< لماذا كثرت التساؤلات والجدل حول الميزانية العامة البريطانية في نوفمبر 2025؟
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

لماذا كثرت التساؤلات والجدل حول الميزانية العامة البريطانية في نوفمبر 2025؟

الرئيس نيوز

في أواخر نوفمبر 2025، أصبحت الميزانية العامة البريطانية، أو ميزانية الخريف (Autumn Budget 2025) محور نقاشات حادة وتساؤلات مكثفة في الأوساط السياسية والاقتصادية والإعلامية، حيث يُقرر وزير الخزانة ريتشل ريڤز إعلانها رسميًا اليوم الأربعاء الموافق 26 نوفمبر أمام البرلمان البريطاني.

هذه الميزانية، التي تأتي كثانية للحكومة العمالية بقيادة كير ستارمر بعد فوزها في الانتخابات التشريعية لعام 2024، ليست مجرد وثيقة مالية روتينية، بل اختبار حاسم لاستقرار الحكومة الاقتصادي وسياسيًا. 

الجدل الذي أحاط بها لم يكن عفويًا، بل ناتجًا عن مزيج من التحديات الاقتصادية المتفاقمة، والتسريبات المتكررة، والضغوط السياسية الداخلية والخارجية، مما أثار تساؤلات حول مصداقية الحكومة وفعاليتها في مواجهة أزمة مالية عميقة. 

وفقًا لتقارير من مصادر غربية موثوقة مثل نيويورك تايمز وريوترز، يُتوقع أن تتضمن الميزانية زيادات ضريبية تصل إلى عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية، مع خفضات في الإنفاق، لسد فجوة مالية تقدر بنحو 20-30 مليار جنيه، في ظل نمو اقتصادي بطيء وديون عامة تتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي. 

هذا التقرير يركز على تحليل أسباب انتشار التساؤلات والجدل، مستندًا إلى تحليلات من وسائل إعلام غربية رصينة، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية.

أولًا، يعود الجدل الرئيسي إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي واجهت الاقتصاد البريطاني خلال عام 2025، والتي جعلت الميزانية تبدو كـ"اختبار للثقة" في قدرة الحكومة على التوفيق بين الاستقرار المالي والنمو. 

كما أفادت نيويورك تايمز في مقال نشر الثلاثاء 25 نوفمبر 2025، فإن ريڤز، التي وُصفت بأنها "أكثر وزراء خزانة عدم شعبية في عقود"، تواجه تحديًا هائلًا بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي الذي انخفض إلى 0.1% فقط في الربع الثالث من العام، بعد نمو قوي في النصف الأول من 2025 جعله الاقتصاد البريطاني الأسرع في مجموعة السبع. هذا التباطؤ، الذي يُعزى جزئيًا إلى ارتفاع التضخم المستمر وارتفاع تكاليف الاقتراض، أثار تساؤلات حول ما إذا كانت التوقعات السابقة لمكتب المسؤولية الميزانية، الجهاز المستقل للتنبؤات الاقتصادية، مفرطة في التفاؤل. 

وفي تقريرها، أشارت نيويورك تايمز إلى أنه من المتوقع أن يخفض توقعات النمو الإنتاجي لكل عام حتى 2029، مما يعني حاجة إلى إجراءات تقشفية أكبر، وهو ما أثار جدلًا واسعًا حول "الثقة في التنبؤات الحكومية". ريوترز، في تغطيتها يوم 25 نوفمبر، أكدت أن هذه التوقعات السلبية، إلى جانب ارتفاع تكاليف الاقتراض، تجعل ريڤز غير قادرة على تحقيق هدفها في توازن الإنفاق اليومي مع الإيرادات الضريبية بحلول 2030، دون زيادات ضريبية كبيرة، مما أدى إلى "فقدان الثقة" لدى المستثمرين في السندات الحكومية، حيث ارتفعت عوائد السندات لـ10 سنوات إلى 4.5%، أعلى مستوى في مجموعة السبع.

وساهمت التسريبات المتعددة والتغييرات السياسية في تعزيز الجدل، مما جعل الميزانية تبدو "فوضوية" وغير موثوقة. كما وصفها رئيس مجلس العموم، ليندسي هويل، في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية، بأنها "ميزانية الهوكي كوكي" (hokey cokey budget)، في إشارة إلى الرقصة البريطانية التي تتضمن الدخول والخروج المتكرر، بسبب تسرب معلومات عن زيادة ضريبة الدخل ثم نفيها لاحقًا، مما أثار اضطرابًا في أسواق السندات. ريوترز، في تقرير يوم 19 نوفمبر، نقلت عن ريڤز قولها إن هذه التسريبات "غير مقبولة"، خاصة بعد تقرير أسبوعي سابق أفاد بتخليها عن خطط زيادة ضريبة الدخل، مما أدى إلى انخفاض أسعار السندات وارتفاع الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته في أشهر. 

هذه التسريبات لم تكن مجرد حوادث، بل أثارت تساؤلات أوسع حول "الشفافية الحكومية"، كما أبرزت الغارديان في تحليلها يوم 25 نوفمبر، حيث أشارت إلى أن الضغط السياسي الداخلي من نواب حزب العمال الذين يخشون فقدان الدعم الشعبي بسبب كسر وعود الانتخابات (مثل عدم زيادة ضريبة الدخل أو التأمين الوطني أو ضريبة القيمة المضافة) دفع ريڤز إلى التراجع عن بعض الإجراءات، ما أدى إلى "فجوة مالية إضافية قدرها 6 مليارات جنيه" ناتجة عن عكس قرارات سابقة مثل إصلاحات الإعانات الاجتماعية ودفعات الوقود الشتوية. هذا الجدل الداخلي أبرز انقسامًا في الحزب العمالي، حيث دعت نواب يسار الحزب إلى إلغاء حد الطفلين في الإعانات، بينما يطالب آخرون بحماية الشركات من زيادات ضريبية إضافية، كما نقلت فاينانشال تايمز.

وثالثًا، أثار الجدل تساؤلات اجتماعية واقتصادية حول تأثير الميزانية على الفئات الضعيفة والنمو الاقتصادي طويل الأمد. الغارديان، في تقريرها يوم 25 نوفمبر، سلطت الضوء على الجدل حول زيادة الأجور الدنيا بنسبة 4.1% إلى 12.71 جنيهًا في الساعة للعاملين فوق 21 عامًا، وزيادة أكبر بنسبة 8.5% للشباب بين 18-20 عامًا، مما يُقدر أنه سيوفر دعمًا لملايين العمال ذوي الدخل المنخفض، لكنه أثار مخاوف من "إخراج الشباب من سوق العمل" كما حذرت مؤسسة ريزولوشن فاونديشن. كما أن تجميد الرسوم الخاصة بالسكك الحديدية لأول مرة منذ 30 عامًا، الذي سيوفر أكثر من 300 جنيه للمسافرين على الطرق الباهظة، وتجميد ضريبة الوقود، يُرى كإجراءات لتخفيف أزمة تكاليف المعيشة، لكنها تُثير تساؤلات حول كيفية تمويلها دون زيادة الدين. 

ومن جانبها، أشارت نيويورك تايمز إلى أن ريڤز ستعلن زيادات ضريبية على الشركات والمنازل ذات القيمة العالية، بما في ذلك إعادة تقييم 2.4 مليون منزل فاخر لزيادة ضريبة المجلس، مما أثار جدلًا حول "العدالة الضريبية"، حيث يُتهم النظام الحالي بالتراجعية لاعتماده على قيم عقارية من عام 1991. ريوترز، في تغطيتها يوم 24 نوفمبر، نقلت عن رؤساء الشركات البريطانية دعوتهم لـ"خيارات صعبة" دون إغراق الأعمال في "موت بألف ضريبة"، مشيرة إلى أن زيادة مساهمات الأمان الاجتماعي للشركات في الميزانية السابقة أدت إلى ارتفاع البطالة، مما يعزز الجدل حول "التوازن بين النمو والتقشف".

ورابعًا، أدى السياق الدولي إلى تضخيم التساؤلات، حيث يُعزى جزء من الأزمة إلى عوامل خارجية مثل حرب أوكرانيا، التعريفات الجمركية الأمريكية تحت إدارة ترامب، وآثار البريكست وكوفيد-19. الإندبندنت، أبرزت كيف أن ديون كوفيد (التي بلغت مئات المليارات) وانخفاض الإنتاجية المزمن، بالإضافة إلى بريكست الذي يُعتبر فشلًا بنسبة 56% بين البريطانيين، يجعلان الميزانية "مطاردة بأشباح الماضي". هذا السياق أثار جدلًا حول "الموثوقية الدولية" للاقتصاد البريطاني، كما حذرت فاينانشال تايمز يوم 23 نوفمبر من أن تأجيل التقشف قد يفقد ثقة المستثمرين، مما يرفع تكاليف الاقتراض أكثر. كذلك، انتقدت نقابات العمال مثل TUC في الجارديان مشروع الميزانية واصفة إياه بأنه "يخنق النمو" بتوقعاته السلبية، مطالبة بمراجعة فورية لدوره، مما أضاف طبقة جديدة من الجدل حول استقلالية الجهاز.

وكما لخصت رويترز، فإن ريڤز تواجه "مثلثًا مستحيلًا": الحفاظ على الوعود الانتخابية، إرضاء المستثمرين، ودعم النمو، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من تباطؤ وديون متراكمة. هذا الجدل، الذي غطته مصادر مثل بي بي نيوز وفاينانشال تايمز بتفصيل، يعكس مخاوف عامة من عودة "التقشف"، لكنه يفتح أيضًا أبوابًا لإصلاحات ضريبية أكثر عدالة، مثل زيادة الضرائب على المقامرة أو المنازل الفاخرة، التي تحظى بدعم شعبي بنسبة تصل إلى 60% وفقًا لاستطلاع موقع يوجوف. ويبدو أنه إذا نجحت ريڤز في التوازن، قد تكون هذه الميزانية نقطة تحول؛ وإلا، قد تُعمق الأزمة السياسية للحكومة العمالية.