مخاوف في تل أبيب من التقارب بين مصر والجزائر.. ما القصة؟
تتصاعد المخاوف في تل أبيب بشأن التنسيق العربي الراهن الذي يعيد توزيع توازنات القوى، ويحد من النفوذ الإسرائيلي في المحيط الأوسع لدولة الاحتلال.
وتسود في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية حالة قلق متزايدة إزاء التقارب المتنامي بين مصر والجزائر، في ظل تقديرات داخل تل أبيب ترى أن هذا المسار يعكس تحولا عربيا أوسع نحو إعادة بناء تنسيق سياسي واستراتيجي بين عواصم عربية ذات ثقل تاريخي ونفوذ إقليمي.
ويرى دبلوماسيون غربيون أن هذا القلق الإسرائيلي يعكس خشية حقيقية من عودة دور عربي منظم قادر على التأثير في ملفات الإقليم الحساسة، وفقا لتحليل موقع ميدل إيست مونيتور اللندني.
وأشارت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة إلى أن القاهرة تنظر إلى علاقتها مع الجزائر باعتبارها علاقة استراتيجية ممتدة، لا ترتبط بملف واحد أو ظرف سياسي بعينه، وأن التنسيق بين البلدين يستند إلى رؤية مشتركة تجاه قضايا الأمن القومي العربي، من ليبيا والسودان إلى القضية الفلسطينية وأمن المتوسط.
وأكدت هذه المصادر أن مصر والجزائر، وهما من أكثر العواصم العربية ثقلا وتأثيرا سياسيا وعسكريا، تتحركان انطلاقا من إدراك متزايد بضرورة تنسيق المواقف العربية في ظل تصاعد الاضطرابات الإقليمية وتراجع فاعلية الأطر الجماعية التقليدية.
وتعكس القراءة الإسرائيلية لهذا التقارب مخاوف من أن يؤدي إلى تقليص هامش المناورة الذي تمتعت به تل أبيب خلال السنوات الماضية، مستفيدة من حالة التفكك العربي.
ويرى خبراء في الشأن الإسرائيلي أن تل أبيب تراقب بقلق أي محاولة لإعادة بناء توازنات عربية مستقلة نسبيا عن الاستقطابات الدولية، خاصة في لحظة تشهد تراجعا نسبيا للانخراط الأمريكي المباشر في عدد من ملفات المنطقة، وهو ما يمنح القوى الإقليمية هامشا أكبر لإعادة ترتيب أولوياتها.
ولا ينفصل القلق الإسرائيلي عن البعد الفلسطيني في هذا التقارب. فمصر تظل الطرف الأكثر تأثيرا في إدارة ملفات التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بينما تحتفظ الجزائر بمواقف داعمة للقضية الفلسطينية وترفض مسارات التطبيع. ويشير دبلوماسيون مصريون إلى أن تل أبيب تخشى من أن يفضي تنسيق مصري جزائري أوسع إلى إعادة طرح مواقف عربية أكثر تشددا في المحافل الدولية، بما يضعف قدرة إسرائيل على تسويق روايتها السياسية والأمنية.
وتذهب تقديرات خبراء استراتيجيين إلى أن القلق الإسرائيلي يتغذى أيضا من اتساع الدور المصري في الدائرتين العربية والأفريقية. فالقاهرة تعزز حضورها في ملفات ليبيا والسودان وأمن البحر الأحمر، وتتحرك وفق مقاربة شاملة تربط بين الأمن القومي المصري والأمن الإقليمي.
وترى تل أبيب في هذا التحرك إشارة إلى طموحات استراتيجية أوسع قد تعيد تشكيل موازين القوة في شمال أفريقيا وشرق المتوسط، خاصة مع وجود تنسيق متزايد مع الجزائر التي تمتلك بدورها نفوذا مهما في القارة الأفريقية.
وفي هذا السياق، شدد دبلوماسيون مصريون حاليون على أن التقارب مع الجزائر لا يستهدف الدخول في محاور صدامية أو استعداء أطراف بعينها، بل يهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح العربية المشتركة. ويؤكد هؤلاء أن القاهرة حريصة على الفصل بين علاقاتها الثنائية المختلفة، بما في ذلك التزاماتها الدولية، وبين حقها المشروع في تنسيق المواقف مع عواصم عربية تشترك معها في الرؤية تجاه قضايا الأمن والتنمية.
كما يبرز البعد العسكري كأحد عناصر القلق في الحسابات الإسرائيلية، إذ تمتلك مصر والجزائر من أكبر الجيوش في المنطقة، وتجمعهما خبرات طويلة في مجالات التدريب وبناء القدرات. ورغم غياب أي مؤشرات على تحالف عسكري مباشر أو معلن، إلا أن مجرد تقارب سياسي منظم بين دولتين بهذا الحجم يثير تساؤلات إسرائيلية حول إمكانات التنسيق الأمني المستقبلي، لا سيما في ظل تصاعد التوترات في شرق المتوسط وشمال أفريقيا.
ويرى الخبراء أن رد الفعل الإسرائيلي يعكس أزمة أوسع في الرؤية الاستراتيجية لتل أبيب، التي اعتادت العمل في بيئة إقليمية مجزأة، حيث يسهل التعامل مع كل دولة عربية على حدة. أما اليوم، فإن أي مؤشرات على تنسيق عربي ثنائي أو ثلاثي بين عواصم ذات ثقل، تفسر في إسرائيل باعتبارها تهديدا محتملا لنمط الهيمنة السياسية والأمنية الذي ساد خلال السنوات الماضية.
وكشف الجدل الدائر في إسرائيل حول التقارب بين القاهرة والجزائر عن تحولات أعمق في بنية النظام الإقليمي العربي، حيث تسعى بعض العواصم إلى استعادة قدر من الفاعلية والتنسيق في مواجهة أزمات متشابكة. وبينما تصر القاهرة والجزائر على أن هذا المسار يخدم الاستقرار والأمن العربيين، تواصل تل أبيب التعامل معه بوصفه تطورا مقلقا قد يفرض عليها إعادة حساباتها الإقليمية في المرحلة المقبلة.