< كيف يقوض «التفوق العسكري النوعي» لإسرائيل المصالح الأمريكية؟
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

كيف يقوض «التفوق العسكري النوعي» لإسرائيل المصالح الأمريكية؟

الرئيس نيوز

على مدار عقود، تلتزم الولايات المتحدة بسياسة ثابتة تقوم على ضمان ما يُعرف بـ"التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل، أي تفوقها العسكري النوعي والتكنولوجي على جميع دول الشرق الأوسط مجتمعة. 

هذه السياسة، التي صُممت في الأصل بوصفها أداة لتحقيق الاستقرار الإقليمي وحماية حليف استراتيجي، باتت اليوم موضع تساؤل متزايد داخل الأوساط البحثية والسياسية الأمريكية، إذ يرى منتقدوها أنها لم تعد تخدم المصالح الأمريكية، بل تسهم في تعميق سباقات التسلح، وإضعاف فرص الحلول الدبلوماسية، وتقويض الاستقرار طويل الأمد في المنطقة، وفقا لمجلة ريسبونسبل ستيتكرافت الأمريكية.

جذور المفهوم: من الردع إلى الهيمنة

تعود فكرة التفوق العسكري النوعي إلى سبعينيات القرن الماضي، حين سعت واشنطن بعد حرب أكتوبر 1973 إلى طمأنة إسرائيل بأن أي تسوية سياسية أو انفتاح أمريكي على الدول العربية لن يكون على حساب أمنها. 

في عام 1981، جرى تكريس هذا المفهوم رسميًا خلال إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، حين أكدت الخارجية الأمريكية أن الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري يُعد ركيزة أساسية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

ومع مرور الوقت، لم يعد التفوق مجرد ضمان دفاعي، بل تحوّل إلى مبدأ مؤسسي ملزم للإدارات الأمريكية المتعاقبة، تُبنى عليه قرارات بيع السلاح، وتُقاس من خلاله علاقات واشنطن العسكرية مع الدول العربية.

من سياسة إلى قانون ملزم

جاء التحول الأخطر في عام 2008، عندما جرى إدخال مفهوم التفوق العسكري النوعي في صلب التشريع الأمريكي. 

فقد نصّ قانون نقل السفن الحربية على تعريف قانوني واضح للتفوق، يقوم على قدرة إسرائيل على هزيمة أي تهديد عسكري تقليدي محتمل من دولة أو مجموعة دول، أو حتى من جهات غير حكومية، مع تكبّد أقل قدر ممكن من الخسائر.

وبموجب هذا الإطار القانوني، أصبحت أي صفقة سلاح أمريكية لدولة في الشرق الأوسط مشروطة بتقييم دقيق يضمن عدم المساس بتفوق إسرائيل، بل والتأكد من أن تل أبيب قادرة على تحييد أي قدرات عسكرية جديدة تُمنح لجيرانها.

التطبيق العملي: كيف تعمل الآلية؟

عمليًا، تُخضع وزارة الخارجية الأمريكية جميع صفقات السلاح في المنطقة لمراجعات أمنية سرّية، تشارك فيها وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات والقيادات العسكرية. 

كما تُمنح إسرائيل دورًا غير مباشر في هذه العملية، إذ تقدّم بانتظام تقييماتها الخاصة للأسلحة التي تعتبرها تهديدًا لتفوقها.

وعندما ترى واشنطن أن صفقة ما قد تُخلّ بهذا التفوق، فإنها تلجأ إلى واحد من ثلاثة خيارات:
إما تعويض إسرائيل بأسلحة أو تقنيات أكثر تطورًا، أو فرض قيود على نوعية السلاح أو كميته أو طريقة استخدامه لدى الدولة العربية، أو إلغاء الصفقة بالكامل، حتى لو كانت تخدم مصالح أمريكية أوسع.

نتائج عكسية على المصالح الأمريكية

وفقا لتحليل مجلة ريسبونسبل ستيتكرافت، فإن هذه السياسة خلقت سلسلة من النتائج غير المقصودة. فمن جهة، ساهمت في تغذية سباقات تسلح إقليمية، إذ تسعى الدول العربية لتعويض القيود الأمريكية عبر التوجه إلى موردين آخرين مثل الصين وروسيا وأوروبا. 

ومن جهة أخرى، قلّصت قدرة واشنطن على استخدام صفقات السلاح كأداة نفوذ سياسي، بعدما باتت تُنظر إليها كوسيط منحاز لا كشريك أمني متوازن.

الأخطر من ذلك أن التفوق المضمون يقلل من حوافز إسرائيل للانخراط الجاد في الدبلوماسية، ويشجعها على الاعتماد المفرط على القوة العسكرية كحل أولي للنزاعات، وهو ما يزيد من معدلات التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.

مقاتلات الجيل الخامس: جدل لا ينتهي

أعاد الجدل حول بيع طائرات مقاتلة متقدمة للسعودية أو الإمارات إحياء النقاش حول جدوى التفوق العسكري النوعي. فبينما ترى واشنطن في هذه الصفقات وسيلة لتعزيز شراكاتها الإقليمية ومواجهة خصومها، تصرّ إسرائيل وجماعات الضغط المؤيدة لها على أن أي توازن جديد يُعد تهديدًا مباشرًا لتفوقها.

ووفق المجلة، فإن الإصرار على هذا النهج قد يدفع حلفاء واشنطن العرب إلى إعادة النظر في اعتمادهم الاستراتيجي على الولايات المتحدة، وهو ما يتناقض مع أهداف السياسة الأمريكية المعلنة.

تشير ريسبونسبل ستيتكرافت إلى أن التحولات التكنولوجية، وانتشار الأسلحة منخفضة الكلفة وعالية التأثير، تجعل من فكرة التفوق العسكري الدائم وهمًا استراتيجيًا. فالتاريخ الحديث يثبت أن التفوق التقني لا يمنع نشوء تهديدات غير تقليدية، ولا يحسم الصراعات السياسية المعقدة.

وترى المجلة أن البديل الحقيقي لا يكمن في تعزيز الهيمنة العسكرية، بل في إعادة توجيه السياسة الأمريكية نحو الدبلوماسية، وتقليص الاعتماد على القوة، ودعم تسويات سياسية عادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، باعتبارها مفتاح الاستقرار الإقليمي.