الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«جابان تايمز»: النيل يواجه مخاطر غير مسبوقة من المنبع إلى المصب

أرشيفية
أرشيفية

تناول تقرير نشرته صحيفة جابان تايمز اليابانية بالتفصيل المخاطر التي تهدد نهر النيل من المنبع، في وسط أفريقيا، وحتى المصب على شاطئ المتوسط، وأشار التقرير إلى أن المصريين القدماء عبدوا النهر الخالد كإله واعتبروه مسؤولا عن حياتهم الدنيا بل والحياة الأبدية، ولكن أجراس الخطر في عالم اليوم تدق من أجل إنقاذ النيل من العديد من المخاطر الطبيعية والبشرية.

وتابع التقرير: يشكل تغير المناخ والتلوث والاستغلال السيئ ضغوطًا وجودية على واحد من أطول الأنهار في العالم، والذي يعتمد عليه نصف مليار شخص للبقاء على قيد الحياة على امتداد 6500 كيلومتر، ويصر العلماء والخبراء والمهتمين بالنهر والمياه وحياة الإنسان على دق أجراس الإنذار، ومن مصر إلى أوغندا، خرجت فرق من المراسلين على الأرض لقياس انحسار النهر الذي يستنزف، وتستنزف موارده في القارة الأفريقية.

وعند المصب، المطل على البحر الأبيض المتوسط، شاهد مراسل جابان تايمز تضرر دلتا النيل الخصبة في مصر بسبب النحت وعوامل التعرية، وفي السودان، شاهد مراسل آخر مزارعًا سودانيًا يخشى على مصير محاصيله، بينما في المنبع المهدد في أوغندا، تقل الطاقة الكهرومائية حتى أن كثيرًا من المواطنين لا يجدون ما يكفي من الطاقة لإضاءة منازلهم، وفي الدول الثلاث إجماع بين السكان على أن "النيل هو أهم شيء بالنسبة لنا" ولكن النيل لم يعد نهر الأسطورة المضطرب الشاب، وعلى امتداد نصف قرن انخفض تدفقه من 3000 متر مكعب في الثانية إلى 2830 متر مكعب ومع ذلك، يمكن أن يصبح الأمر أسوأ بكثير بسبب موجات الجفاف المتعددة في شرق إفريقيا، ويمكن أن ينخفض تدفقه بنسبة 70٪، وفقًا لأكثر تنبؤات الأمم المتحدة خطورة.

في كل عام على مدى العقود الستة الماضية، يلتهم البحر الأبيض المتوسط ما بين 35 و75 مترًا من دلتا النيل وإذا ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد، فقد يختفي ثلث هذه المنطقة شديدة الخصوبة، كما تخشى الأمم المتحدة، مما قد يجبر 9 ملايين شخص على ترك منازلهم وما كان يومًا سلة خبز أصبح ثالث أكثر الأماكن عرضة للتغير المناخي على كوكب الأرض وأكثر مناطق العالم استيرادًا للقمح، وعند المنبع، هناك مخاوف من جفاف بحيرة فيكتوريا، أكبر مصدر للمياه في النيل بعد هطول الأمطار، بسبب الجفاف والتبخر والميل البطيء في محور الأرض ومع وجود مثل هذه السيناريوهات القاتمة، سارعت الحكومات لمتابعة مستويات تدفق مياه النهر ولكن الخبراء يقولون إن السدود تعجل من وقوع الكارثة القادمة.

أراضٍ يلتهمها البحر
عند مصب نهر النيل، اختفت نتوءات يابسة في كل من دمياط ورشيد التي كانت عالقة في البحر الأبيض المتوسط في شمال مصر، أما الحواجز الخرسانية التي كان من المفترض أن تحمي أطراف الدلتا فقد غُطيت نصفها بالماء والرمال وامتص البحر ثلاث كيلومترات في دلتا النيل بين عامي 1968 و2009، مع ضعف تدفق النهر غير القادر على كبح جماح أمواج البحر الأبيض المتوسط، الذي ارتفع منسوبه بنحو 15 سم خلال القرن الماضي بسبب تغير المناخ ولم يعد الطمي الذي شكل على مدى آلاف السنين حاجزًا لحماية الأرض يصل إلى البحر.

كافحت هذه الرواسب الداكنة الغنية التي جرفت على طول مجرى النهر لتتجاوز جنوب مصر منذ بناء سد أسوان في الستينيات لتنظيم فيضانات النيل، وقال أحمد عبد القادر رئيس هيئة حماية السواحل المصرية قبل بنائه "كان هناك نوع من التوازن الطبيعي وكل فيضان للنيل كان يترك ترسبات من الطمي ينتهي بها الحال في نهاية المطاف في نتوءات دمياط ورشيد ولكن هذا التوازن اختل بسبب السد وحذرت وكالة البيئة التابعة للأمم المتحدة، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، من أنه إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع، فإن البحر المتوسط سيتقدم بمقدار 100 متر أخرى سنويًا في منطقة الدلتا.
ارتفاع الملوحة
على بعد حوالي 15 كيلومترًا من الأراضي الداخلية، يبدو المجتمع الزراعي الصاخب في كفر الدوار بعيدًا عن الخطر، ورأى المراسلون حقول الأرز والذرة محصورة بين فروع نهر النيل، ولكن كل شيء ليس على ما يرام، وفي الجنوب رأى المراسلون صيادين يرمون شباكهم لصيد الأسماك على نهر النيل في بلدة جينجا الأوغندية.

وكان تقرير نشرته مبادرة حوض النيل العام الماضي دق أجراس الإنذار بشأن ارتفاع التلوث الصناعي، حيث سمحت اللوائح الحكومية لأصحاب المصانع بالقيام بالتخلص من المخلفات في مجرى النهر وإنشاء متاجر على بعد 100 متر من ضفة النهر، وهذا ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية من أخبار حديثة في أوغندا، فقد تسرب ملح البحر الأبيض المتوسط بالفعل إلى مساحات شاسعة من الأرض، مما أدى إلى قتل النباتات وإضعافها يقول المزارعون إن خضرواتهم لم تعد تحتفظ بالمذاق الذي اعتادوا عليه في السابق، من أجل التحكم والتعويض عن ملوحة التربة، يتعين على جميع المعنيين ضخ المزيد من المياه العذبة من النيل، لكن ضخ المياه يعتمد على الماكينات والمضخات التي تستهلك وقود الديزل والكهرباء وتسببت تكلفة الوقود في وضع أعباء مالية إضافية على عاتق المزارعين الذين تآكل دخلهم بالفعل بسبب التضخم وانخفاض قيمة الجنيه المصري، ويحشى الآن من أن يضطر عدد من الفلاحين لترك أراضيهم دون زراعة وهجر قراهم، ولكن مراسل جابان تايمز أجرى مقابلة مع فلاح عجوز، يرتدي جلابية وطاقية صوفية تقليدية، وقال الفلاح إن جهازًا جديدًا يساعده في تجنب تكلفة الوقود، ويعمل الجهاز، وهو عبارة عن نظام ري جديد بالطاقة الشمسية يهدف إلى زيادة دخل المزارعين لمنع المزيد منهم من الفرار والتخلي عن أرضهم وبفضل 400 لوحة شمسية تمولها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في كفر الدوار، يمكنه ري نصف هكتار (1.2 فدان) من الأرض.

وذكر عمرو الدقاق مدير الري المحلي إن الطاقة الشمسية توفر على "المزارعين حوالي 50٪" من تكاليف الضخ. ويمكنهم أيضًا بيع الطاقة الفائضة التي تنتجها الألواح للشبكة الوطنية ومع ذلك، لا أحد من أحفاد المزارع العجوز يريد أن يعمل في الزراعة، وبالنسبة للبحر الأبيض المتوسط، فقد يبتلع في نهاية المطاف ما يصل إلى 100000 هكتار من الأراضي الزراعية الرئيسية في المنطقة، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وهي مساحة تقارب 10 أضعاف مساحة باريس وهو ما يمكن أن يسبب كارثة لمصر، حيث تشكل الدلتا ما بين 30 و40٪ من الناتج الزراعي للبلاد.

انقطاع التيار الكهربائي

يعيش جميع سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين نسمة، باستثناء 3٪، على طول النهر على 8٪ فقط من أراضي البلاد وتلك قصة مماثلة لما يحدث في السودان المجاور، حيث يعيش نصف سكانه البالغ عددهم 45 مليون نسمة على ضفاف النيل، ويمدهم النيل بثلثي احتياجاتهم من المياه وبحلول عام 2050، سيتضاعف عدد سكان كلا البلدين، وستكون درجة الحرارة قد ارتفعت بمقدار درجتين أو ثلاث درجات.

وتؤكد مجموعة خبراء المناخ التابعة للأمم المتحدة، الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إن التأثير على نهر النيل سيكون كارثيًا ويتوقعون أنه قد يفقد 70٪ من تدفقه بحلول نهاية القرن، مع انخفاض إمدادات المياه المتاحة لكل شخص على طولها إلى ثلث ما لديهم الآن.

كما حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن الفيضانات والعواصف العنيفة الأخرى التي من المحتمل أن تضرب شرق إفريقيا الأمر الذي سيترك الدول العشر التي تعتمد على النيل في محاصيلها وقوتها في حالة يرثى لها ويأتي أكثر من نصف الطاقة في السودان من الطاقة الكهرومائية، حيث يتم توليد 80٪ من الطاقة في أوغندا من النهر. 

موارد مهددة

تعتقد الباحثة ريفوكاتس توين، بمركز جامعة ماكيريري للتغير المناخي في كمبالا، إن الكهرباء التي غيرت حياة سكان أوغندا بشكل جذري في عام 2016 قد لا تدوم وقالت: "إذا كان لدينا انخفاض في هطول الأمطار.. فسوف يترجم ذلك إلى انخفاض في إمكانات الطاقة الكهرومائية"، وشهدت أوغندا بالفعل على مدى السنوات الخمس إلى العشر الماضية زيادة في تواتر وشدة الجفاف، وهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات وكذلك شدة الحرارة وفي الواقع، يمكن أن تختفي بحيرة فيكتوريا تمامًا في غضون 500 عام قادمة، وفقًا لدراسة أجراها علماء بريطانيون وأمريكيون استنادًا إلى البيانات الجيولوجية من المائة ألف عام الماضية، ولكن بالنسبة إلى المواطنة "كاليما"، التي تزرع الموز والبن في حديقتها الصغيرة لإطعام أسرتها، تظل هذه الإحصائيات مجرد أرقام لا تمس حياتها بشكل مباشر، وكل ما يقلقها الآن هو انقطاع التيار الكهربائي المتكرر.

السدود الضخمة

أكثر من نصف سكان إثيوبيا البالغ عددهم 110 ملايين ليس لديهم خيار سوى العيش بدون كهرباء على الرغم من أن البلاد تتمتع بواحد من أسرع معدلات النمو في إفريقيا وتأمل أديس أبابا أن يعالج مشروع سدها الضخم سد النهضة على النيل ذلك، وهي مستعدة للتضحية بكافة العلاقات وهدم الجسور مع جيرانها إذا كان عليها أن تفعل ذلك ومن أجل مشروع السد الذي بدأ في عام 2011، على النيل الأزرق، وتزعم أديس أبابا أنه أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا ويصر رئيس الوزراء أبي أحمد في أغسطس على أن "النيل هبة من الله تعالى علينا أن يستفيد منه الإثيوبيون"، ولكن بالنسبة للقاهرة، فإن ذلك يمثل خطرًا وجوديًا مما يثير التساؤل حول اتفاقية وقعتها مع السودان في عام 1959 والتي أعطت 66٪ من التدفق السنوي لنهر النيل إلى مصر و22٪ إلى الخرطوم ولا تزال مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تخشى حدوث هبوط حاد في تدفق النيل بسبب السدود، عامة، وسد النهضة، خاصة وأثارت كمية المياه التي تخسرها مصر جدلًا ساخنًا داخل المجتمع العلمي.

اختفاء الطمي

لكن بعد أن رأوا بالفعل كيف أدى سد أسوان إلى تقليل تدفق الطمي، يشعر المزارعون بالقلق من حرمانهم من هذا السماد الطبيعي الثمين وعلى مر السنين، وجد المزارع السوداني صعوبة في زراعة الخيار والباذنجان والبطاطس في حقوله الخضراء التي تسقى بمياه النيل البني التي تمر بالقرب من منزله المبني من اللبن وقبل ثماني سنوات عندما بدأ هذا الأب البالغ من العمر 35 عامًا في زراعة أرض عائلته، "كان هناك طمي جيد" لرعاية محاصيله، على حد قوله ولكن شيئًا فشيئًا مع زيادة بناء السدود، "أصبحت المياه خالية من الطمي أو تكاد، وأضاف أنه حتى لو ارتفع منسوب المياه "أثناء الفيضانات، فإنه" يأتي بدون طمي"، والصورة الأكبر تتضمن ركود سياسي واقتصادي، ومع استمرار الاحتجاجات، يكافح السودان لإدارة موارده المائية.

الجوع يطارد حوض النيل

في كل عام، تضرب البلاد عواصف مطيرة قتلت 150 شخصًا هذا الصيف وجرفت قرى بأكملها ولكن الفيضانات لا تساعد في الزراعة بسبب عدم وجود نظام لتخزين وإعادة تدوير مياه الأمطار وتهدد المجاعة الآن ثلث السكان على الرغم من أن السودان لفترة طويلة لاعبا رئيسيا في الأسواق العالمية للفول السوداني والقطن والصمغ العربي، كما أن الترع وقنوات الري المتواضعة التي تم بناؤها خلال الحقبة الاستعمارية تعني أنه حتى التدفق الصغير يكفي لسقي أراضيها الخصبة ولكن تطوير نظام الري من خلال مشروع الجزيرة تأخر طويلًا.

وسقطت حقول شاسعة مزروعة في ظل الاقتصاد الموجه الفاسد عمر البشير، الذي أطيح به في عام 2019، وتقلص محصول الفول السوداني والصمغ لمصلحة محاصيل أخرى منها الفلفل والخيار على قطع صغيرة من الأرض والسودان، مثله مثل البلدان الأخرى على طول نهر النيل - والعديد من دول شرق إفريقيا الأخرى - بالقرب من أسفل تصنيفات جامعة نوتردام التي تقيس المرونة في مواجهة تغير المناخ.

وفي أوغندا، فإن درجات الحرارة المرتفعة لن تؤثر فقط على قدرة البلاد على إطعام نفسها ولكن على توليد الكهرباء لتزويد المنازل والصناعة بالطاقة والأمطار الغزيرة القصيرة يمكن أن تسبب فيضانات وفترات الجفاف الطويلة ستؤدي إلى فقدان الماء ولا يمكن البقاء على قيد الحياة بدون ماء.