السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تاريخ السلطة الناعمة (8)| تيودورا.. العاهرة التي حكمت أعظم إمبراطورية في عصرها (1_2)

الرئيس نيوز

قد يبدو من الغريب الاستعانة بسيرة عاهرة في سلسلة تحت عنوان، تاريخ السلطة الناعمة، تتناول النساء اللاتي بسطن سيطرتهن على أعظم الممالك في عصرهن من الخلافات الإسلامية إلى الإمبراطوريات البيزنطية، ولكن تيودورا هي مثال حي لذكاء المرأة التي قد تتخذ من جسدها وسيلة لبلوغ السلطة، ولكنها تعمل عقلها لاستبقاء تلك السلطة بل والاستمرار فيها.

فإذا كان كل شئ مباح على مذبح السلطة، في عرف الرجال، من مكر وخدعة وكافة فنون السلاح، فإن أعظم أسلحة المرأة فتنتها، سيرة تيودورا " العاهرة" التى حكمت القسطنطينية، سجلها الكاتب أحمد الشنوانى فى كتابه فاتنات وأفاعى والذى حصل فيه على عدد من الجوائز.

"تيودورا" ممثلة خرجت  من بيئة وضيعة، ثم ارتفعت إلى أوج مجدها لتجلس على عرش أعظم الإمبراطوريات في عصرها،بدأت حياتها عاملة نظافة في سيرك قبل أن تترقى إلى راقصة فى نفس السيرك، وتقودها خطواتها إلى عرش القسطنطينية.

كانت ترافق شقيقتها الكبرى إلى بيوت الدعارة، ثم تنتظرها بالخارج دون أن تشاركها الممارسة فأعوامها القليلة وجسدها الصغير لم يكن يسمح لها أن أن تروي ظمأ الرجال.

ولكن الفتاة لم تستطع أن تنتظر حتى بلوغ الثانية عشر، اعتبرت نفسها مؤهلة لأداء هذا الدور فلم تتردد في مشاركة أختها مهنتها، وبلغ حبها للمال أشده فكانت تبيع جسدها لكل من يدفع الثمن سواء كان من النبلاء أو عامة الشعب بعد أن كانت تقتصر على النبلاء فقط.

وكانت الدعارة مهنة لها رخصة يمارسن بمقتضاها مهنتهن ويخضعن للكشف الطبي الدوري وكانت لهن بيوت خاصة يعملن من خلالها، لكن وعن طريق مهنتها تعرفت على بعض رجال المسرح، لتجد طريقا للعمل كراقصة وممثلة على بعض المسارح.

وقد وجد فيها شباب الطبقة الارستقراطية لونا جميلا للتفريج عن أنفسهم فكانت لا تخلو حفلة أو مأدبة لهم من تيودورا.

ويذكر المؤرخ بروكبياس أنها في إحدى هذه المآدب سامرت على انفراد 10 ضيوف و30 عبدا وحين أوشك الفجر على الشروق كان الجميع منهكين عدا تيودورا التى كانت بكامل حيويتها ونشاطها.

وقد كان للحظ معها لعبة كبيرة، حين تعرفت على أحد النبلاء يدعى "هيكيبولس"، وقد عين حاكما لإقليم بنى غازى، فأقام حفلا كبيرا ابتهاجا بمنصبه الجديد فاستدعى تيودورا، كى تكون نجمة الحفلة، فرقصت وأبدعت حتى الصباح وقصدت أن تلفت نظر الحاكم إليها، حتى وقع الرجل في فخ غوايتها بسهولة واصطحبها معه إلى قصره بولايته الجديدة لتصبح خليلته.

ولكن المرأة لم يرو ظمأها رجلا واحد، خاصة مع انشغاله بأمور حكم ولايته فلم يكن يتصل بها دائما، قبل أن يضبطها في أحضان أحد الرجال بمخدعها بالقصر، ليطردها إلى الصحراء المقفرة، فهامت على وجهها وعانت فى الصحراء، حتى وصلت إلى أبواب الإسكندرية لتعود للتسكع فى الطرقات بائعة هوى لمن يدفع، وقد قبض عليها فى إحدى المرات بمشاجرة فى الطريق العام فكان عقابها أن وصم ظهرها بقضيب من الحديد الساخن ظل أثره منقوشا على جسدها حتى ماتت.

في ذلك العهد كانت الإسكندرية مدينة كبيرة ذات تجارة واسعة يرحل تجارها إلى الصين والهند وسيلان لجلب الحرير والتوابل والأحجار الكريمة وغيرها وما عرف عنها فى ذلك الزمان أنها كانت مدينة للهو والبذخ والترف والأناقة ولكن يتوردوا لم تذهب إلى مصر للإقامة بها ولذلك سرعان ما قررت مغادرتها إلى سوريا حيث نزلت بمدينة أنطاكية وكانت أقرب إلى بيزنطة من حيث الحياة الاجتماعية وميول الشعب وأنواع لهوه وتسليته.

وفى أنطاكية عادت تيودورا إلى ممارسة سيرتها الأولى وهناك توثقت علاقتها بـ"ماسيدوينا" الغانية وكانت مشهورة باستطلاع الغيب، بقدر ما تجيد الرقص والغناء، وقد تنبأت لصديقتها الجديدة بأن مستقبلا باهرا ينتظرها وبأنها سترتقى مدارج المجد والشهرة.

وكانت ماسيدونيا تعرف الأمير جستيان ابن أخ الأمبراطور أوجستين وولى عهده، ومهدت الطريق لصديقتها لتصل بولي العهد.

حينما التقى جستنيان وتيودورا، فى العام 522م، كان سنه يتراوح بين الثامنة والثلاثين، وكان جميلا جذابا ذا بشرة زاهية وشعر مجعد ووجه صبوح، وقامة معتدلة، قد أحب من كل قلبه تيودورا الحسناء، وبات لا يعادل حبها عنده أى شئ فى الوجود.

وكان جتنيان محبوب لدى العامة ورجال الدين، حيث كان معروفا بتقواه وتدينه، وقد حار الناس في تعليل تلك العلاقة الغرامية التى توطدت بين ولى العهد الراجح العقل ذو الأهداف السامية وتلك الممثلة العاهرة، فقالوا إن الغانية الماكرة عمدت إلى السحر والشعوذة للتسلط على قلب عشيقها، وقد وقع في غرامها منذ اللقاء الأول فانقض عليه الحب انقضاض الصاعقة، ليلقى نفسه فى أحضانها.

وقد كتب أحد المؤرخين المعاصرين لهما أن جستنيان كان يعد تيودورا ألزم له من الهواء، وكانت تحب المال فأغدق عليها بلا حساب، وكانت تهوى المظاهر والألقاب فأقنع عم الإمبراطور بأن يمنحها لقب نبيلة فارتفعت إلى أعلى درجات المجتمع البيزنطى.

وكانت عنيدة في آرائها متشبثة بها، فعمل جستنيان بجميع تلك الآراء وأصبح منفذا لإرادتها، تمكن الحب من قلب جستنيان إلى حد أنه أعلن ذات يوم أنه راغب في اتخاذ عشيقته زوجة شرعية، ولم يمنع الامبراطور اوجستين فى رغبة ابن أخيه وولي عهده، فهو نفسه كانقد تزوج جارية مجهولة النسب.

ولم يقابل البيزنطيون هذا الزواج بامتعاض، بل كان الأغلبية معجبين بفكرة أن يتودورا بنت الشعب وليس من الطبقات الارستقراطية المتعالية.

ولكن ماذا فعلت العاهرة بعد صعودها إلى العرش، وهل غيرت السلطة من طبيعة نفسها المنحطة؟. للحديث بقية

فى بادئ الأمر عرفت تيودورا بعد الزواج باسم زوجة الإمبراطور، إلا أنه لم يمر وقت طويل حتى عرفت باسم زوج الإمبراطورة، فكانت وكأنها تجلس على العرش بمفردها، ولم يشهد التاريخ البيزنطي امرأة أكثر غطرسة وقسوة من تودورا التي انتقمت من تاريخها الملوث.

للحديث بقية