الدعوات لفرض حصار على إسرائيل تكتسب زخما في 2025
في عام 2025، لم تعد الدعوات لفرض عقوبات أو حصار على إسرائيل مجرد أصوات هامشية، بل تحولت إلى مطالب موثقة من منظمات حقوقية كبرى، علاوة على بيانات جماعية واسعة، وضغوط سياسية داخل المؤسسات الدولية.
وفقا لصحيفة يني شفق التركية، ويعكس هذا التحول حجم الغضب الدولي من استمرار الحرب في غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية التي وصفتها منظمات الأمم المتحدة بأنها غير مسبوقة.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت في مايو 2025 تقريرا وصفت فيه الحصار الإسرائيلي على غزة بأنه جريمة حرب، مؤكدة أن إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح ضد المدنيين.
التقرير شدد على أن إعادة فرض القيود على دخول المساعدات والسلع يمثل عقابا جماعيا يجرمه القانون الدولي، وأن هذه السياسات تعكس نية إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية بحق سكان القطاع.
هذا الموقف الحقوقي منح زخما غير مسبوق للدعوات التي تطالب بفرض حصار شامل أو عقوبات اقتصادية على إسرائيل.
في يونيو 2025، وقعت 114 منظمة دولية بينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش على بيان مشترك طالب الاتحاد الأوروبي بتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.
البيان أكد أن إسرائيل ارتكبت "انتهاكات جسيمة" لبنود حقوق الإنسان المنصوص عليها في الاتفاقية، وأن استمرار التعاون الاقتصادي معها يعكس تواطؤا مع هذه الانتهاكات.
هذه الخطوة جاءت قبل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لمراجعة الاتفاقية، حيث شددت المنظمات على أن أي مراجعة عادلة يجب أن تنتهي إلى تعليقها فورا.
وفي فبراير 2025، أطلقت أكثر من 160 منظمة غير حكومية ونقابات عمالية حملة تدعو الاتحاد الأوروبي إلى حظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
هيومن رايتس ووتش أوضحت أن استمرار التجارة مع المستوطنات يمثل خرقا للقانون الدولي ويعزز الانتهاكات بحق الفلسطينيين.
هذه الدعوة جاءت في سياق متصاعد من الضغوط على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ خطوات ملموسة، حيث أكدت المنظمات أن حظر التجارة مع المستوطنات ليس خيارا سياسيا بل التزام قانوني بموجب القانون الدولي.
في أمريكا الشمالية، أعلنت وزيرة الخارجية الكندية السابقة ميلاني جولي أن بلادها لن توافق على تراخيص جديدة لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مؤكدة أن القرار ينسجم مع التزامات كندا بموجب القانون الدولي.
أما في واشنطن، فقد تعالت المطالبات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف توريد أنواع معينة من الأسلحة إذا واصلت إسرائيل عملياتها في رفح، وتعالت المطالبات بحماية المدنيين كخط أحمر لا يمكن تجاوزه، ما وفر زخما إضافيا للنقاش حول فرض قيود أو عقوبات.
وفي وقت لاحق من العام، وفقًا لبلومبرج، اتهمت وزيرة الخارجية الكندية الجديدة أنيتا أناند إسرائيل باستخدام نقص الغذاء سلاحا سياسيا في عمليتها في غزة وحثت على مواصلة العمل على وقف إطلاق النار في القطاع.
وكانت إسرائيل قد أغلقت قطاع غزة منذ بداية شهر مارس الماضي، واستأنفت حملتها العسكرية على بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخلت خلاله الآلاف من شاحنات المساعدات إلى القطاع.
وقالت أناند للصحافيين قبل اجتماع مجلس الوزراء: “لا يمكننا أن نسمح باستمرار استخدام الغذاء سلاحا سياسيا... لقد مات أكثر من 50 ألف شخص نتيجة العدوان على الفلسطينيين وسكان غزة في فلسطين. إن استخدام الغذاء سلاحا سياسيا هو ببساطة أمر غير مقبول”.
وأضافت: "نحن بحاجة إلى مواصلة العمل من أجل وقف إطلاق النار وضمان أن يكون لدينا حل الدولتين، وستواصل كندا الحفاظ على هذا الموقف".
وبدورها، استخدمت المنظمات الإنسانية لغة أكثر وضوحا في توصيف الوضع. وقالت منظمة أوكسفام العالمية إن السلطات الإسرائيلية تستخدم التجويع كسلاح حرب، وطالبت بفتح المعابر فورا لإدخال المساعدات.
كما شددت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أن حماية المدنيين واجب قانوني وأخلاقي، مؤكدة أن القيود المنهجية على المساعدات تقوض أسس القانون الدولي الإنساني.
يونيسف وصفت ما يجري في غزة بأنه كارثة قابلة للمنع، وأعلنت أن الأطفال يدفعون الثمن الأعلى، وطالبت بدخول الإمدادات الأساسية بلا قيود.
هذه الشهادات الميدانية عززت حجج الداعين إلى العقوبات وأبرزت أن استمرار القيود على الغوث يبرر استخدام أدوات ضغط غير تقليدية لمنع تفاقم الكارثة.
وساهم المشهد الإعلامي والأكاديمي الغربي في توسيع النقاش حول جدوى العقوبات.
ونشرت صحف بارزة مثل الجارديان والإيكونوميست افتتاحيات تدعو إلى تعليق شحنات الأسلحة حتى تقديم ضمانات قابلة للتحقق بشأن حماية المدنيين، فيما نقلت نيويورك تايمز عن أعضاء في الكونجرس، غالبيتهم بالحزب الديمقراطي، قولهم إن وضع شروط على المساعدات العسكرية ليس فكرة راديكالية بل أداة مساءلة بديهية.
وتحدث خبراء القانون الدولي في جامعات بريطانية وأمريكية عن "واجب المنع" الذي يفرضه مبدأ عدم التواطؤ، وأكدوا أن استمرار نقل أسلحة تستخدم في انتهاكات موثقة من شأنه أن يعرض الحكومات لمسؤولية قانونية أو سياسية وأخلاقية.
ويمثل العام 2025 نقطة تحول في الخطاب الدولي تجاه إسرائيل، حيث لم تعد الدعوات مجرد إدانات لفظية، بل تحولت إلى مطالب عملية تتضمن تعليق نقل الأسلحة، وفرض عقوبات اقتصادية، وحظر التجارة مع المستوطنات، ومنحت الأصوات الحقوقية، ومظاهرات الجامعات الكبرى بالولايات المتحدة وحول العالم هذه المطالب شرعية أخلاقية وقانونية، وربما ينظر البعض إلى تلك النقلة على أنها لا تعني أن حصارا شاملا قد تم فرضه بالفعل، لكنها تعني أن البنية التحتية للضغط باتت جاهزة وأن اليوميات السياسية الغربية تقبل لأول مرة منذ عقود نقاشا جديا حول عقوبات صارمة على إسرائيل إذا استمرت الانتهاكات ولم تحترم القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني.