< هل تخطط إثيوبيا لاستخدام سد النهضة كورقة ضغط ضد مصر والسودان؟ خبراء يوضحون| عاجل
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

هل تخطط إثيوبيا لاستخدام سد النهضة كورقة ضغط ضد مصر والسودان؟ خبراء يوضحون| عاجل

سد النهضة
سد النهضة

منذ أكثر من عقد، لا يزال سد النهضة الإثيوبي واحدًا من أعقد الملفات السياسية والمائية في إفريقيا والشرق الأوسط، فبينما تصر إثيوبيا على تقديم السد باعتباره مشروعًا «تنمويًا» يهدف إلى توليد الطاقة الكهربائية، تتزايد تساؤلات لدى دول المصب (مصر والسودان)، حول ما إذا كان سد النهضة يمكن أن يتحول إلى أداة نفوذ سياسي أو وسيلة ضغط مائي، خاصة خلال فترات الجفاف أو الفيضان.

وقال الدكتور علاء عبد الله الصادق، أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية، إن هذه التساؤلات لم تعد نظرية أو افتراضية، لا سيما في ضوء التطورات الأخيرة، فقد أدى التشغيل الأحادي للسد إلى اضطرابات مفاجئة في مناسيب المياه داخل السودان، وظهور مؤشرات مقلقة على إمكانية التأثير غير المنسّق في تدفقات النيل الأزرق، ما يعزز المخاوف من استخدام المياه كورقة ضغط إقليمي.

وأوضح الصادق لـ«الرئيس نيوز» أن ما يثير الشكوك من السلوك الإثيوبي لدى دول المصب هو رفض التوقيع على اتفاق ملزم، فعلى الرغم من أن إثيوبيا وافقت مبدئيًا، منذ عام 2015، عبر إعلان المبادئ، على التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، فإن هذا الالتزام ظل حبرًا على ورق، إذ لم تترجم الموافقة إلى اتفاق فعلي.

كما شهدت الفترة الأخيرة تصريحات رسمية إثيوبية متشددة ترفض أي التزام قانوني، أو رقابة دولية، أو مشاركة لمصر والسودان في إدارة السد، ومن هنا يبرز سؤال منطقي: لماذا ترفض دولة تصف مشروعها بأنه «تنموي بحت» وضع قواعد تشغيل واضحة وآمنة؟ لا سيما أن قضايا المياه العابرة للحدود نادرًا ما تخلو من دوافع سياسية أو استراتيجية.

هل يمكن أن يتحول السد إلى أداة ضغط مائي؟

وأشار الصادق إلى أن السيناريوهات المحتملة، خاصة في أوقات الجفاف، تعد الأخطر، حيث يشكّل النيل الأزرق أكثر من 85% من إجمالي المياه الواصلة إلى مصر. وفي حال حدوث جفاف شديد، يمكن لإثيوبيا، إذا رغبت، تقليص كميات المياه المفرغة من السد لصالح التخزين الداخلي، ما يترتب عليه نقص مياه الشرب والري، وتراجع إنتاج الكهرباء من السد العالي، وضغوط اقتصادية مباشرة على مصر والسودان.

وسبق أن حذر خبراء دوليون من أن سدًا بهذا الحجم، في غياب اتفاق ملزم، يمنح إثيوبيا قدرة فعلية على التحكم في شريان حياة يخص أكثر من 150 مليون إنسان، خاصة أن ما شهدته السودان مؤخرًا من ارتفاع وانخفاض مفاجئ في مناسيب النيل الأزرق يُعد مؤشرًا مقلقًا، وليس حادثًا معزولًا.

كما أن التحكم الأحادي في فتح وإغلاق بوابات السد، دون إخطار مسبق لدول المصب، يربك إدارة السدود السودانية، مثل الروصيرص وسنار، ويخلق حالة دائمة من عدم اليقين.

كذلك قد تستخدم إثيوبيا السد كورقة نفوذ لتحسين موقعها التفاوضي، إذ قد ترى أديس أبابا أن امتلاك القدرة على التأثير في تدفق مياه النيل يمنحها أوراق ضغط في ملفات أخرى، مثل الحدود والاقتصاد والنفوذ الإقليمي، إضافة إلى حسابات الداخل الإثيوبي، حيث تواجه الحكومة تحديات داخلية معقدة «عرقية، اقتصادية، وأمنية»، وغالبًا ما تلجأ الأنظمة تحت الضغط إلى خلق صراعات خارجية لتوحيد الجبهة الداخلية.

كيف يمكن لمصر والسودان التعامل مع هذا الواقع؟

إلى جانب غياب تكلفة دولية حقيقية، إذ لم تواجه إثيوبيا حتى الآن عقوبات أو ضغوطًا دولية مؤثرة، ما يمنحها هامشًا واسعًا للمناورة والتصلب في المواقف، يرى الصادق ضرورة التمسك باتفاق ملزم، مؤكدًا أن المطلوب ليس اتفاقًا سياسيًا عامًا، بل إطارًا تقنيًا وقانونيًا واضحًا يضمن التشغيل الآمن ويحمي شعوب المنطقة من التقلبات المفاجئة.

كما شدد على أهمية تدويل الملف بذكاء لا بانفعال، لأن قضية المياه ليست خلافًا سياسيًا عابرًا، بل مسألة وجود، موضحًا أن مصر والسودان تمتلكان أدوات قانونية دولية لم تُستخدم بالكامل بعد، تشمل مجلس الأمن والمحاكم الدولية المختصة بالمياه.

هل تخطط إثيوبيا لاستخدام السد ضد مصر والسودان؟

وأكد أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية أنه لا توجد وثيقة رسمية تثبت نية معلنة، لكن في العلاقات الدولية الأفعال أبلغ من التصريحات. 

وأشار إلى مجموعة من المؤشرات المقلقة، من بينها بناء السد دون استكمال دراسات الأمان الشاملة، وتنفيذ خمس عمليات ملء أحادي، والرفض المتكرر للاتفاقيات الملزمة، والتغييرات المفاجئة في تدفقات المياه، فضلًا عن خطاب سياسي متشدد ومشحون.

وأضاف أن هذه العوامل مجتمعة تجعل التساؤل مشروعًا، والحذر واجبًا، والتحرك ضرورة لا تحتمل التأجيل.