الصفقات لا الاستراتيجيات.. ملامح نظام ترامب الجديد للشرق الأوسط
منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أخذت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منحى مختلفًا عن المقاربات التقليدية التي اتبعتها الإدارات السابقة. فبدلًا من التركيز على استراتيجيات طويلة الأمد أو على خطاب دبلوماسي متعدد الأطراف، جاء ترامب بأسلوبه المعروف القائم على الصفقات المباشرة والقرارات السريعة، ليؤسس ما وصفته مجلة فورين أفيرز بـ"نظام ترامب الجديد للشرق الأوسط". هذا النظام لا يقوم على رؤية شاملة بقدر ما يقوم على إعادة ترتيب التحالفات وفقًا لمعادلة المصالح الفورية، وهو ما يثير جدلًا واسعًا حول تداعياته على المنطقة، وفقًا لمجلة فورين آفيرز.
صفقة أمنية مع السعودية: تعزيز التحالفات التقليدية
أحد أبرز ملامح النظام الجديد هو الاتفاق الأمني الذي أبرمته واشنطن مع الرياض في نوفمبر 2025، والذي منح السعودية وضع "حليف رئيسي خارج الناتو". هذه الخطوة لم تكن مجرد تعزيز للعلاقات الثنائية، بل جاءت لتؤكد أن ترامب يرى في الخليج ركيزة أساسية لنظامه الجديد. الاتفاق تضمن صفقات تسليح ضخمة، أبرزها بيع مقاتلات شبحية من طراز F-35، إضافة إلى تعاون استخباراتي موسع.
هذا التحالف يعكس عقلية ترامب "الصفقاتية"، حيث تُبنى العلاقات على أساس تبادل المنافع المباشرة: أمن مقابل استثمارات، حماية مقابل صفقات سلاح. لكن في الوقت نفسه، يثير هذا النهج مخاوف من أن تتحول العلاقة إلى مجرد تبادل تجاري، بعيدًا عن أي التزام استراتيجي طويل الأمد.
إدارة الحرب في غزة: دور صانع الصفقات
في نوفمبر، قاد ترامب قمة في شرم الشيخ بمشاركة قادة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ركزت على إنهاء الحرب في غزة. هذه القمة أبرزت رغبة ترامب في لعب دور "صانع سلام"، لكن بأسلوب مباشر وعملي، بعيدًا عن التعقيدات الدبلوماسية. فبدلًا من الحديث عن حلول شاملة أو مبادرات طويلة الأمد، ركز ترامب على وقف إطلاق النار مقابل ضمانات أمنية لإسرائيل وصفقات إعادة إعمار تمولها دول الخليج.
هذا النهج يعكس عقلية رجل الأعمال أكثر من عقلية رجل الدولة، حيث يُنظر إلى الأزمة كفرصة لعقد صفقات سريعة تحقق مكاسب سياسية واقتصادية. لكن منتقدين يرون أن هذا الأسلوب قد يُنتج حلولًا مؤقتة لا تعالج جذور الصراع، بل تؤجل انفجاره إلى وقت لاحق.
إيران: مزيج من الردع والصفقات المشروطة
النظام الجديد لا يغفل إيران، بل يضعها في قلب المعادلة. ترامب اعتمد سياسة مزدوجة: ردع عسكري عبر تعزيز الوجود الأمريكي في الخليج، وضغط اقتصادي عبر العقوبات، مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام صفقات مشروطة إذا قبلت طهران بتقييد برنامجها النووي. هذه المقاربة تختلف عن سياسة "الانخراط الدبلوماسي" التي تبنتها إدارة أوباما، وعن سياسة "الضغط الأقصى" التي تبنتها إدارة بايدن، إذ تجمع بين العصا والجزرة في إطار صفقات محددة.
لكن هذه السياسة تثير مخاوف من أن تتحول إلى لعبة خطرة، حيث قد ترى إيران أن واشنطن تسعى لتطويقها عبر تحالفات أمنية جديدة، ما يزيد احتمالات التصعيد العسكري في الخليج أو عبر وكلاء إيران في المنطقة.
إسرائيل: دعم مباشر ومخاوف كامنة
إسرائيل تُعتبر المستفيد الأكبر من النظام الجديد، إذ حصلت على دعم أمريكي مباشر في حرب غزة، وضمانات أمنية إضافية. لكن في الوقت نفسه، هناك مخاوف داخل إسرائيل من أن يتحول هذا الدعم إلى "حماية استعمارية"، كما وصفت بعض التحليلات في الصحافة الغربية، حيث تُدار الأزمة وفقًا لمعادلة القوة لا وفقًا لرؤية سلام شامل.
هذا الوضع يضع إسرائيل أمام معضلة: فهي تستفيد من الدعم الأمريكي الفوري، لكنها تدرك أن غياب رؤية استراتيجية طويلة الأمد قد يجعلها أكثر عرضة لتقلبات السياسة الأمريكية في المستقبل.
الخليج: مكاسب مشروطة
دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، ترى في النظام الجديد فرصة لتعزيز مكانتها كحلفاء رئيسيين لواشنطن. لكنها تدرك أيضًا أن العلاقة مشروطة بالصفقات المالية والاستثمارية. بمعنى آخر، التحالف مع واشنطن لم يعد قائمًا على التزامات استراتيجية ثابتة، بل على قدرة هذه الدول على تقديم مكاسب اقتصادية وسياسية لترامب. هذا الوضع يثير تساؤلات حول مدى استدامة هذه التحالفات إذا تغيرت الظروف الاقتصادية أو السياسية.
البعد الدولي: فراغ استراتيجي تستغله روسيا والصين
غياب رؤية استراتيجية طويلة الأمد في النظام الجديد يفتح الباب أمام قوى أخرى مثل روسيا والصين لاستغلال الفراغ. فبينما تركز واشنطن على الصفقات السريعة، تسعى موسكو وبكين إلى بناء علاقات طويلة الأمد قائمة على الاستثمار في البنية التحتية والطاقة. هذا التباين قد يُضعف النفوذ الأمريكي على المدى البعيد، حتى لو منحها مكاسب فورية.