الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

من الشاي إلى السيارات.. مصر وتونس تكافحان لدفع ثمن الواردات

الرئيس نيوز

ذكرت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية أنه في بعض الأحيان، لم يعد من المهم أن تضع المحلات في تونس لافتات تطالب العملاء بشراء عبوة واحدة فقط من صنف ما مثل الدقيق على سبيل المثال أو لترين فقط من الحليب، فالأمر الواقع في تونس هو أنه لا يوجد شيء في بعض المحلات للشراء وتم تجريد أرفف السوبر ماركت في تونس في الأسابيع الأخيرة من معظم أنواع البقالة وأصبح من الصعب العثور على زيت الطهي والقهوة والسكر والزبدة، خاصة خارج العاصمة حتى أن بعض محلات السوبر ماركت بدأت تقنين بيع المياه المعبأة في زجاجات وفي القاهرة، شعر المستهلكون بدرجة أقل بكثير بانخفاض مخزون السلع الاستهلاكية، من الملابس إلى الأثاث.
وأضافت المجلة أن نقص مخزون السلع الاستهلاكية لم يكن سوى حقيقة مرة وغير سعيدة للمستهلكين في جميع أنحاء العالم منذ عام 2020، وفي أمريكا، عانى الكثيرون من ندرة الكمامات وأقنعة الوجه، وفي فرنسا تضاعفت أسعار الخردل عدة مرات بسبب نقصه بالأسواق ومع ذلك، في الشرق الأوسط، فإن الأرفف الفارغة ليست مجرد نتيجة خلل في سلسلة التوريد، كما أنها مؤشرات على أن الحكومات المثقلة بالديون والتي تعاني من ضائقة مالية تكافح لدفع ثمن الواردات الأساسية.
ولفتت المجلة إلى أن معظم السلع التي تنفد في تونس مدعومة بشكل كبير، مثل كيس البن بحجم 250 جرامًا من محمصة محلية الذي يكلف أقل من دولار واحد، ولتر من الزيت النباتي أقل من دولارين وهذه المنتجات ضرورية في بلد يعيش فيه 19٪ من الناس على متوسط دخل هو أقل من 5.50 دولارات في اليوم، وفقًا للبنك الدولي (لم تصدر الحكومة التونسية إحصاءات وطنية منذ عام 2015).
أما الرئيس التونسي قيس سعيد، فيعرف على من يلقي اللوم، ويتصدى للمكتنزين والمحتكرين ويصر على أن مشكلة تونس ليست قلة الغذاء وإنما "المضاربون" الجشعون الذين يرفضون بيعه بالأسعار الرسمية المخفضة وتقوم الشرطة بمداهمات دورية على مستودعات مليئة بالمواد الغذائية الأساسية وفي مارس آذار، أصدر سعيد، الذي حكم بمرسوم منذ أن علق البرلمان العام الماضي، قانونًا غامض الصياغة يحظر نشر "معلومات كاذبة" قد تخيف المستهلكين أو ترفع الأسعار، ولكن الواقع في تونس يقول إن بعض السلع غير متوفرة على الإطلاق، حتى في السوق السوداء وتونس لديها 8 مليارات دولار من الاحتياطيات الأجنبية (أربعة أشهر من الواردات) و35 مليار دولار من الديون، معظمها لدائنين أجانب وهذا لا يترك الكثير لدى الدولة لدفع ثمن الواردات وبعض الشحنات عالقة في الموانئ لأن الموزعين غير قادرين على دفع ثمنها.
يؤدي تحديد الحكومة للأسعار إلى تفاقم المشكلة؛ على سبيل المثال، يجب على مزارعي الألبان بيع إنتاجهم من الحليب بنسبة 25٪ أقل من تكلفة إنتاجه، والحكومة التونسية لا تعوض الفارق بينما ارتفعت تكلفة علف الحيوانات منذ غزو أوكرانيا وبطبيعة الحال، يتذمر المزارعون وترك الكثيرون العمل.
ولكن المجلة تقر بأن مشاكل مصر مختلفة؛ فقد ارتفعت الأسعار منذ بداية العام، حيث بلغ معدل التضخم السنوي للغذاء 23٪ الشهر الماضي ولكن المتاجر والمحلات لا تزال يحتوي على زيت الطبخ والبن والقهوة والسكر على مستوى محدودي ومتوسطي الدخل، ولكن الضرر الأكبر الآن يلحق بالشركات التي تبيع السلع المستوردة للعملاء الأكثر ثراءً؛ ومنذ يناير، انخفضت الاحتياطيات الأجنبية من 41 مليار دولار إلى 33 مليار دولار (أربعة أشهر ونصف من الواردات) ولكن يبدو أن الحكومة المصرية حريصة على توفير ما لديها من العملة الصعبة وفي أبريل منعت الحكومة مئات الشركات من استيراد البضائع وكان التفسير الرسمي عاديًا: من المفترض أن الشركات فشلت في تقديم الأوراق المطلوبة ولكن من الناحية العملية، فرض القرار نوعًا من الاكتفاء الذاتي، وخفض واردات المواد غير الأساسية بشكل حاد كما فرض البنك المركزي قيودًا خاصة به على الواردات.
ساعدت هذه الإجراءات في خفض فاتورة الواردات المصرية؛ فقد اشترت ما قيمته 7 مليارات دولار من السلع الأجنبية في يونيو، بانخفاض 8٪ عن يونيو 2021 على الرغم من ارتفاع أسعار النفط والقمح وانخفض العجز التجاري بنسبة 12٪. لكن الحظر أحدث دمارا في الشركات التي لا تجد بدائل محلية الصنع وتحاول بعض الأنشطة التجارية الاحتفاظ بالرفوف مليئة بكل ما تبقى في المستودع وربما تلجأ لبيع ملابس الموسم الماضي بدلاً من أحدث خطوط الموضة، على سبيل المثال. البعض الآخر ليس لديهم ما يقدمونه ويكافح تجار السيارات لتوصيل الطلبات للعملاء، الذين دفع بعضهم ثمن سياراتهم الجديدة قبل ستة أشهر وسجلت إدارات المرور عدد سيارات جديدة أقل بنسبة 43٪ في يوليو مقارنة بالعام الماضي.
حتى أن النقص يهدد المشروب المفضل في البلاد، فيعتبر المصريون من بين أكبر الذين يشربون الشاي في العالم، لكن البلاد لا تنتج من كميات الشاي شيئًا؛ فقد أنفقت 192 مليون دولار على استيراد هذه السلعة في عام 2020 والآن يحذر أكبر موزع للشاي في مصر الشهر الماضي من أن الإمدادات آخذة في النفاد.
وذكرت المجلة أن كلا من تونس ومصر في محادثات مع صندوق النقد الدولي ويجب على مصر أن تنجح في الحصول على اتفاق ومن المحتمل أن تضطر إلى خفض قيمة الجنيه، الذي فقد 19٪ من قيمته منذ مارس، ثم في أغسطس، تغيرت قيادة البنك المركزي المصري، ومع نسبة دين إلى إجمالي الناتج المحلي تبلغ 94٪، فإن احتياجات مصر التمويلية تبدو هائلة فقد حصلت على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار في عام 2016 و5 مليارات دولار أخرى في عام 2020 ويقدر بنك جولدمان ساكس أنه سيتعين على القاهرة سداد 13 مليار دولار للصندوق على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ويعتقد أنها قد تحتاج إلى السعي للحصول على 15 مليار دولار وأصر وزير المالية في يوليو على أنه سيطلب "بالتأكيد" أقل من ذلك، رغم أنه لم يعرض هدفه الخاص.
وأمضى الرئيس عبد الفتاح السيسي معظم فصل الصيف في اجتماعات مع رجال الأعمال لمناقشة الأوضاع المالية للبلاد وتعهدت دول الخليج بتقديم ما لا يقل عن 22 مليار دولار للمساعدة أما تونس، فتمر بوقت أصعب وبدأت محادثات رسمية مع الصندوق في يوليو وقد يتطلب الاتفاق تخفيضات في كل من الدعم وفاتورة أجور القطاع العام، والتي نمت من 11٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى 18٪ في عام 2020 ويعارض الاتحاد العام للشغل كلا الإجراءين، بحجة أنهما سيزيدان الفقر لذا تواجه البلاد خيارًا مؤلمًا: أسعار أعلى للسلع المدعومة أو عدم وجود سلع على الإطلاق.