خالد الجندي يوضح قوة التصوير القرآني في سورة الكهف| فيديو
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن التدبر في قوله تعالى بسورة الكهف: «فعسى ربي أن يؤتيني خيرًا من جنتك ويرسل عليها حسبانًا من السماء فتصبح صعيدًا زلقًا أو يصبح ماؤها غورًا فلن تستطيع له طلبًا» ثم قوله: «وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدًا»، يكشف عن دقة التعبير القرآني وقوة التصوير.
واو الفجاءة وسرعة العقاب
وأشار خالد الجندي، خلال حلقة خاصة بعنوان "حوار الأجيال" ببرنامج "لعلهم يفقهون" على قناة "dmc"، إلى أن الآيات تنقل المتدبر فجأة من مشهد النعيم والجنات إلى مشهد الهلاك الكامل دون تمهيد، وهو أسلوب بديع يعكس قدرة القرآن على تصوير المواقف الإنسانية بأعلى درجات التأثير النفسي والمعنوي.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن استخدام واو الفجاءة في قوله تعالى «وأحيط بثمره» يدل على سرعة العقاب الإلهي ومفاجأته، إذ جاء الجزاء مباشرة وبلا فاصل زمني، خلافًا لما لو أُريد مجرد التعقيب باستخدام الفاء، وأن لفظ «أحيط» يفيد القضاء التام من كل الجهات، بمعنى أنه لا فرصة للنجاة، حيث جاء العقاب من السماء، وغار الماء في الأرض، وكل ذلك كان بقدر محسوب ومقدر، مشددًا على أن هذا الأسلوب القرآني يعكس الدقة المتناهية في اختيار الألفاظ وبناء المشهد.
الثمر والزرع.. اختيار الكلمات بعناية
وأشار الشيخ خالد الجندي، إلى أن القرآن اختار كلمة «ثمره» بدلًا من «زرعه»، موضحًا أن الثمر يمثل لحظة اكتمال النعمة وقرب جني المحصول، وبالتالي يكون الألم والحسرة أشد، إذ يأتي الهلاك في ذروة الفرح وانتظار الحصاد، وأن هذا الاختيار يعكس حسًّا فنيًا متقدمًا في التصوير القرآني، حيث يظهر حجم الخسارة النفسية قبل المادية، ويؤكد قدرة القرآن على توصيل المشاعر الإنسانية بأدق تفاصيلها.
وبيّن الشيخ خالد الجندي، أن قوله تعالى: «فأصبح يقلب كفيه» يعكس انقلاب الحال من الكبر والشرك إلى الحسرة والندم، وأن كلمة «أصبح» لا تشير فقط إلى الصباح، بل تعطي إحساسًا بتبدل الحال بعد الصاعقة، وكأن العقوبة وقعت ليلًا وأصبح الإنسان على مصيبته صباحًا، مبينًا أن هذا الأسلوب القرآني يُظهر مهارة القرآن في تصوير المشهد بدقة مذهلة، من خلال الانتقال من تصوير خارجي ليلي إلى تصوير نهاري، ما يبعث أثرًا نفسيًا عميقًا في قلب المتدبر ويوقظ العقل للتفكر في الدروس والعبر.

القرآن.. دقة الألفاظ
واختتم الشيخ خالد الجندي، حديثه بالتأكيد على أن عظمة القرآن تكمن في اختيار ألفاظه بدقة وبناء المشاهد الفنية التي تهز القلوب وتوقظ العقول، مؤكدًا أن التدبر في مثل هذه الآيات يعزز الفهم الروحي والمعرفي، ويعلم الإنسان دروسًا مهمة حول الحذر من الكبر والشرك وأهمية التواضع أمام الله، مشيرًا إلى أن هذه المشاهد القرآنية تعد نموذجًا فريدًا في الجمع بين التعبير اللغوي الدقيق والتصوير النفسي المكثف، مما يجعل قراءة القرآن وتدبره تجربة روحية وعقلية متكاملة.