صرف وقود بلا ضوابط ومعدات معطلة.. تفاصيل تجاوزات جسيمة كشفها تقرير رقابي بحملة ري شرق قنا| عاجل
حصل "الرئيس نيوز" على نسخة من التقرير الرقابي الصادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات بقطاع الموارد المائية والري بمحافظات قنا والأقصر وأسوان، والذي وجّه رسميا إلى رئيس الإدارة المركزية للموارد المائية والري بقنا، تضمن سلسلة واسعة من الملاحظات والمخالفات المالية والفنية وإهدار للمال العام داخل الحملة الميكانيكية بالإدارة العامة لري شرق قنا، تمتد من أسلوب صرف الوقود، إلى تعطل المعدات، وعدم تجهيز أوامر تشغيل سليمة، وحتى غياب التسويات المحاسبية للكروت الذكية، الأمر الذي يكشف عن خلل هيكلي في إدارة الأسطول الحكومي وقد يحمّل الدولة مبالغ مالية ضخمة كان يمكن تجنبها.
التقرير الذي أُعد بمعرفة أعضاء الجهاز، وجه إنذارا صريحا بضرورة الرد خلال شهر واحد وفقا لأحكام قانون الجهاز رقم 144 لسنة 1988، وهو ما يعكس حساسية الملف وخطورته، خاصة مع وجود مخالفات تمتد لسنوات، وأخرى تتعلق بصرف كميات وقود بدون خط سير، وصرف فوق السعة اللترية، ومخالفات فنية تتعلق بتعطل معدات منذ عام 2019 دون تحرك لإصلاحها أو تقييم جدواها الاقتصادية.
أولا: صرف وقود بالمخالفة للضوابط.. كميات بلا خط سير وصرف في أيام العطلات
أبرز ما كشفه التقرير هو قيام المختصين بالحملة الميكانيكية بصرف 8736 لترًا من الوقود بقيمة 126،672 جنيها لعدد من السيارات، بدون أوامر تشغيل، أو بلا خطوط سير، أو في أيام الجمعة والسبت، أو في أوقات لا تتوافق مع أوامر الشغل.
ويشير التقرير إلى أن ذلك يأتي بالمخالفة المباشرة لقرار وزير المالية رقم 72 لسنة 2023، والكتاب الدوري رقم 3 لسنة 2023 الصادر عن الهيئة العامة للخدمات الحكومية، واللذين شددا على الالتزام باستخدام الكروت الذكية وربطها بالمعدلات الحقيقية لاستهلاك المركبات.
وتنوعت صور المخالفة بين: سيارات ممونة بلا خط سير مسجل، وتكرار صرف الوقود لنفس المركبة في اليوم الواحد وبفارق دقائق فقط، وتموين في ساعات متأخرة بعد انتهاء خط السير الرسمي، وصرف في أيام الجمعة والسبت دون وجود مأموريات مبررة، واستنفاد كامل الرصيد المخصص للكارت الذكي بصورة متكررة.
التقرير أرفق جدولا طويلا يوضح تاريخ وساعة ومكان كل عملية صرف، مع الإشارة إلى سيارات مثل 2563 ص أ ب، 3728 ص أ ب، 9571 ص أ ب وغيرها، والتي أظهرت عشرات العمليات غير المنضبطة.
خطورة هذه المخالفات، وفق التقرير، أنها تهدر المال العام وتفتح بابا واسعا للتلاعب، خاصة مع غياب الرقابة الفعلية على خطوط السير والمأموريات، في ظل عدم التزام الجهة بنموذجي 8 و9 الخاصين بمراقبة تشغيل المركبات.
ثانيا: صرف وقود بالزيادة عن معدلات الاستهلاك الفعلي.. 1021 لترا إضافيا
ورصد التقرير مخالفة أخرى لا تقل خطورة، وهي قيام الحملة بصرف كميات وقود أعلى من المعدلات الفعلية لاستهلاك عدد من السيارات والمعدات، بالمخالفة للكتاب الدوري رقم 3 لسنة 1996 الذي يحدد قواعد الاستهلاك.
وبلغت الكمية المنصرفة بالزيادة: 1021.3 لتر بقيمة 14،808.85 جنيهًا.
وأورد التقرير أمثلة تفصيلية، من بينها المعدة رقم 2218: فارق 66 ساعة تشغيل، كان معدل استهلاكها المفترض 1056 لترًا، بينما جرى صرف 1550 لترا، ليظهر عجز 494 لترا.
والمعدة رقم 1385: قطعت 1214 كم، وكان استهلاكها المفترض 693.7 لترا، بينما صُرف لها 850 لترا، بفارق 156.3 لترًا.
والسيارة 9643 ص أ ب: قطعت 34،960 كم، ومعدل استهلاكها المفترض 3885 لترا، بينما صرفت المنظومة 4256 لترا، بفارق 371 لترا.
ويؤكد التقرير أن هذه الفروق لا يمكن تفسيرها إلا بغياب الرقابة وعدم وجود معدلات استهلاك معتمدة ومحدثة — وهي مشكلة أخرى وثقها الجهاز.
ثالثا: غياب كامل لتسوية استهلاك الوقود بالكروت الذكية
أشار الجهاز إلى مخالفة محاسبية واضحة، تتمثل في أن الوحدة الحسابية لم تقم بإجراء التسويات الدورية للوقود المنصرف عبر الكارت الذكي، وهو ما يخالف المادتين التنظيميتين الواردتين بقرار وزير المالية 72 لسنة 2023.
وبدلا من إجراء التسوية وفق النظام المحاسبي، اكتفى المختصون فقط بالاطلاع على الرصيد المتبقي في المنظومة دون مراجعة فعلية للمصروفات أو مطابقة مع أوامر التشغيل.
هذه المخالفة تؤدي، بحسب الجهاز، إلى ضياع القدرة على تتبع الفروق بين الاستهلاك الفعلي والمنصرف، وتمنع اكتشاف التلاعب أو الصرف غير المبرر.
رابعا: عدم إعداد معدلات استهلاك للسيارات منذ عام 2020
نقطة محورية أخرى تتمثل في عدم قيام الحملة الميكانيكية بوضع معدلات استهلاك للسيارات منذ عام 2020، بالمخالفة للكتاب الدوري 3 لسنة 1996 الذي يلزم الجهات بمراجعة معدلات التشغيل كل ثلاثة أشهر.
هذا الغياب الكامل للمعدلات يجعل من الصعب — عمليا — تقييم أي تجاوز في استهلاك الوقود أو التحقق من سلامة المركبات، ويُعدّ أحد أهم أسباب تراكم الفروق التي رصدها الجهاز.
خامسا: أوامر تشغيل غير مكتملة.. وغياب البيانات الأساسية للمأموريات
كشف الجهاز أن أوامر التشغيل الصادرة لعدد من السيارات، بينها 2563 ص أ ب و3728 ص أ ب، لا تتضمن نوع المأمورية، أو خط السير، أو البيانات الأساسية التي تتيح احتساب المسافة المقطوعة أو تقييم الاستهلاك.
واكتفى بعض السائقين بكتابة كلمة “مرور”، وهي عبارة عامة لا توضح طبيعة التحرك ولا مدته ولا وجهته.
هذا الإهمال — وفقا للتقرير — يعد مخالفة مالية صريحة ويضعف الرقابة على حركة المركبات، كما يسهل تمرير الصرف غير المبرر.
سادسا: معدات معطلة منذ 5 سنوات دون صيانة أو دراسة جدوى
واحدة من أكثر النقاط خطورة في التقرير تتمثل في تعطل معدات وآليات الحملة لسنوات طويلة دون صيانة أو تقييم، رغم صدور منشور وزارة المالية رقم 2 لسنة 2020 الذي يلزم الجهات بدراسة حالة المعدات قبل اتخاذ قرار بالصيانة أو الإحلال.
ووفق التقرير، توجد معدات معطلة منذ عام 2019، وأخرى معطّلة منذ 5 سنوات كاملة، بينها: جرارات قنا وقوص ودشنا (أرقام متعددة)، وبلدوزر يحتاج إلى صيانة كهرباء، قلاب فورد يحتاج إلى طقم دبرياج كامل وفرامل، معدات أخرى أكد التقرير أن الهندسات ليست في حاجة إليها.
هذا الوضع أدى إلى فقدان الدولة لقدرات تشغيلية كان يمكن الاستفادة منها، وإلى إهدار استثمارات حكومية لم تستغل بالشكل الأمثل.
سابعا: عدم استخدام نماذج التشغيل الحكومية الرسمية (8 و9)
وثق التقرير أن الحملة الميكانيكية لا تستخدم دفاتر أمر التشغيل (نموذج 8) ولا سجل تشغيل المركبة (نموذج 9) الصادرين عن الهيئة العامة للخدمات الحكومية، واللذين يضمنان الرقابة على الحركة واستهلاك الوقود.
وبدلا من استخدام الدفاتر الرسمية ذات الأرقام المسلسلة، لجأت بعض الإدارات إلى طباعة نماذج بديلة غير مختومة، ويستخدم السائقون الأصل والصورة معا دون تسليم الأصول.
المخازن أفادت بوجود رصيد كافي من الدفاتر الرسمية، وهو ما يعني أن الأمر ليس نقص في الدفاتر بل خلل إداري ورقابي.
ثامنا: عدم تجديد تراخيص السيارات.. مركبات منتهية منذ 2024
رصد التقرير عدم تجديد تراخيص عدد من السيارات، منها السيارة 3728 ص أ ب، والتي انتهى ترخيصها في 20 يونيو 2024، مما أدى إلى توقفها عن العمل وفقدان الاستفادة منها.
وذكر التقرير أن ذلك يخالف قرار وزير الداخلية رقم 4 لسنة 1987 والكتاب الدوري 22 لسنة 2023 الذي شدد على ضرورة التزام الجهات الحكومية بتجديد تراخيص مركباتها في المواعيد القانونية.
إن ما كشفه تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول حملة ري شرق قنا من مخالفات رصدها التقرير — من صرف وقود بلا قيود، إلى معدات معطلة لسنوات، إلى أوامر تشغيل غير مكتملة، وعدم وجود معدلات استهلاك — تمثل خسائر مباشرة على المال العام.