الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تاريخ السلطة الناعمة (9)| تيودورا.. العاهرة التي حكمت أعظم إمبراطورية في عصرها (2_2)

الرئيس نيوز

ماذا فعلت العاهرة بعد صعودها إلى العرش، وهل غيرت السلطة من طبيعة نفسها؟.

فى بادئ الأمر عرفت تيودورا بعد الزواج باسم زوجة الإمبراطور، إلا أنه لم يمر وقت طويل حتى عرفت باسم زوج الإمبراطورة، فكانت وكأنها تجلس على العرض بمفردها، ولم يشهد التاريخ البيزنطي امرأة أكثر غطرسة وقسوة من تيودورا التي انتقمت من تاريخها الملوث.

ظلت تيودورا على العرش 21 سنة، وضعت يدها خلالها على كل صغيرة وكبيرة فى شئون الدولة وفرضت كلمتها فكانت تفعل ما تريد، بصرف النظر عما يريده الإمبراطور وأعوانه، فنظمت شئون الإدارة ووضعت أعوانها ومحاسيبها في الوظائف التي اختارتها لهم، وتدخلت فى شئون السياسة فنظمت العلاقات بين بيزنطة والدول الأخرى، وفرضت على مندوبي الدول ماقررته من خطط وتدابير، وتدخلت فى شئون الكنيسة فكانت وراء كل عمل أقدم عليه الرؤساء الروحيون وكل قرار أصدره المجامع الكهنوتية.

وعلى جدران الكنائس التى بناها جستنيان، وفوق أبواب المعاقل والحصون والقلاع التى شيدها فى أنحاء مملكته حفر اسم تيودورا إلى جانب اسمه.

ومما لم يحدث أيضا لغير تيودورا، أن موظفي الدولة كانوا يقسمون يمين الولاء لها كما يقسمونه لزوجها الامبراطور، فكانوا يقولون "نقسم بأن نكون أوفياء صادقين فى خدمة المليكين جستنيان وتيودورا".

رغم اعتلاء العرش لم تتخل تيودورا عن دهاء ومكر الغانية التي سكنت روحها حتى فى أمور السياسة، ذات يوم علمت أن حاكم إحدى البلاد المجاورة للامبراطورية ويدعى فيناليان يدبر للاعتداء على إمبراطوريتها، فأوعزت إلى جستنان أن يوجه له الدعوة لزيارته مع حاشيته في القسطنطينية بحجة التفاوض بشأن معاهدة تصالح بينهما، لو يرتاب الحاكم وقبل الدعوة.

ووصل على رأس حاشيته فاستقبله تيودورا وجستنيان بأشد الترحاب وبالغا فى إكرامه وأقاما حفلات الرقص والغناء وسباقات المصارعة والوحوش، واحتفلا تكريما له بإلقاء مائة سجين فى ساحة الملعب الكبير كطعاما لخمسين أسد جائعا.

وفى الليلة الأخيرة للزيارة أقاما حفلة وداع، وبعد أن تلذذ الضيوف بأشهى المأكولات قاما صاحبا الجلالة وأستأذنا الضيوف فى الانصراف مبكرا، ومع تسلل أول خيوط الفجر، كان يسود القاعة سكون وصمت رهيب حيث اختلط النبيذ المسكوب بدماء الضيوف المذبوحين على الأرض.

فقد أصدرت تيودورا أوامرها لكل راقصة بأن تذبح ضيفها بعد أن تسلبه قواه بالمضاجعة وتفقده وعيه بالخمر.

وظلت تيودورا امرأة قاسية متحجرة القلب يمقتها حتى شعبها، حتى ضاقت جموع الشعب بها ذات صباح أمام القصر الملكي هاتفة بسقوط الإمبراطورة وارتفعت صيحاتهم الغاضبة وهم يقذفون تمثالها الرابض بالحديقة بالطين والوحل، كانت تيودورا راقدة فى مخدعها حين وصلتها أصوات الجموع الغاضبة، فخرجت إليهم من شرفتها ترتدى ثوبها الملكى، لتخاطب الجماهير من نافذة غرفتها  لتسألهم عن مطالبهم، وتصيح الجماهير فى صوت واحد ، الخبز لتومئ تيودورا برأسها قائلة: سوف تنالون الخبز، وسوف تقام لكم أيضا حفلة من أروع الحفلات التى شهدتها البلاد.

وفى الموعد المحدد تزاحمت الجموع لتحصل على أطيب الطعام وأفخره وتشاهد المهرجانات والرقص والألعاب بالاستاد الكبير، وتهتف الجموع تحيا الإمبراطورة .

وحين انتهى البرنامج الأخير من الحفل، ظهر قائد الجيش يصحبه فرقة من الجنود، حيتهم الجماهير ظنا أنهم أحد فقرات الحفل، إلا أنهم فوجئوا بالهجوم عليهم قبل أن تنهال عليهم السهام والسيوف وراح ضحية هذة المجزرة الدامية ثلاثين ألف رجل.

ولم يمض وقت طويل، حتى اقتصت السماء من هذه المرأة التى لم يشهد التاريخ مثيلا لها فى قسوتها وجبروتها، فقد أصيبت بمرض السرطان الذى ظل ينخر فى جسدها وشوه جسدها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.


لقراءة الحلقة الأولى