الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

أحمد كامل البحيري: "الحوار" هو رمانة الميزان فى معادلة الأمن والحريات.. وأداء الحكومة لا يصلح للأزمة الاقتصادية (حوار)

أحمد كامل البحيري
أحمد كامل البحيري خلال حواره مع الرئيس نيوز

الباحث والعضو في حزب الكرامة أحمد كامل البحيري لـ"الرئيس نيوز":

- "لقمة العيش" شغلت المواطن عن "الحوار الوطني" 

- النخبة فقدت الحماس للحوار بسبب طول مدة الجلسات الإجرائية

- انتخابات البرلمان الأخيرة هي الأغرب في التاريخ

- الحكومة والبرلمان لا فرق بينهما

- تيار "الإسلام السياسي" لم يعد له تأثير في الشارع بعد 30 يونيو

- جيل الشباب ترك السياسة مجبرا أو مخيرا

- نحتاج حكومة باستراتيجية حقيقية ورؤية وأهداف تتناسب مع المرحلة المقبلة

أكد الباحث والعضو في حزب الكرامة أحمد كامل البحيري، المتخصص في شئون الإرهاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن وجود مساحة آمنة في حرية الاختيار هي الملاذ الحقيقي، فليس هناك معادلة بين الأمن والحريات في مجتمع مغلق، لافتا إلى أنه ليس من المنطق أن يحبس شخص لأنه عبر عن رأيه في أداء الحكومة أو في وزير أو محافظ مثلا.

وقال البحيري في حواره لـ"الرئيس نيوز" إن الحوار الوطني فكرة منطقية تتطلب مضمون صحيح، ولكن إطالة مدة المناقشات لانعقاده بصورة أكثر من اللازم أفقدته زخمه، متابعا: "أعتقد أن التجهيزات كانت تأخذ على أقصى تقدير مدة من 4 إلى 6 أشهر". 

وأشار إلى أن أداء الحكومة في ظل الأزمة الاقتصادية ضعيف جدا، ويجب تغييرها، معقبا: “نحتاج حكومة باستراتيجية حقيقية ورؤية وأهداف تتناسب مع المرحلة المقبلة”. 

وإلى نص الحوار..

أحمد كامل البحيري خلال حواره مع موقع الرئيس نيوز

في بداية الحوار.. حدثنا عن معادلة الأمن والحريات التي تعيق السياسة في مصر طوال الوقت

المعادلة موجودة وستستمر ولن تتوقف أبدا، فكل طرف يسعى لشد "الدفة" تجاه وجهة نظره، فالنظام يرى أن الأمن أولوية، والمعارضة ترى الحريات أولوية، لكن المهم أن يكون هناك مساحة للحوار، والعمل المشترك والجدية، ويجب أن تتوازن المعادلة ولا تميل لأي كفة على حساب الأخرى، فالأفضل لها إيجاد صيغة متوازنة في مساحة أمنة.
يعني مينفعش نسأل عن معادلة الأمن والحريات في مجتمع مغلق، لأن الإجابة لن تكون مفيدة، فوجود مساحة أمنة في حرية الاختيار هي الملاذ الحقيقي للإجابة على هذا السؤال، فما نعرفه عن مصطلح المجال العام أنه يرتبط دائما بالأمن، اسمه "مناخ عام آمن" إلا في حالات التحريض على العنف أو الإرهاب.
وليس من المنطق أن يحبس شخص لأنه قال رأيه في أداء الحكومة أو في وزير أو محافظ مثلا، لكن للأسف هناك حالات حدثت بالفعل، أن يحبس مواطن بسبب انتقاده لوزير.

البعض ينتقد طول مدة الاستعدادات الإجرائية للحوار الوطني.. في رأيك هل كان من الممكن التوافق بين المشاركين فى وقت أسرع؟

أعتقد أن التجهيزات كانت تأخذ على أقصى تقدير مدة من 4 إلى 6 أشهر، خاصة أن أطراف الحوار كانت تعيش حالة من عدم الثقة وعدم الحوار لفترة قد تصل إلى 7 سنوات متواصلة، وهي مدة طويلة جدا، ولكي يبدأ حوار بين أطراف متباعدة لسنوات كان يجب أن يكون هناك تمهيد وضمانات واكتساب ثقة وطمأنينة حتى يقبل كل طرف فكرة الحوار، إضافة إلى إجراء حوار داخلي بين أفراد كل طرف، نضيف إلى هذا حتمية وجود توافق بين الطرفين على بعض الملفات الشائكة، منها على سبيل المثال ملف المحبوسين وممارسات التضييق والملاحقات الأمنية، والتوافق على أعداد وأسماء ودفعات المفرج عنهم.

منذ دعوة الرئيس للحوار الوطني في أبريل الماضي وحتى الآن.. كيف تقيم "الاهتمام الشعبي" بالشارع و"التجاوب السياسي" من الأحزاب؟ 

على مستوى الاهتمام الشعبي "الناس" هناك تراجع وعدم اهتمام، واعتقد أنها حالة ملموسة بشكل كبير نتيجة طول أمد استعدادات الحوار، وعدم اهتمام المواطن العادي بالقضايا السياسية في مواجهة أزمات المعيشة، فهذه قضايا تشغل الرأي العام بشكل أكبر وتأخذ موضع الأولوية في اهتماماته.
أما على مستوى النخبة السياسية، أيضا أدى طول المدة إلى قلة الحماس وفقدان الحوار لجديته، ولا أخفيك سرا أن ممثلي القوى السياسية من الجانبين المعارضة والموالاة تسببوا في حالة تباطؤ كبيرة، نتيجة الحديث في تفاصيل صغيرة لم نكن في حاجة إليها، وأخذت مناقشات طويلة لا داعي لها، لأنها كانت نقاشات حول الإجراءات واختيار الممثلين والأعضاء، وكل هذا ليس له علاقة بمضمون الحوار نفسه، وأنا مع مبدأ الحوار فهو فكرة منطقية تتطلب مضمون صحيح، ولكن إطالة مدة الحوار بصورة أكثر من اللازم تفقده زخمه.

هل تعتقد أن يقطع الحوار الوطني خطوات واسعة في طريق الإصلاح السياسي؟

أن ينتج الحوار الوطني إصلاح سياسي شامل أمر غير واقعي، ولكن يجب أن نتحدث في حدود المتاح، وهو الانتقال من مربع إلى مربع أفضل، خاصة أن الحوار لا يشمل كل الملفات العامة، وأجندته بها أولويات قد لا تحدث نقلة كبيرة في المجال العام، ولكن هناك نقاط حاكمة في الملف السياسي، قد تنقلنا من المربع A إلى المربع B، منها على سبيل المثال قانون الانتخابات، وقانون المحليات، وبعض القوانين التي قد تنقلنا من مسار معين إلى أخر أفضل، واعتقد أن إنجاز هذه الملفات ضمن مخرجات الحوار هو أفضل ما يمكن تقديمه في الوقت الحالي.
وأرى أن الحد الأدنى لمخرجات الحوار الوطني في ملف السياسة هو قانون للانتخابات بالقائمة النسبية، وقانون المحليات وإقامة انتخابات حقيقية، وتطبيق الدستور والقانون على أرض الواقع، وتطبيق قانون الأحزاب السياسية وفق ممارسات حقيقية وليست صورية، أضيف إلى ذلك بالطبع مادة الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية، بما يتناسب مع القوانين في العالم كله، وهي على أقصى تقدير 6 أشهر، وهو أمر طبيعي ومتعارف عليه، مع الأخذ في الاعتبار التطبيق الفعلي وعدم التدوير على قضايا أخرى.

تحدثت عن قانون انتخابات جديد بتوصيفه "حقيقي".. فماذا عن قانون الانتخابات الحالي؟

لك أن تتخيل أن أحزاب موالاة ومعارضة يخوضوا الانتخابات على قائمة واحدة، فهذا أغرب من الخيال في أغرب انتخابات في الدنيا، وبالطبع أثر كثيرا على المعارضة.
المهم، يجب وضع قانون انتخابات حقيقي بقائمة نسبية وفردي مختلط، ما سيتيح مشاركة سياسية بصورة أكبر للأحزاب وحتى للمستقلين، وإذا حدث هذا الأمر سيحدث تغيرا جذريا في شكل وممارسات وتشكيل البرلمان القادم، ويحدث نقلة نوعية في المجال العام.

أحمد كامل البحيري

تعاني الأحزاب من أزمات داخلية وعدم وجود أرضية جماهيرية.. كيف تتجاوز ذلك؟

تجربة الأحزاب السياسية التي انطلقت ما بعد 25 يناير جميعها وليدة في عمر 10 سنوات، مدة قصيرة جدا لتقييم تجربتها، خاصة في ظل حالة الانغلاق السياسي وغياب العمل العام، فإنها لم تأخذ فرصتها كاملة في أي ممارسات، ولم تخوض انتخابات حقيقية، فهي أحزاب لم تتمكن من البناء، ولذلك أقول إن من أولويات الحوار فتح المجال العام، وإعطاء الأحزاب فرص للتواصل مع الناس من خلال ندوات ولقائات وظهور إعلامي، وقتها يمكننا تقييم عملهم، وإذا توفرت مخرجات تشريعية تصدر عنها قوانين جيدة تطبق على الأرض فهذا سيفيد جدا القوى السياسية، كما أنه سيفيد الدولة ممثلة في النظام.

وماذا عن الأحزاب التي تمتلك تاريخ تخطى عشرات السنوات؟ وما يدور بداخلها من أزمات؟

الأن يوجد جيلين في الأحزاب السياسية، جيل الكوادر وجيل الوسط إذا جاز التعبير، وأنتمي إلى جيل الوسط، أما جيل الشباب للأسف لم يعد موجودا والأغلبية تركت العمل السياسي إما مجبر أو مخير، أو لأسباب لها علاقة بملاحقات أمنية ومضايقات لم يعد لها مجال في العصر الحالي.
وأرى أن تباين الرؤى بين الجيلين أمر طبيعي وصحي ومستمر حتى من قبل 25 يناير، فهذا التباين ليس وليد اللحظة، فإنه يكون ضار فقط في حالة "الحدية أو الانشقاقات"، وحتى هذه اللحظة لم نرصد حالة واحدة داخل أي حزب أو قوى سياسية، وهذا التباين دائما سببه "تقديرات مواقف" فجيل الكوادر لديه تقدير للمواقف يختلف عن الوسط، ولكن تظل العلاقة والتفاهم قائمين.
أما بالنسبة لجيل الشباب تحديدا فهو يعزف تماما عن المشاركة كما قلت، وأعتقد أن وضع مشاركته كان أفضل بكثير منذ 10 سنوات عن الوقت الحالي، وستجد أن أغلب مشاركات الشباب المحدودة مؤخرا تستهدف فقط الدفاع عن زملائهم المحبوسين والمطالبة بالافراج عنهم فقط، فهذه هي القضية التي تشغل بال جميع الشباب ممن مارسوا العمل السياسي في يوم ما.

جميع الأحزاب السياسية المعارضة تفتقد الشعبية.. كيف تتغلب على ذلك؟ 

هذا لن يحدث إلا بعد فتح المجال العام، لأن هذا يجعل المجتمع به حراك سياسي وثقافي واجتماعي وحقوقي، ويخلق تفاعل حقيقي لصالح المجتمع، فيجب أن يطبق القانون والدستور في حق الممارسة السياسية والعمل الحزبي، هذا هو المسار الصحيح لمجتمع أمن صحي متكامل مترابط، فوجود نقابات مهنية قوية واتحادات عمالية ونخبة سياسية وإعلام حر وجامعات بها مشاركة مجتمعية وسياسية، كل هذا يخلق مجتمع ناجح قادر على تخطي الأزمات.

من المنتظر فى المرحلة المقبلة إجراء استحقاقين انتخابيين رئاسي ومحلي.. هل تيار الإسلام السياسي يمثل رقما صحيحا فى الشارع المصري؟

بالحديث عن تيار الإسلام السياسي في مجمله، فهو موجود ولكنه فقد تأثيره، وإذا تحدثنا عن السلفيين "حزب النور" فهو موجود وبلا أي تأثير، ووجودهم يأتي ضمن "حسبة سياسية" تجمعه مع السلطة، أما جماعة الإخوان تنظيميا ليست موجودة، وحتى على مستوى كوادر الصف الأول والثاني، ولكن هناك جمهور للإخوان تقلص كثيرا وتراجع بعد 30 يونيه، الخلاصة أن تيار الإسلام السياسي موجود بشكل محدود وغير مؤثر، ولكنه للأسف ينمو مع الأزمات الاقتصادية وانتشار الفقر، لأن في هذه الظروف الناس تلجأ للدين في أي صورة سواء سلفيين أو إخوان أو غيرهم.

كيف ترى العلاقة بين البرلمان والحكومة؟

لا أرغب في قول مصطلح قد يكون قاسي، ولكن حقيقة لا فرق بينهما، السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، والسلطة التشريعية ممثلة في البرلمان (الاثنان لا فرق بينهما)، ويمكننا التقييم من خلال رصد الإجابات على عدة أسئلة: كم مشروع قانون قدمته الحكومة؟ وكم مشروع قانون قدمه مجلس النواب؟ وكم قانون تم تمريره للحكومة؟ وكم مشروع تم رفضه؟ وكم مسألة أو استجواب حدث للحكومة طول مدة البرلمان؟ إجابات كل هذه الأسئلة سترصد لك علاقة البرلمان بالحكومة، فهذه هي المعايير التي تحدد أداء المجلس وعلاقتة بالسلطة.

خلال الحوار 

هل ترى أن الحكومة الحالية قادرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية؟

بالطبع لا، أداء الحكومة خاصة بعد التغييرات المحدودة التي حدثت مؤخرا ضعيف جدا، ليس على مستوى الأشخاص، ولكن يجب أن تتغير الحكومة ويتم إبعاد المجموعة الاقتصادية تماما، ويجب أن يرتبط تعديل القادم باستراتيجية حقيقية ورؤية وأهداف تتناسب مع المرحلة المقبلة، وعلينا اتباع رؤية مغايرة في السياسات الاقتصادية.

ماذا عن رأيك بشأن علنية جلسات البرلمان؟

بالطبع، أنا مع العلنية في كل شئ، علنية جلسات البرلمان ومجلس الشيوخ وحتى جلسات الحوار الوطني، فالعلنية تعني مشاركة ورقابة مجتمعية، فلا يجب أن تكون سرية في مناقشة أمور تخص الناس سواء صحة أو تعليم أو تموين أو غيرها من الأمور المتعلقة بحياة المواطن، حتى الاتفاقيات الدولية يجب أن تكون علنية أمام الجميع والدستور والقانون يكفلوا هذا الأمر، وما يمنع عنه العلنية فقط ما يخص القوات المسلحة والتسليح وما شابه ذلك، وما دونه لا يجب أن نتعامل معه بسرية ونخفي المعلومات.

لماذا غابت استطلاعات الرأي في المجتمع المصري؟

كل هذه الأمور تغيب في ظل غلق المجال العام، الأحزاب السياسية لا تمارس العمل، ونقابة الصحفيين لازالت "متغطية" ونقابة المحاميين بها أزمات، ولا يوجد اتحاد عمال ولا مراكز استطلاعات رأي حقيقية، طالما المجال العام مغلق فلا مجال لاستطلاعات رأي حقيقية صادقة.

وأخيرا.. ماذا عن الإعلام؟

الإعلام جزء مهم من محاور الحوار الوطني، وأيضا هو جزء من الحديث الداخلي بين القوى السياسية، (مشهد واحد من مشاهد فتح المناخ العام هو إتاحة مساحة للإعلام)، وعلينا حل مشكلات الإعلام بكل وسائله، من خلال إتاحة التراخيص بسهولة ويسر، ووقف عمليات حجب المواقع، ويجب وضع تشريعات أكثر ديمقراطية، تسمح بالعمل وفتح سوق كبير، وإعادة النظر في ملف المواقع المحجوبة والمغلقة.