السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

بعد الدروس الخصوصية.. هل تخضع تجارة المخدرات والسلاح والدعارة للضرائب؟

الرئيس نيوز

أثار إعلان مصلحة الضرائب فتح باب التسجيل لمراكز الدروس الخصوصية الحديث عن مدى جواز فرض الضريبة على الدخل غير المشروع أو الذي لا يحظى بتقنين حكومي. 

وقال رمضان صديق، المستشار القانوني لوزير المالية، إن الأمر ينقسم الى اتجاهين إما الخضوع أو عدم الخضوع للضريبة. 

وتكاد تجمع التشريعات الضريبية المقارنة على أن الضريبة تفرض على الدخل أو الربح سواء كان هذا الدخل ناتجاً عن مشروع أو غير مشروع.

وانقسم الرأى بين الكتاب حول مدى جواز فرض الضريبة على الدخل غير المشروع، إلى رأيين:

الرأى الأول : يرى عدم خضوع الأرباح الناتجة من نشاط غير مشروع للضريبة، ومن أمثلتها الأرباح الناتجة من تجارة المخدرات وألعاب القمار أو التهريب، وذلك لأن خضوع مثل هذه الأرباح للضريبة يعني الاعتراف بها من قبل الدولة كنشاط مصرح به، مما يكسب هذه الأنشطة بعض مشروعيتها، الأمر الذي يخالف قوانين أخري تجرمها ولا تعترف لها بالمشروعية مما يمثل تعارضا في التنظيم التشريعي للدولة لا يجوز

الرأي الثانى: يذهب إلى خضوع الأرباح الناتجة عن أنشطة غير مشروعة للضريبة أسوة بخضوع الأنشطة المشروعة للضريبة، لأن القول بغير ذلك يجعل المخالف للقوانين ويرتكب أعمالا غير مشروعة في وضع أفضل ممن يلتزم بالقوانين ولا يرتكب أعمالا غير مشروعة، كما أن الالتزام بالقانون الضريبي لا شأن له بما يلابس الربح من مخالفة للقوانين الأخـري ، بل أن إخضاع الربح الناتج عن نشاط غير مشروع للضريبة ينتظم ويتفق مع السياسة التشريعية بوجه عام حين تكون هذه الضريبة داخلة في عموم الردع العام والذي يمنع الإثراء غير المشروع. 

وقال صديق أنه يؤيد رأي الخضوع للضريبة إلا أن تطبيقه قد يحاط بالصعوبات الواقعية والقانونية، حيث يستحيل فى الواقع أن نجد ممولاً يزاول نشاطاً مجرماً  كالمخدرات يقوم بالإبلاغ عنه لمصلحة الضرائب ، ولا يمكن للمصلحة أن تثبت هذا النشاط إلا بعد صدور حكم قضائى ،كما لايمكن أن نتصور قانوناً أن المشرع حين ألزم الممولين بتقديم إقراراتهم الضريبية قصد من يزاولون نشاطاً غير مشروع.

 ولهذا الاعتبار قضت محكمة النقض (الطعن رقم 1294 لسنة 64 ق جلسة 19/2/1997، و الطعن الجنائى رقم 13264 لسنة 67ق جلسة 28/7/1999 ) فى أنه " لا يتأتى فى حكم العقل والمنطق القول بأن النصوص – مواد تقديم الإقرارات فى القانون رقم 157لسنة 1981-  وردت فى صفة عامة تشمل وجوه النشاط كافة ، سواء مشروعة أوغير مشروعة، لأن النشاط المؤثم خفى بطبيعته ، وظهوره إلى حيز العلانية يوجب إنزال العقاب بمن يزاوله، فلا يصح من ثم إلزام من يباشر هذا النشاط أن يقر به ، لما ينطوى عليه من إجباره على الإقرار على نفسه بارتكاب فعل مجرم قانوناً ، وهو ممتنع وتتنزه عنه إرادة الشارع لمخالفته المبادىء الأساسية المقررة بالدستور ، من أن الإنسان برىء إلى أن تثبت إدانته ، ومن أن عبء الإثبات يقع على عاتق سلطة الإتهام". ولكن هذه الصعوبات لاتمنع مصلحة الضرائب من فرض الضريبة على الدخل غير المشروع حال اكتشافه أو إثباته بكافة طرق الإثبات.

ومع ذلك فإنه  يجب التفرقة بين النشاط فى ذاته ، وبين ما يستلزم القيام به من إتباع إجراءات قانونية  لمزاولة هذا النشاط ، فلا تفرض الضريبة على الدخل الناتج عن النشاط المجرم فى ذاته كتجارة المخدرات والدعارة ، بينما تفرض الضريبة على الدخل الناتج من نشاط مشروع فى ذاته ، ولكن الممول لم يتبع فى مزاولته النظم والإجراءات القانونية ، كبيع اللحوم بأزيد من التسعيرة ، ذلك لأن البيع فى ذاته   مشروع ، ولكن الممول لم يلتزم القواعد القانونية للبيع بالتسعيرة ، كما أن افتتاح محل أو ورشة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى بدون ترخيص لايمنع من فرض الضريبة على ما يتحقق منهما من أرباح، لأن التجارة والصناعة المتعلقة بهذا المحل مشروعة فى ذاتها ، وأن المخالفة تتعلق فقط بعدم استخراج التراخيص اللازمة لتنظيم هذا النشاط .

ولهذا فقد رفضت محكمة جنايات المنصورة (القضية رقم 6474 لسنة 1992 ) اعتبار المخدرات نشاطاً يخضع للضريبة استناداً إلى  " أن الأصل فى التعامل الإباحة والمشروعية ، فالشىء يكون غير قابل للتعامل فيه إذا كان غير مشروع ، وعدم المشروعية يرجع إلى نص فى القانون أو إلى مخالفة النظام العام والآداب. وقد أكد قضاء محكمة النقض هذه النتيجة(القضية رقم 6474 لسنة 1992)    على أساس أن الأصل في التعامل مشروعيته فالشيئ يكون غير قابل للتعامل إذا كان غير مشروع وعدم المشروعية يرجع إلى نص في القانون أو إلى مخالفة النظام العام أو الأداب في نص القانون – الأتجار في المخدرات عمل غير مشروع ومخالف للنظم العام والأداب وورد بشأنه قانون يجرمه أثره – عدم جواز أن يكون محلاً للألتزام الضريبي وقانون الضرائب على الدخل لم ينص صراحة على فرض ضريبة على تجارة المخدرات – لا ضريبة عن عمل غير مشروع كفله المشرع بقوانين جزائية تعاقب ممارسيه ومصادرة أموالهم الملوثة بالأثم والجريمة.

وفى نفس الوقت لم يرفض القضاء فرض الضريبة على نشاط الدروس الخصوصية فى ذاته، وإنما برأت  المحكمة ( القضية رقم 6474 لسنة 1992) المتهم من جريمة التهرب فى هذا النشاط لعدم كفاية التحريات التى أوردتها المصلحة كدليل على مزاولته   النشاط .

واعتبر القضاء (  الطعن بالنقض رقم 12495 لسنة 64 ق جلسة 19/2/1997) أن القول بقصر الالتزام بتقديم إقرار عن مقدار الأرباح والخسائر أو إقرار الثروة وأخطار مصلحة الضرائب بمزاولة النشاط علىى الممولين الذين يزاولون وجوه نشاط مشروعة دون اولئك الذين يتخذون من الجريمة وجهاً لنشاطهم يعد خطأ في تطبيق القانون .

ويرجع ذلك فى رأينا إلى أن نشاط التدريس مشروع فى ذاته وإن كان يستلزم لإعطاء دروس خصوصية أن يتم فى مجموعات دراسية تحت إشراف وزارة التربية والتعليم .

 وأن أداء الضريبة ولو كانت ناتجة من مباشرة مهنة أو أعمال غير مشروعة ، لأن القانون الضريبى لا شأن له بمصدر الأرباح ولا بالصورة التى تحققت بها ولا بالأحكام المقررة بشأنها فى القوانين الأخرى( محكمة مصر الابتدائية، القضية رقم 397 لسنة 19945، الجرف ، الجزء الثانى، ص 333، ومحكمة الاستئناف المختلطة ، القضية رقم 352 جلسة 20/6/1949، الجرف ، الجزء الرابع ، ص 387.)، وإنما يعنى القانون الضريبى فقط بفرض الضريبة متى توافرت الواقعة المنشئة لها طبقاً لأحكامه ، كما أنه لا يستساغ معاملة من يزاولون عملاً غير مشروع أفضل ممن يزاولون عملاً مشروعاً بتقرير إعفاء لمن يزاول عملاً غير مشروع من الضريبة. 

كما أجاز القضاء( قضاء النقض فى الطعن رقم 431 لسنة 21 ق، جلسة 3/12/1953.) خصم الإكراميات التى ينفقها الممول لتسهيل أعماله، وتوسيع دائرة نشاطه إذا كانت تتصل اتصالاً وثيقاً بمباشرة مهنته باعتبارها من التكاليف واجبة الخصم مادامت غير مبالغ فيها.

مدى تطبيق هذه القاعدة في الضرائب غير المباشرة

لا يؤثر في تطبيق الضرائب المباشرة كون السلعة أو الخدمة محل الخضوع للضريبة يتم الاتجار بها أو تداولها في إطار غير مشروع.

وكما أسلفنا عند الحديث عن الضريبة على الدخل ، يمكن أن تصيب عدم المشروعية النشاط فى ذاته، أو أن النشاط مشروع فى ذاته ولكن تلحقه عدم المشروعية لمخالفة القوانين المنظمة لمزاولته  .

ويتعلق النوع الأول : أى النشاط غير المشروع بذاته ، بكل نشاط يخالف  النظام العام والآداب فى الدولة ، وبالتالى يغلب على من يقوم به أن يزاوله مستتراً عن الأعين ، ولا يتصور أن يقر به طواعية، أو أن يكون محلاً لخطاب القانون الضريبى ؛ كمن يبيع المخدرات أو يمارس الدعارة أو يحصل على الرشاوى ، فجميعهم يزاولون عملاً غير مشروع فى ذاته ، ولا يتصور أن يكشف كل منهم عن نشاطه طواعية، وبالتالى فلا يتصور أن يكون قانون الضريبة على القيمة المضافة يخاطب هؤلاء بالتقدم للتسجيل عند بلوغ مبيعاتهم حد التسجيل ، ولا الإقرار عن المبالغ التى تحصلوا  عليها ممن تعامل معهم ، ولا توريد الضريبة على هذه المعاملات . وبالتالى تكون هذه الأنشطة ، وما يسفر عنها من مقابل خارج نطاق قانون الضريبة على القيمة المضافة ، لأن هذا المقابل نتيجة مزاولة نشاط غير مشروع فى ذاته . وتطبق بشأنها القوانين الخاصة بها، كقانون العقوبات. 

أما إذا كان النشاط الذى يقوم به الشخص مشروعاً فى ذاته، ولكن يتم بالمخالفة لأحكام القوانين المنظمة لهذا النشاط كقوانين التراخيص والسجل التجارى وحماية المستهلك وغيرها ، كمن يبيع سلعة أو يقدم خدمة مسموحاً بها قانوناً، ويتم تداولها علناً ، إلا أنه يبيعها فى منشأة غير مسجلة أو غير مرخص بها، أو مخالفة لضوابط الاتجار فيها سواء من حيث الكم أو الكيف أو السعر، فإن المقابل الناتج عن هذا النشاط  يخضع للضريبة ، وأن قانون الضريبة يخاطب من يزاولون هذه الأعمال ، باعتباره قانوناً يعترف الواقع، ويأخذ به.

وبالتالى تفرض ضريبة القيمة المضافة على المقابل الذى يحصل عليه من يبيع سلعة أو يقدم خدمة  فى محل غير مرخص به ، أو بأزيد من السعر المحدد لها ، أو بمواصفات مخالفة للقواعد والنظم الحاكمة . ويكون وعاء الضريبة هو المقابل الفعلى الذى بيعت به السلعة أو الخدمة ولو كانت بأزيد  من التسعيرة . وللإدارة الضريبية أن تلزم من يتعاملون فى هذه السلع والخدمات بالتسجيل إذا بلغ كل منهم الحد المقرر قانوناً ، وتسرى بشأنهم كافة أحكام القانون الأخرى .

أما إذا كانت السلعة أو الخدمة غير مشروعة فى ذاتها ، ولكن القانون يسمح بتداولها فى إطار استثنائى مقنن ، كالصيدلى حين يبيع الأدوية بإذن الطبيب ، أو الطبيب الذى يجرى عملية إجهاض وفقاً لاعتبارات صحية ، فإن المقابل الذى يحصل عليه بائع هذه السلعة أو مقدم الخدمة يخضع للضريبة على القيمة المضافة كغيره من السلع والخدمات التى يقر بها فى إطار عمله أو نشاطه المعتاد.

وطالما كان الطبيب أو الصيدلى- أو أى شخص آخر - مرخصاً له من حيث الأصل بالاتجار فى السلع الممنوعة أو القيام بالخدمات المحظورة فى حدود القانون ، فإن ما يقوم به أى منهما خارج نطاق القانون يخضع للضريبة على القيمة المضافة ، ويدخل مع ما قام به من توريدات  قانونية  وغير قانونية جميعاً فى الإقرار الضريبى ، لأن قيامه بالتوريد غير القانونى فى هذا الحالة قد تم فى إطار نشاطه الاقتصادى الذى يخضع للضريبة بسببه ، وحتى لا يكون الفصل بين نوعى التوريد فرصة للمكلف لتجنب الضريبة أو التهرب من أدائها .

يمكن أن نسترشد فى هذا الصدد بأحكام قانون الجمارك   التى تخضع للضريبة الجمركية ، وغيرها من الضرائب بما فيها الضريبة على القيمة المضافة السلع المحظورة أو غير المطابقة للمواصفات التى تدخل البلاد عبر المنافذ الجمركية بأية صورة من الصور.

وهذا الرأى، يعضده العديد من الأحكام القضائية عبر العالم وفى مصر؛  ومن ذلك ما قضت به  محكمة العدل الأوربية (ECJ) من أنه ليس للدول الأعضاء فى الاتحاد الأوربى فرض ضريبة القيمة المضافة على التوريد غير القانونى للسلع والخدمات  ، وذلك فى حالة قيام الشخص ببيع كمية من نبات القنب Hemp ( الحشيش ) المخدر، لأن مثل هذه الأعمال تخضع لقانون العقوبات ، واستثناء من ذلك يخضع للضريبة المخدر إذا كان مسموحاً ببيعه كدواء لأغراض طبية أو علمية .

وقضى أيضاً بأن المقابل عن بيع سلع مقلدة أو غير مطابقة للمواصفات يخضع للضريبة، لأن هذه السلع يتم تداولها كالسلع الأصلية فى السوق ، بخلاف المخدرات التى تباع سراً وليس فى إطار نشاط اقتصاد السوق المعتاد.

وفى حكم آخر قضى بأن مقابل تأجير منضدة فى المقهى يخضع للضريبة على القيمة المضافة بغض النظر عن الغرض الذى من أجله تم تأجير هذه المنضدة ، لأن التأجير هنا عمل مشروع ، حتى ولو كان مستأجر هذه المنضدة قد استغلها فى مزاولة عمل غير مشروع ( بيع المخدرات لمرتادى المقهى ).