< محمد مرعي يكتب: عن قضية علاء عبد الفتاح واعتذاره للبريطانيين
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

محمد مرعي يكتب: عن قضية علاء عبد الفتاح واعتذاره للبريطانيين

الرئيس نيوز

قبل انعقاد مؤتمر المناخ في شرم الشيخ "كوب 27" عام 2022، كانت هناك تحركات فعلية لإدراج اسم "علاء عبد الفتاح" ضمن قوائم العفو الرئاسي، وكثيرون يعلمون ذلك بالفعل، بدافع إغلاق هذا الملف بشكل نهائي خاصة وأنه قضى معظم عقوبته ولظروف أسرته خاصة نجله. لكن مع انعقاد القمة فوجىء الجميع بتطورين هامين:

الأول: شروع أسرة علاء عبد الفتاح وتحديدا شقيقته "سناء" وبدعم وتنسيق مع حسام بهجت، رئيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يسعون جاهدين لإفشال المؤتمر والإساءة لصورة مصر، مدعومين وقتها بعدد واسع من نشطاء اليسار الدوليين ممن قدموا وقتها إلى شرم الشيخ. 

الثاني: قيام رئيس الوزراء البريطاني السابق، ريشي سوناك خلال مشاركته في القمة بطرح الإفراج عن علاء عبد الفتاح أثناء لقاءه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحت دعوى أنه يحمل الجنسية البريطانية "التي حصل عليها خلال احتجازه"، وهو ما رفضته مصر، حتى أنه تم إطلاع سوناك على التهم الموجهة لعلاء عبد الفتاح ومشاهد من منشورات يحرض فيها على العنف وقتل ضباط الجيش والشرطة.

هذا الأمر دفع في تحليلي السلطات في مصر للتراجع تماما عن فكرة دراسة إدراج علاء عبد الفتاح على قائمة العفو الرئاسي، بدافع أن مصر لن تخضع لأي ضغوط من أي طرف دولي أي إن كان للتدخل في شئونها الداخلية بهذا الشكل وتسييس القضاء المصري. 

كما أن ما فعلته سناء سيف وحسام بهجت، دفعهم خلال أيام انعقاد المؤتمر البحث عن مخرج، بعد تأكدهم أن ما فعلوه أثر سلبيا على فرص العفو الإفراج عن علاء، ووقتها حدثت عمليات تواصل بينهم وبين عدد من المحامين لضرورة تقديم الأسرة التماس لرئيس الجمهورية. لكن ما حدث قد حدث وأصبحت فرص العفو ضئيلة للغاية. 

وصلنا لعام 2025، وعادت الرغبة في الإفراج عن علاء عبد الفتاح والعفو منها من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن يعقب ذلك السماح له بالسفر إلى بريطانيا التي أصبح يحمل جنسيتها. وتعامل رئيس الوزراء كير ستارمر مع الأمر على أنه إنجاز وقدم الشكر لمصر ورئيسها على قرار العفو عن علاء. 

وصل علاء عبد الفتاح إلى مطار هيثرو في لندن، فشرع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وعدد من أعضاء حكومته، بنشر بيانات وتعليقات ترحب بعودة علاء عبد الفتاح. وهو الأمر الذي دفع المعارضة والصحافة البريطانية ونواب بريطانيين إلى التحقق من هوية ومواقف علاء عبد الفتاح، ليكتشفوا مواقف وأراء له يحرض فيها على قتل واغتيال اليهود والصهاينة والتحريض على العنف ضد الرجل الأبيض. لتصبح قضيته هى الأولى في بريطانيا وخروج مطالبات بضرورة سحب الجنسية البريطانية منه ووصفه بالمتطرف والإرهابي. 

وكما هو متوقع مني على الأقل وبعد مرور 24 ساعة من الحملة، وتحت وطأة الضغوط المتصاعدة إعلاميا وفي الرأي العام البريطاني، قدم علاء عبد الفتاح اعتذارا للبريطانيين عن مواقفه وآراءه السابقة التي حرض فيها على العنف ضد اليهود والرجل الأبيض، مؤكدا أنه لا ينكر الهولوكست وأنه داعم لحقوق المثليين والأقليات في مصر.

اعتذار علاء عبد الفتاح والذي أجبر عليه كان بدافع الحفاظ على جنسيته البريطانية ومحاولة عبور هذه الموجة من الضغوط التي طالبت بسحب الجنسية البريطانية منه وترحيله. وهو اعتذار لم يجرؤ على تقديمه لمصر ولا لضباط الجيش والشرطة ممن حرض على قتلهم سابقا وهو موثق بالفعل.
هناك مطالبات من شخصيات عامة ومن رأي عام تتصاعد بضرورة سحب الجنسية المصرية من علاء عبد الفتاح، وهى مطالبات أعتقد أنه سيتم التعامل معها بجدية كبيرة. 
لكن هناك بعض الملاحظات التي أود ذكرها سريعا:

1- تبدو محاولات حكومة كير ستارمر التنصل من المسؤولية، والادعاء بعدم الإحاطة بماضي علاء عبد الفتاح ومواقفه السابقة تجاه اليهود والرجل الأبيض، أقرب إلى مسعى لاحتواء تداعيات أزمة سياسية داخلية، وهو تنصل لا يستند لأي حقائق. فالمواد المنشورة عنه كانت متداولة وموثقة منذ سنوات، ولم تكن يومًا بعيدة عن علم أي جهة سياسية أو أمنية تعاملت مع ملفه، سواء خلال حكومة ريشي سوناك، أو الحكومات السابقة، أو حتى الحكومة الحالية نفسها.

2- جاء اعتذار علاء عبد الفتاح موجّهًا إلى البريطانيين بعد أقل من 24 فقط ساعة من تصاعد حملات الهجوم عليه في الإعلام والرأي العام هناك، الأمر الذي دفعه إلى إعادة تفسير وتوضيح مواقفه السابقة، ولا سيما ما يتعلق بتحريضه ضد اليهود والرجل الأبيض. غير أنه، في المقابل، لم يملك الجرأة ذاتها والشرف لتقديم اعتذار مماثل للمجتمع المصري، الذي دفع مئات من ضباط الجيش والشرطة شهداء في مواجهة الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار الداخلي.

3- تكشف هذه التطورات بوضوح عن ازدواجية صارخة في التعاطي البريطاني مع القضية، وكذلك في طبيعة اعتذار علاء ذاته؛ إذ لم تُطرح إشكالية تحريضه على العنف داخل مصر كعامل قلق أو مراجعة، بينما لم يتحول إلى خطر ومتطرف إلا عندما طال خطابه جماعات تُعد جزءًا من النسيج الاجتماعي الغربي، وهو ما جعل التهديد يُعاد تعريفه باعتباره مساسًا بالأمن الداخلي البريطاني.

4- هناك إشكالية بالفعل في ما يسمى بالمجتمع الحقوقي في مصر، ممن عملوا على مدى ثلاثة عقود، تسييس ممنهج وجعله ستارة للتربح المالي والصعود الاجتماعي، وتبرير التحريض على العنف تحت شعار "حرية الرأي والتعبير"، بما يتوافق مع أجندات الممولين. في حين أن أي خطاب تحريضي مماثل، لو صدر داخل الدول الغربية نفسها، لتم التعامل معه قانونيًا وبحسم ودون أي تساهل.
5- أعتقد أن مطالبات سحب الجنسية المصرية من علاء عبد الفتاح مرشحة للتصاعد خلال الفترة المقبلة، في ضوء حالة الغضب المتنامية في الرأي العام المصري.