الأسواق المالية هشّة.. تحركات ترامب قد تُشعل اضطرابات اقتصادية في 2026
رغم التفاؤل الذي أبداه كثير من المحللين بشأن أداء الاقتصاد الأمريكي في عام 2026، خصوصا كونه عاما انتخابيا تقليديا، فإن هذا التفاؤل يتجاهل عاملا واحدا يظل حاضرا بقوة في حسابات المخاطر.
وتقول مجلة نيويوركر إن دونالد ترامب ذاته هو ذلك العامل الأكثر خطورة؛ فبحسب قراءة تحليلية معمقة، لا يكمن الخطر الأساسي في المؤشرات الاقتصادية التقليدية بقدر ما يكمن في قابلية الرئيس لإحداث فوضى مفاجئة تقلب التوقعات رأسا على عقب، وهو نمط أصبح سمة ملازمة لوجوده في البيت الأبيض.
وفي الوقت الراهن، لا تبدو المؤشرات الاقتصادية في صالح ترامب سياسيا. فملف الأسعار والقدرة الشرائية ما زال الهم الأول للأمريكيين، في ظل تضخم عنيد يرفض الانحسار، وتراجع في معدلات النمو مقارنة بسنوات إدارة بايدن الأخيرة.
ويدور النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي في 2025 حول 2% فقط، بينما ارتفعت البطالة من 4% عند مغادرة بايدن السلطة إلى نحو 4.6%. هذه الأرقام تضعف الرؤية الوردية التي يروج لها ترامب عن “ازدهار غير مسبوق”.
ومع ذلك، فإن عام 2026 لا يزال مفتوحا على سيناريوهات أكثر إيجابية. فقد رفع الاحتياطي الفيدرالي وعدد من المؤسسات المالية الكبرى توقعاتهم للنمو، مدفوعين بعدة عوامل، أبرزها استمرار الإنفاق الاستثماري المرتبط بالذكاء الاصطناعي، وتوقعات بمزيد من خفض أسعار الفائدة، إضافة إلى أثر مرتقب لإيرادات الضرائب الناتجة عن قانون “One Big Beautiful Bill”، والتي قد تضيف مئات الدولارات إلى دخل الأسر، ما يعزز الاستهلاك.
وبالفعل، يشير محللون إلى أن قرابة نصف نمو 2025 جاء من استثمارات مرتبطة بالبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وهو اتجاه لا يظهر أي تباطؤ واضح مع دخول العام الجديد.
ولكن المشكلة، كما يشير التحليل، أن هذه العوامل الإيجابية تفترض استقرارا سياسيا وتنظيميا نسبيا، وهو افتراض يصعب الرهان عليه في ظل ترامب. فالتجربة القريبة تثبت أن سياساته التجارية المتقلبة، خصوصا الرسوم الجمركية، كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار.
ويقوم الحديث عن “تخفيف أثر الرسوم” في 2026 على افتراض أن ترامب سيتوقف عن تغيير قواعد اللعبة، وهو أمر لا ينسجم مع سجله السياسي. حتى لو أبطلت المحكمة العليا بعض الرسوم المفروضة بدعوى عدم قانونيتها، فمن المرجح أن تلجأ الإدارة إلى مسارات قانونية بديلة، ما يعني جولة جديدة من عدم اليقين، لا سيما للشركات الصغيرة.
وتمثل الهدنة الحالية في الحرب التجارية مع الصين مثالا آخر على هذا الغموض. صحيح أن واشنطن خففت بعض القيود التكنولوجية، وسمحت بتصدير شرائح متقدمة مقابل حصة من العائدات، لكن استمرار هذا المسار يظل مرهونا بمزاج الرئيس وتقييمه الشخصي لسلوك بكين. وأي تعثر في المفاوضات قد يدفعه سريعا للعودة إلى سياسة التصعيد، وهو ما يعيد شبح الصدمات التجارية.
إلى جانب التجارة، تبرز سوق العمل كمصدر قلق متزايد. فمعدل خلق الوظائف تراجع بشدة مقارنة بالعام الماضي، بل إن تقديرات الاحتياطي الفيدرالي تشير إلى أن الأرقام الرسمية قد تكون مبالغا فيها.
حتى قطاع التصنيع، الذي يفترض أن يكون المستفيد الأكبر من الرسوم الجمركية، فقد عشرات الآلاف من الوظائف.
في الوقت نفسه، تتصاعد المخاوف من أن الذكاء الاصطناعي لا يخلق وظائف بقدر ما يلغيها، وهو قلق شعبي واسع النطاق قد يتحول إلى عبء سياسي ثقيل.
أما الأسعار، فلا يزال ترامب يتحمل جزءا كبيرا من مسؤوليتها. فالرسوم الجمركية رفعت كلفة سلع أساسية، بينما ساهمت سياسات الترحيل الواسعة في خلق نقص بالعمالة في قطاعات خدمية، ما رفع الأجور والتكاليف.
ومع اقتراب الانتخابات النصفية، سيجد الديمقراطيون في هذه الملفات مادة جاهزة للهجوم، خصوصا مع انتهاء دعم التأمين الصحي الموسع لملايين الأمريكيين دون بديل واضح.
الخطر الأكبر، ربما، يكمن في الهشاشة المالية. فالأسواق شهدت صعودا حادا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بتوقعات متفائلة واستدانة متزايدة. وفي ظل عجز مالي يقترب من 6% من الناتج المحلي، يصبح النظام المالي أكثر عرضة للصدمات.
هذه الهشاشة تتفاقم مع مساعي ترامب لتقويض استقلال الاحتياطي الفيدرالي، سواء عبر تعيين شخصيات موالية أو الضغط العلني لخفض الفائدة إلى مستويات غير واقعية. مجرد المساس بثقة المستثمرين في استقلالية الفيدرالي قد يكون كافيا لإشعال اضطراب واسع.
واختتمت المجلة تحليلها بالقول: "قد ينجو الاقتصاد الأمريكي من عام آخر من “ترامب رجل الرسوم”، لكن احتمالات الاضطراب تظل مرتفعة. المشكلة ليست في المؤشرات وحدها، بل في عنصر عدم اليقين الذي يجسده الرئيس نفسه.
ومع اقتراب انتخابات 2026، يأمل الجمهوريون أن تكون أسوأ موجات الفوضى الاقتصادية قد انتهت، غير أن التجربة تشير إلى أن الرهان على هدوء ترامب يظل دائما رهانا محفوفا بالمخاطر".