الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
سياسة

تحليل| لماذا تحرص تركيا على المصالحة مع مصر؟

الرئيس السيسي ونظيره
الرئيس السيسي ونظيره التركي يتصافحان ويتوسطهما أمير دولة قطر

في أحدث تصريح تركي بشأن محاولات إعادة تطبيع العلاقات مع مصر، قال فؤاد أُقطاي، نائب ‏الرئيس التركي، رجب أردوغان، مساء أمس الجمعة، إن إجراءات إعادة تطبيع العلاقات بين ‏بلاده ومصر مستمرة في إطار الإرادة المشتركة والمصالح والاحترام المتبادل، فيما يعد تصريح ‏أقطاي الأحدث من الجانب التركي، منذ المصافحة التي تمت بين الرئيس السيسي ونظيره ‏التركي، خلال حضورهما افتتاح مونديال كأس العالم في قطر، الأسبوع الماضي، الأحد 20 ‏نوفمبر.

الرئاسة المصرية، علقت في حينها على المصافحة، وقالت إن السيد الرئيس تصافح مع الرئيس ‏التركى اردوغان بالدوحة، وتم التأكيد المتبادل على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين ‏والشعبين المصري والتركي، كما تم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين ‏الجانبين.‏

أما الرئيس أردوغان فقال إن المصافحة التي تمت بينه وبين الرئيس السيسي خطوة أولى نحو ‏مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين، مضيفا أن تحركات أخرى ستليها‎.‎ 

مساعي تركية لتصفير المشكلات ‏

وسعت تركيا منذ فترة إلى ترميم علاقاتها مع الدول الإقليمية بعد فترة طويلة من السياسات ‏العدائية تجاههم، وقالت الرئاسة التركية وقتها إنها عازمة على إصلاح العلاقات مع مصر ‏وسوريا والسعودية والإمارات وإسرائيل.‏

وخلال الفترة الأخيرة وقعت تركيا اتفاقًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وزار الرئيس الإسرائيلي ‏تركيا، في الثلث الأول من شهر مارس الماضي، وعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع الرئيس أردوغان، كما زار الرئيس التركي المملكة ‏السعودية ودولة الإمارات العربية، وأخيرًا تصافح مع الرئيس السيسي في قطر، وهي خطوة نحو ‏تصحيح مسار العلاقات بين البلدين؛ لأنها المصافحة الأولى بينهما منذ العام 2013، حيث ‏توترت العلاقات بين البلدين على خلفية انحياز أنقرة لتنظيم الإخوان الذي أقصاه الشعب المصري ‏من حكم البلاد بعد ثورة 30 يونيو 2013.‏

محيط تركي محتقن

إن التحول الدراماتيكي في السياسة التركية الخارجية، يبعث على العديد من التساؤل حول ‏الأسباب التي تقف وراء الأمر.‏

فيما يبدو أن النظام التركي يحاول تفادي عزلة دولية وإقليمية بعد معاداة الجميع، خاصة وأن ‏المحيط التركي محتقن للغاية، فيما يتعلق بالجيران سواء مع سوريا والعراق أو اليونان وقبرص ‏العضوتان في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والمدعومتان بقوة من فرنسا وأمريكا.‏

ليس من مصلحة تركيا أن يبقى محيطها في جميع جوانبه ملتهب بسبب السياسات العدائية؛ فالنظام ‏التركي أذكى الحرب الأهلية في سوريا؛ بدعم الجماعات المسلحة ضد قوات الجيش السوري ‏الوطني، كما استخدم تلك الجماعات في إحداث تغيير ديموغرافي في شمال وشمال شرق سوريا، ‏كما تحتل قوات الجيش التركي مناطق في الشمال والشمال الشرقي السوري. كما دأب الجيش ‏التركي على تنفيذ غارات جوية على شمال العراق، بحجة تواجد مراكز تتبع وحدات حزب ‏العمال الكردستاني المسلح. ‏

الوضع كذلك مع اليونان وقبرص، فقوات بلاده البحرية لطالما تتحرش بنظيرتها اليونانية في ‏شرق المتوسط وفي بحر إيجه، كما تدعم تركيا انفصال الشطر الشمالي لشبه جزيرة قبرص عن ‏شقها الجنوبي.‏

ورغم كل هذه السياسات إلا أن النظام التركي فشل في إسقاط الرئيس بشار الأسد، ولا تزال ‏الجماعات الكردية تحظى بدعم أمريكي مطلق.‏

الرئيسان بشار الأسد ورجب أردوغان

حرمان من ثروات المتوسط

كما تُحرم أنقرة من الاستفادة من الثروات الضخمة الموجودة في شرق المتوسط؛ بسبب رفض ‏اليونان وقبرص ومصر ترسيم الحدود البحرية مع تركيا؛ بسبب سياساتها العدائية، فضلًا عن ‏كونها لم توقع على قانون البحار.‏

كما أن محاولات ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا لم تنجح لكونها وُقعت مع غير ذي صفة في ‏ليبيا، وأن الاتفاقيات الدولية تؤكد على أن السلطات الانتقالية ليس من صلاحياتها توقيع ‏الاتفاقيات الدولية أو المعاهدات.‏

سياسة قديمة

إن سياسة تصفير المشاكل، ليست بالسياسة الجديدة على تركيا، فقد أطلقها أردوغان وحليفة ‏القديم أحمد داود أوغلو، العام 2002، وبالفعل نجحت في تحقيق الانفتاح التركي على أوروبا ‏وعلى الجيران، ومن ثم جذب العديد من الاستثمارات الخارجية.‏

لكن إذا ما كانت تلك السياسات ناجعة مع بعض الدول، وساهمت في الاتفاق على ضخ مليارات ‏الدولارات في السوق التركي، كما الحال مع السعودية والإمارات وقطر، فماذا عن الحالة ‏المصرية.‏

‏لا تشتري مصر العلاقات مع الدول بالاستثمارات، لكن بنماذج ربح ‏مشتركة، حتى وإن كان ‏للأبعاد الاقتصادية وضعية مهمة لا يمكن إغفالها في الملف المصري التركي؛ فالبلدان بالنسبة ‏لبعضهما البعض سوق اقتصادي كبير، يمكن من خلاله تصريف البضائع،  فضلًا عن كون ‏مصر همزة وصل كبيرة مع دول أفريقيا والشرق الأوسط.‏

إن هدفًا تركيًا أساسيًا من التقارب مع مصر، هو حفظ مكانها في منطقة شرق المتوسط الغنية ‏بالاكتشافات الغازية والبترولية. ‏

كما أن التوافق المصري التركي بشأن تسوية الوضع في شرق المتوسط، قد تستفيد منه تركيا في ‏الجلوس مع جارتها اليونانية والتفاوض معها لحسم الملفات الخلافية في المتوسط وبحر إيجة‎.‎

وخلال وقت سابق، نشر القائم بأعمال السفير التركي في القاهرة، صالح موتلو شين، النص ‏الكامل لتعليق الرئيس التركي رجب أردوغان على مصافحته الرئيس ‏السيسي، وكان التعليق ‏‏الأبرز، في نهاية الكلمة، حيث قال: "بالطبع، طلبنا الوحيد منهم (في ‏إشارة إلى مصر) هو دعونا ‏بهذه المحادثات نحقق السلام هنا تجاه أولئك ‏الذين يتخذون موقفًا ضدنا في البحر الأبيض ‏المتوسط، ونأمل أن نستمر ‏في طريقنا معهم".‏

مما يعزز من فرضية أن تسوية تركيا وضعها في شرق المتوسط مع مصر يحفظ لها حقها في ‏تلك المنطقة في ظل توتر غير مسبوق مع اليونان وقبرص. ‏

أحمد داود أوغلو 

تركيا وحيدة في شرق المتوسط ‏

وبحسب تصريحات سابقة لزعيم حزب "المستقبل"، أحمد داود أوغلو، وهو حليف قديم ‏لأردوغان، فقد قال إن سياسات الرئيس التركي، جعلت تركيا وحيدة في أزمة شرق المتوسط، ‏وعلى الرغم من أننا محقين في أزمة شرق المتوسط، إلا أننا بقينا وحيدين في مواجهة هذه ‏الأزمة فلا يدعمنا أحد"، وأضاف: "علينا بدء التشاور مع مصر من أجل التوصل إلى اتفاق ‏لترسيم الحدود البحرية بين البلدين في المتوسط"، مشددا على أنه "لا يجب قطع التواصل مع ‏مصر في ظل الظروف الراهنة في شرق المتوسط".‏

مصالح مصرية

أما بشأن الاستفادة المصرية من التقارب مع تركيا، أو في أحسن الأحوال إعادة التطبيع بين ‏البلدين، وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، فمصر من مصلحتها استقرار الاوضاع في ‏منطقة شرق المتوسط، للبدء في مزيد من عمليات البحث والتنقيب عن الغاز ومشتقاته، وبالتالي ‏تحقيق حلم التحول إلى مركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط؛ في ظل الاكتشافات الواعدة ‏لمصر في المنطقة.‏

كما أن الترسيم البحري مع تركيا، في شرق المتوسط، يقطع الطريق أمام أي مساعي في تلك ‏المنطقة لخلق مسارات جديدة لتصدير الغاز إلى أوروبا بعيدًا عن مصر، مثلما حدث قبل سابق ‏في تحالف شرق المتوسط بين (اليونان وقبرص وإسرائيل وإيطاليا بدعم أمريكي) لإحياء مشروع ‏أنبوب الغاز "إيست ميد"، فبالترسيم مع تركيا ستكون مصر لاعبًا أساسيًا في أي اتفاقات تخص ‏تصدير الغاز إلى أوروبا.‏

إن تسوية الأوضاع في شرق المتوسط، بين مصر وتركيا، ربما يفتح نوافذ فرص للحديث عن ‏تحالفات جديدة وفرص استثمار وقوة مؤثرة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها.‏

الآزمة الليبية

تسوية الوضع في ليبيا ‏

تستهدف مصر كذلك من تسوية الخلاف مع تركيا، إنهاء الوضع المأساوي في ليبيا، وذلك عبر ‏الوصول إلى تفاهمات مع أنقرة تسمح بإخراج المرتزقة الذين تم جلبهم إلى ليبيا عبر تركيا؛ ‏للقتال إلى جانب الحكومات المتعاقبة في طرابلس، وكذلك سحب القوات التركية وتفكيك قاعدتها ‏العسكرية في قاعدة "الوطية الليبية الجوية". ‏

وتهتم مصر بإنهاء الأزمة الليبية على اعتبار أن ليبيا تعد في الفضاء المصري امتداد للأمن ‏القومي من الناحية الغربية، خاصة في ظل حدود مشتركة تصل إلى لنحو 1200 كيلوامتر، قد ‏تستعمل كممر للجماعات الإرهابية، إذا لم يتم السيطرة الصارمة على الوضع هناك.‏

لكن تركيا لن تقبل على سحب قواتها والعناصر المسلحة الأجنبية التابعة لها من ليبيا، إلى جانب ‏تفكيك أي قواعد عسكرية لها على الأرض الليبية، إلا إذا كان ثمن ذلك مجزيا بالنسبة لأنقرة، ‏ولعل هذا الثمن المجزي هو تسوية الوضع في شرق المتوسط. ‏

الانتخابات التركية ‏

ومع إعلان أردوغان نيته خوض الانتخابات الرئاسية في 2023، فإن تعديل الوضع الاقتصادي ‏في بلاده، وتصفير الخلافات التركية مع دول المنطقة، يحسن من موقفه خلال تلك الانتخابات.‏

وعلى الرغم من توتر العلاقات بين مصر وتركيا خلال الفترة الأخيرة، إلا أن البلدين حافظا على ‏حجم التبادل التجاري بينهما، وكذلك الاتفاقيات الاقتصادية.‏