السبت 06 ديسمبر 2025 الموافق 15 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

مشهد عالمي مرتبك وصمت دولي مشبوه.. لماذا خفتت أزمة سد النهضة؟

الرئيس نيوز

في ظل توقف مفاوضات سد النهضة الإثيوبي وعدم الوصول الى اتفاق قانونى ملزم بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا حول قواعد الملء والتشغيل، تستعد أديس أبابا لإكمال عملية تخزين المياه فى بحيرة السد مع قدوم الفيضان المقبل.

الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والرى الأسبق، يقول إن مراقبين يتحدثون عن التعلية القائمة للسد ويحذرون من رد فعل لمصر إذا تم تخزين جديد "ثالث" للمياه أمام السد، مشيرا إلى أن ذلك الطرح غير مفيد، وذلك بالرغم من أن التعلية محدودة، والتخزين أيضا سيكون محدودا. 

وأوضح وزير الرى الأسبق، أن سبب محدودية التعلية هو الوضع الاقتصادى الصعب، عالميا، وشديد السوء في إثيوبيا، هذا غير موجات المجاعة وسوء الأحوال بعد الحرب الأهلية الطاحنة هناك، ذلك بالإضافة الى محاولة استدراج مصر تدريجيا، وسط بلاهة عالمية مفتعلة، لتكون أمام الأمر الواقع. 

ذريعة لمهاجمة القيادة السياسية

وأشار إلى أن هناك ردود أثيوبية مقصودة، بأنه لن يكون هناك اضرارا بمصر أو السودان من السد والتخزين، ويعطون البرهان بأنه ليس هناك نقص في المياه في أي من البلدين. وردود الأفعال الرسمية للدولتين، فى رأيي، ليست كافية فى هذه القضية المصيرية.

كما أكد الدكتور علام، أن البعض يتخذ هذا السد كذريعة واضحة للهجوم على القيادة السياسية، ومعظم هؤلاء معروفين، وهدفهم الأساسي ليس مصر ولكن هدفهم العودة والاستيلاء عليها، وأيضا يتحدثون عن حروب وجسارة وهم أبعد الناس عنها، ولكن فقط للمكايدة بالقيادة السياسية، ولو كان ذلك صحيحا لأوقفوا إرهاب سيناء ومنعوا عن إرهابيها الأموال التي تستخدم لقتل أبناءنا.

خصم مباشر من حصتنا المائية

وقال وزير الموارد المائية والرى الأسبق، إن إعلان إثيوبيا عدم الإضرار بمصر والسودان، باطل لا معنى له أو قيمة على الإطلاق، إلا التسويق لبقية دول العالم الصامت، لأن عدم الإضرار شرط دولى لإقامة السدود، ولكن ماذا فعلت أثيوبيا لتفعيله وهى حتى لا ترضى بتوقيع اتفاق قانونى مع مصر والسودان بقواعد الملء والتشغيل والتى لا تضر بالدولتين، وكيف يتحقق عدم الإضرار وهى تقوم منفردة بالبناء والتخزين والتشغيل، مع عدم الاعتراف بحصتى مصر والسودان.

كما أنه إذا كانت أثيوبيا لا تعترف بحصتتنا الدولية من مياه النيل، فكيف يعقل أن نستمع لها أو لتخريفاتها عن عدم الإضرار، فالضرر هو عدم حصولك على كامل حصتك، وإلا ما هو تعريف أثيوبيا إذن  لعدم الاضرار، وهذا قمة فى الاستهبال، مع صمت أمريكى أوروبى صينى روسي حول هذه المهزلة، وكذلك تخاذل عربي ملحوظ.

وأكد وزير الموارد المائية والرى الأسبق، أن كل نقطة مياه تخزن أمام السد، تمثل خصما مباشرا من حصتنا المائية، وأن كل فواقد التخزين من بخر وتسرب من حصة مصر المائية، إذن مع كل هذه المليارات من المياه أليس هناك إضرار؟.

تقشف مائى لتقليل الاستهلاك

وأوضح علام، أنه فى هذا التوقيت من كل عام تعلن إثيوبيا خطتها المنفردة للتخزين، وكل مرة تكذب قيادتها على شعبها وعلى العالم فى مقدار هذا التخزين، مشيرا إلى أن وزارة الرى فى مصر تضطر الى التصديق، وتضطر لفرض سياسة تقشف مائى فى البلاد لتقليل الاستهلاك الى أقل قدر ممكن وتخزين الباقى للاستفادة به فى حالة حدوث جفاف أو مفاجآت أثيوبية غير متوقعة، وهو ما حدث خلال العامين الماضيين، ومازالت الوزارة تخشى من تصديق حكام إثيوبيا فتقع فى المحظور.

وأشار إلى ملء بحيرة السد العالى على حساب تقليل زراعات مساحات الأرز، واذا جاء الفيضان عاليا، فلا تجد مصر بدا من تمريره الى توشكى، فلا تستفاد بها ولا تستطيع تخزينها، ولذلك التصريحات الأثيوبية الكاذبة لا تفيد شعبها ولا تفيد السودان ومصر، وكله خاسر للمياه، ومن ثم يجب وجود اتفاق قانونى وتنسيق قوى بين الدول الثلاث لتفادى مثل هذا الضرر السنوى وسوء استخدام وإدارة المياه. 

وأكد علام، أنه لا جديد ولا أمل فى موقف أثيوبي معتدل للتوصل إلى حل سلمي أو تنفيذ ما جاء في إعلان المبادئ من توصل لاتفاق حول قواعد وملء تشغيل هذا السد وبما لا يسبب أضرار جسيمة بدولتى المصب، كما أن أكثر الدول تضررا من هذا السد هى مصر، لأنها أخر مسار النيل الأزرق، وتأخذ السودان حصتها كاملة أثناء المرور وما يبقى يصل لمصر، وبالتالى ستكون مصر هى المتأثرة مباشرة بأطماع أثيوبيا فى النهر، لافتا إلى أن الأطماع الأثيوبية ليست أحلام أبي أحمد ومن حوله، أو زيناوي وما قبله، بل هى أحلام قديمة جدا طمعا ومعاداة لمصر وساندها الغرب على مدى عدة قرون ماضية ومازال، بل ويساعدها فى ذلك حاليا.

 عقيدة واستراتيجية أثيوبية راسخة

 وأوضح أن هذه الأزمة ليست أزمة قيادة أثيوبية، بل أزمة عقيدة واستراتيجية أثيوبية راسخة، ونفذتها حرفيا قبل ذلك مع كينيا والصومال وجيبوتى وجنوب السودان، والأن تحاول مع مصر والسودان، والسودان ليست فى أفضل حالاتها وبفعل فاعل وبشكل واضح.

كما أن فى حوض النيل، هناك العديد من الدول التى تتمنى نجاح أثيوبيا فى مساعيها الاجرامية للإضرار بمصر لتأخذ هى الأخرى قطعة من الكعكة، وهذا أمرًا كان شديد الوضوح وقت أزمة اتفاقية عنتيبي.

وأشار علام ، الى أن كل المشروعات الحيوية التى تنفذها القيادة السياسية المصرية حاليا وبمئات المليارات لمعالجة ولإعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعي، ليست بالتأكيد حلا لأى نقص فى حصتنا المائية، فهذه المشاريع ليست لزيادة الوفرة المائية بل هى لزيادة كفاءة الاستخدامات المائية، وسيكون مصيرها الفشل للأسف اذا نقصت الحصة المائية المصرية. والسبب ببساطة، انه اذا نقصت الحصة المائية، ستقل مياه الصرف وتقل نوعيتها، وبالتالى ستفشل هذه المشاريع كما ونوعا. 

وقال علام ، ان هناك محاولات حديثة جدا لدول عظمى، لا أعلم كثيرا عن تفاصيلها، ولكنها جميعا أتت لمصر وللمنطقة بهدف نزع فتيل الأزمة، ومحاولة التوصل الى حل عادل ومرضى للأطراف كلها، ومثال على ذلك زيارة مستشار الأمن القومى الأمريكى، وزيارة مندوب الاتحاد الأوروبي للقاهرة وقبلهم ممثل عن الصين، وغيرها للتحدث مع القيادة السياسية لمحاولة التوصل لتصور عادل للجميع وتحقق الأهداف المصرية.

محاولات عربية لتحريك المفاوضات الثلاثية

كما أن هناك اجتماعات تتم فى بعض العواصم العربية لمحاولة تحريك المفاوضات الثلاثية. وهناك تغير ملحوظ فى اللهجة الأثيوبية من طريقة التهديد وانكار الحصص المائية، الى تطمينات لعدم الاضرار المائى بمصر فى الفترة الأخيرة.

وطبعا، نحن كمصريين نحتاج لخطوات أكثر وضوحا وصراحة لكى نطمئن، مثلا بداية قريبة لمفاوضات جادة للتوصل الى اتفاق قانونى ملزم لقواعد الملء والتشغيل للسد كما جاء في إعلان المبادئ، وهناك حاجة لتبادل زيارات للوزراء والمسئولين بين الدول الثلاثة للتأكيد على محاولة الوصول لاتفاق مرضى للجميع، وقد يكون ذلك في اطار تنموى قد يشمل المساعدة مثلا فى تصدير الكهرباء الاثيوبية لدعمها اقتصاديا.
 
كما أنه من ناحية أخرى نحتاج كشعب أن نوضح بأننا نتأكد ونثق فى قدرة الدولة على حماية مصر ومائها، لأن ذلك من أسس الشريعة العسكرية المصرية من أيام أجدادنا القدماء حتى يومنا هذا، ولا بد فى هذه الظروف الدولية والإقليمية الصعبة، أن ندعم القيادة السياسية ونلتف حولها وندعم جهودها المختلفة للحفاظ على الأمن القومى وبناء الدولة الجديدة بالرغم من تحديات الأزمات الدولية الاقتصادية الطاحنة.