المفارقات أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمتع اليوم بعلاقات شخصية أكثر دفئا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي والأمير محمد بن سلمان وأردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقارنة بعلاقات هؤلاء القادة مع بايدن ولم تعد هناك أي تهديدات خارجية للخليج.

كما تغير الدور الذي لعبه النفط بشكل كبير بعد أن غذى النفط علاقات أمريكا مع المملكة العربية السعودية التي يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية، حيث أصبحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وآسيا يعتمدون على النفط والغاز المستورد من السعودية وبقية دول الخليج مقابل ضمانات عسكرية أمريكية ولكن الولايات المتحدة لم تعد القوة الخارجية الوحيدة التي لها مصلحة اقتصادية في منطقة الخليج، فقد برزت القوى الآسيوية ولها مصالح اقتصادية في منطقة الخليج وقد أنشأت القوى الآسيوية، مثل الصين والهند وغيرهما، أو أعادت تأسيس علاقات اقتصادية وتجارية معقدة مع الخليج  ومن الطبيعي أن يجلب النشاط الاقتصادي الآسيوي المتزايد مكانة سياسية وعسكرية أعلى.

وفي هذا السياق، فإن اللهجة المفرطة في بعض الدوائر الرسمية في واشنطن وبين طبقة المعلقين بشأن دور الصين المحدود في إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، غير مبررة ومبالغ فيها، فتم إنجاز معظم العمل الشاق الأولي في وقت سابق من خلال محادثات هادئة في بغداد وعمان، إلى أن قامت القيادة السعودية، بهدف جذب انتباه واشنطن، بإحضار الصين لإنتاج المشهد الأخير وتوجيهه، ومنحت بكين الفضل في الإنتاج بأكمله وردت إدارة بايدن كما كان متوقعا، وهو ما يفسر، جزئيا على الأقل، تدافعها الحالي غير اللائق لتحقيق السلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، لتسجل إنجازًا، ولكنه إنجاز صعب المنال تلهث واشنطن من أجل تحقيقه بشتى السبل.