الدولار يواجه أسوأ عام منذ 2017.. خبراء يحذرون من ضغوط ممتدة في 2026
واجه الدولار الأمريكي خلال عام 2025 واحدة من أضعف مراحله منذ أكثر من سبع سنوات، بعدما سجل مؤشر الدولار أسوأ أداء سنوي له منذ عام 2017، في ظل تحولات عميقة في مزاج المستثمرين وتراجع واضح في الثقة التقليدية بالعملة الأمريكية.
وأظهر مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة من العملات الرئيسية، تراجعًا تجاوز 10% خلال النصف الأول من العام، في تطور اعتبره محللون إشارة على تغير قواعد التعامل مع الدولار في الأسواق العالمية.
وأوضحت بلومبرج أن هذا التراجع جاء رغم صدور بيانات اقتصادية أظهرت نموًا ملحوظًا في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، ما عكس انفصالًا متزايدًا بين قوة الأرقام الاقتصادية وسلوك المستثمرين.
وأشارت إلى أن الأسواق لم تعد ترى في السياسة النقدية وحدها أداة كافية لدعم العملة، خاصة مع تصاعد التوقعات بخفض إضافي لأسعار الفائدة مع بداية عام 2026.
وركزت رويترز على أن المستثمرين باتوا يراقبون قدرة الاحتياطي الفيدرالي على الحفاظ على توازن دقيق بين كبح التضخم ودعم النمو، في وقت تقلصت فيه خيارات التدخل النقدي مقارنة بالسنوات السابقة، ما زاد من حساسية الدولار تجاه أي إشارات سلبية.
وربطت صحيفة الإندبندنت البريطانية بين ضعف الدولار وحالة الاضطراب التي خلّفتها السياسات التجارية الأمريكية، بعدما فرض الرئيس دونالد ترامب رسومًا جمركية متكررة على عدد من الشركاء التجاريين.
وأكدت الصحيفة أن هذه السياسات غير المستقرة دفعت المستثمرين إلى إعادة تقييم مخاطر الاحتفاظ بالدولار.
وأشارت الإندبندنت إلى أن اليورو والجنيه الإسترليني سجلا ارتفاعات قوية وبلغا أعلى مستوياتهما خلال نحو ثلاثة أشهر، في وقت اتجه فيه المستثمرون إلى الذهب والين الياباني كملاذات بديلة.
وأضافت أن هذا التحول عكس تراجع الدور التقليدي للدولار خلال فترات التوتر السياسي والتجاري.
وكشفت صحيفة إيكونوميك تايمز أن مؤشر الدولار تراجع بنسبة 10.8% خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025، مسجلًا أسوأ أداء نصف سنوي منذ عام 1973.
واعتبرت الصحيفة أن هذا التراجع وجّه ضربة رمزية لمكانة الدولار كعملة ملاذ آمن في أوقات الاضطراب العالمي.
وأوضحت إيكونوميك تايمز أن ضعف الدولار دعم الصادرات الأمريكية عبر تحسين تنافسيتها السعرية، لكنه رفع في المقابل تكلفة الواردات، ما زاد الضغوط التضخمية على المستهلك الأمريكي.
وربطت الصحيفة بين هذا المسار وارتفاع مخاطر التضخم المستورد، خاصة في قطاعات الطاقة والسلع الأساسية.
وسلطت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الضوء على التأثير المتزايد لتراجع ثقة المستهلك في مسار الدولار، بعدما كشفت استطلاعات الرأي بقاء مؤشر الثقة عند مستويات متدنية قرب 52.9 نقطة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الضعف في الثقة عكس قلق الأسر الأمريكية من تباطؤ النمو وارتفاع تكاليف المعيشة.
وأضافت واشنطن بوست أن ارتفاع الدين العام الأمريكي لعب دورًا محوريًا في تقويض الثقة طويلة الأجل، بعدما أثار تساؤلات حول قدرة الحكومة على إدارة التزاماتها المالية دون اللجوء إلى سياسات توسعية قد تزيد الضغوط التضخمية.
وربطت الصحيفة بين هذه المخاوف وتراجع جاذبية الدولار في نظر المستثمرين الأجانب.
وتوقعت جي بي مورجان لإدارة الأصول أن يحتفظ الدولار بمكانته كعملة الاحتياط العالمية الرئيسية، مستندة إلى عمق الأسواق المالية الأمريكية وقوة النظام المصرفي. لكنها حذرت في الوقت نفسه من أن العجز المالي المتزايد وتباطؤ وتيرة النمو قد يبقيان الدولار تحت ضغط مستمر خلال السنوات المقبلة.
وأشارت جي بي مورجان إلى أن أي اضطراب سياسي داخلي، مثل تصاعد الجدل حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي أو التلويح بعزل رئيسه، قد يدفع المستثمرين إلى ردود فعل سريعة وحادة، ما قد يؤدي إلى تراجع حاد في قيمة الدولار.
وأوضح تقرير نشرته صحيفة فاينانس كالت أن صعود الاقتصادات الناشئة وتنامي استخدام العملات الرقمية أضافا تحديات هيكلية أمام هيمنة الدولار. لكنه أكد أن غياب بديل يتمتع بالسيولة والموثوقية نفسيهما جعل استمرار هيمنة الدولار مرجحًا في المدى المتوسط.
وأضاف التقرير أن ضعف الدولار خفف أعباء الديون المقومة بالعملة الأمريكية على الأسواق الناشئة، لكنه في المقابل زاد الضغوط التضخمية داخل الولايات المتحدة، ما عقد مهمة صناع القرار النقدي.
وأكدت منصة فوركس إمباير أن الدولار سيبقى مقيدًا خلال عام 2026 مع ترقب الأسواق لبيانات النمو الأمريكية وتوجهات الاحتياطي الفيدرالي.
وأشارت المنصة إلى أن استمرار ضعف ثقة المستهلك سيزيد الضغوط على العملة، خاصة إذا تباطأ قطاع الاستهلاك.
وحذرت فوركس إمباير من أن أي تصحيح حاد في استثمارات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي قد يوجه ضربة قوية للاقتصاد الأمريكي، وينعكس بشكل مباشر على الدولار، نظرًا لثقل هذا القطاع في أسواق المال.
ويكشف المشهد النقدي العالمي أن الدولار الأمريكي دخل مرحلة اختبار حقيقي بعد سنوات من الهيمنة شبه المطلقة. وتضغط السياسات التجارية غير المستقرة، وارتفاع الدين العام، وتوقعات خفض الفائدة، على العملة الأمريكية بقوة.
وبينما ترجح مؤسسات كبرى مثل جي بي مورجان وفاينانس كالت استمرار دور الدولار لغياب بديل موثوق، يحذر محللون من أن عام 2026 قد يشهد ضغوطًا أعمق، في عالم بات أقل تسامحًا مع الاختلالات وأكثر حساسية للمخاطر.