< وسط قرارات ماكرون المتذبذبة.. بارونات المال في فرنسا يعلنون الطوارئ والرأسمالية تتصدّع من الداخل
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

وسط قرارات ماكرون المتذبذبة.. بارونات المال في فرنسا يعلنون الطوارئ والرأسمالية تتصدّع من الداخل

الرئيس نيوز

تتصاعد المخاوف في باريس من انهيار تدريجي للرأسمالية الفرنسية، وارتفعت الأصوات داخل أروقة الإليزيه والمصارف الكبرى مطالبةً بقرارات حاسمة، حيث أعلن كبار رجال الأعمال حالة الطوارئ في صمت وتكتم بعيدا عن أي تصريحات علنية، ولكنهم أكدوا خلف الأبواب المغلقة أن البيئة الاستثمارية فقدت استقرارها وأن المستقبل بات محفوفًا بالمخاطر، وعبّرت هذه التحذيرات عن قلق عميق من تصدّع داخلي يهدد البنية الاقتصادية الفرنسية، وفقا للطبعة الأسبوعية لصحيفة لوموند.

وأصدرت الحكومة الفرنسية سياسات متناقضة، فخفضت الضرائب على الشركات الكبرى، ورفعت الضرائب على العمال والطبقة الوسطى، وأحدثت هذه الإجراءات فوضى متدرجة.

وأطلقت البنوك الكبرى وشركات الاستثمار تحذيرات غير مسبوقة من انهيار ثقة الأسواق. أعادت بعض الشركات العائلية خططها الاستثمارية، وجمّد آخرون رؤوس الأموال داخل فرنسا.  

وارتفع التضخم إلى مستويات مقلقة، وزادت أسعار الطاقة والغذاء، وتباطأ النمو العالمي، وتعاظمت المخاطر الجيوسياسية في أوروبا والأطلسي، ووصف اقتصاديون الوضع بأنه "ركود كامن"، وأكدوا أن الحكومة اعتمدت سياسات استهلاكية قصيرة المدى لتجنب مواجهة مباشرة مع الرأي العام.  

وصعّدت النقابات العمالية والحركات الاجتماعية ضغوطها على الحكومة، ونظّمت احتجاجات ضد رفع سن التقاعد وزيادة الضرائب على الخدمات العامة.

وأظهرت هذه التظاهرات عمق الهوة بين السياسات الرسمية وتطلعات المواطنين، وزادت حالة عدم اليقين لدى المستثمرين. أعادت المؤسسات المالية والشركات الكبرى هيكلة استثماراتها لتتكيف مع البيئة المتقلبة.  

ارتفاع أسعار الفائدة

ورفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، وربط البنك المركزي الفرنسي سياساته بالنهج الأوروبي العام. ولكن هذا الربط أخفق عمليا في توفير استقرار كافٍ لسوق الائتمان، وزادت الضغوط على الشركات الصغيرة والمتوسطة. وواجهت الحكومة تحديات كبيرة في الحفاظ على نمو مستدام، وازدادت هشاشة البنية الاقتصادية أمام التذبذب السياسي والاجتماعي.  

ويواجه ماكرون معضلة مزدوجة، فاستجاب لمطالب الرأسماليين الكبار الذين مارسوا ضغطًا هائلًا، وحاول في الوقت نفسه كسب دعم المواطنين الذين عانوا من ارتفاع تكاليف المعيشة. 

وصف محللون هذه المرحلة بأنها اختبار للرأسمالية الفرنسية، وأكدوا أنها تكشف هشاشة البنية الاقتصادية أمام التذبذب السياسي والاجتماعي.  

وانتقد فرانسوا بينو، مالك دار الأزياء جوتشي، سياسات ماكرون علنًا، واعتبرها تجاهلًا للفئات الأقل حظًا. عبّر ماثيو بيغاس، رئيس بنك لازارد الفرنسي، عن قلقه من غياب استراتيجية شاملة لمعالجة الفقر والتمييز الاجتماعي، ودعا الدولة إلى تحسين ظروف الضواحي وتوسيع فرص التعليم والدعم الاقتصادي للفئات المهمشة.  

تمويل أطباق عشاء فاخرة

وأثارت الإجراءات الرئاسية جدلًا واسعًا، فموّل ماكرون أطباق عشاء فاخرة وحمام سباحة في القصور الرئاسية، بينما يعاني جزء كبير من السكان من ضغوط اقتصادية يومية. 

وكشف استطلاع لمؤسسة "أوبينيون واي" أن أكثر من نصف الفرنسيين رأوا أن سياسات ماكرون لم تقلل من عدم المساواة، بل ساهمت في تفاقمها. أشار بعض المحللين إلى أن نهج ماكرون القائم على الجدارة والفرص المتكافئة، رغم الجدل، وفر مساحة لمواجهة الشعبوية وخلق فرص عمل جديدة.  

وتدخل فرنسا في الوقت الراهن مرحلة حرجة من إعادة التوازن بين السياسات الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، وواجهت الحكومة خطر ارتكاب أي خطأ قد يؤدي إلى تصدع أوسع في مظلة الأعمال الفرنسية. 

وأكد مراقبون أوروبيون أن باريس لم تنعزل عن التأثيرات الاقتصادية العالمية، وتوقّعوا تفاقم التحديات الداخلية إذا لم تعتمد الحكومة إجراءات واضحة لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي وتحقيق العدالة الاقتصادية.  

وتمثّل الأزمة الراهنة اختبارًا حقيقيًا للرأسمالية الغربية في مواجهة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتزامنة، إذ تقف فرنسا في قلب اختبار تاريخي يحدد مستقبل الرأسمالية الفرنسية، وأظهر أن أوروبا تحتاج إلى صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن الاستقرار والعدالة في القرن الحادي والعشرين.