< مع دعوة الحرس الإيراني للانتقام.. حزب الله يواجه 4 خيارات مكلفة بعد مقتل القائد العسكري
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

مع دعوة الحرس الإيراني للانتقام.. حزب الله يواجه 4 خيارات مكلفة بعد مقتل القائد العسكري

الرئيس نيوز

لم يكن اغتيال هيثم الطبطبائي، أحد أبرز القادة العسكريين في حزب الله، مجرد ضربة جديدة في سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات الصف الأول في السنوات الأخيرة؛ بل شكّل اختبارًا وجوديًا لقدرة الحزب على الحفاظ على توازن الردع مع إسرائيل في لحظة لبنانية وإقليمية شديدة الاضطراب. فالعملية التي استهدفت قلب الضاحية الجنوبية – المعقل الأكثر تحصينًا للحزب – حملت رسالة مزدوجة: أن إسرائيل مستعدة لتغيير قواعد الاشتباك، وأنها قادرة على ضرب خصومها رغم الإجراءات الأمنية التي يعوّل عليها الحزب. 

ووفقًا لخطاب التحليل السياسي الذي تتناوله صحيفة آراب ويكلي اللندنية، يجد حزب الله نفسه اليوم محاصرًا بين ضغوط حلفائه، وحسابات الداخل اللبناني، وحدود قدرته على الرد دون جرّ البلاد إلى حرب مفتوحة.

يُنظر إلى الطبطبائي باعتباره “رئيس أركان” الحزب في الجبهة العسكرية، ورجل الميدان الذي حافظ على حضوره في الخطوط الأمامية رغم خسارة الحزب عددًا من قياداته خلال المعارك الأخيرة. واغتياله داخل الضاحية الجنوبية شكّل سابقة من نوع جديد، لأنه يثبت أن تل أبيب طوّرت قدرة على اختراق العمق الآمن للحزب، وربما شبكاته الأمنية المعقّدة. وهذا التطور يعزز الاعتقاد بأن إسرائيل لم تعد تخشى توسيع دائرة المواجهة، وأنها ماضية في سياسة “الاستهداف النوعي” للقيادات التي تشكل العمود الفقري للقدرات العسكرية للحزب.

وفي أعقاب الاغتيال، وجد حزب الله نفسه أمام أربعة خيارات رئيسية، جميعها مكلفة.

الخيار الأول: الرد العسكري المباشر.
يمكن للحزب أن يلجأ إلى إطلاق صواريخ على العمق الإسرائيلي أو استهداف مواقع عسكرية على الحدود. هذا السيناريو يمنحه فرصة استعادة صورة الردع، لكن تكلفته عالية جدًا، إذ قد يدفع إسرائيل إلى حرب واسعة على جبهات عدة. ولبنان – المتعب اقتصاديًا ومنهك سياسيًا – غير قادر على تحمل تداعيات حرب بهذا الحجم. كما يدرك الحزب أن جبهته الداخلية لم تعد صلبة كما كانت في السابق في ظل احتقان اجتماعي واقتصادي متصاعد.

الخيار الثاني: الرد غير المباشر عبر الحلفاء.
هذا الخيار، الذي ينسجم مع استراتيجية “المعركة بين الحروب”، يتيح للحزب توجيه ضربة لإسرائيل دون تحمل العبء الكامل. ويمكن أن يشمل تفعيل الحوثيين في اليمن، أو مجموعات مرتبطة بإيران في سوريا والعراق. لكن توسيع رقعة المواجهة يهدد بإشعال المنطقة، وهو ما لا ترغب به القوى الدولية التي تضغط لضبط الإيقاع الإقليمي، خصوصًا في ظل التوترات بين واشنطن وطهران.

الخيار الثالث: الرد الرمزي أو المؤجل.
قد يكتفي الحزب بعملية محدودة، أو ببيان سياسي يمنح الانطباع بأنه حافظ على “كرامة الردع” دون أن يجرّ نفسه إلى دائرة التصعيد الواسع. هذا الخيار هو الأكثر واقعية في نظر مراقبين لبنانيين، لأنه يحقق توازنًا بين ضرورة الرد وحسابات الميدان. كما أنه يمنح الحزب وقتًا لإعادة ترتيب صفوفه بعد الضربة التي تلقّاها في رأس هرم القيادة العسكرية.

الخيار الرابع: الامتناع عن الرد.
رغم أنه الخيار الأكثر كلفة معنويًا، إلا أن الحزب قد يلجأ إليه مؤقتًا إذا رأى أن الظروف لا تسمح بأي مغامرة. الامتناع عن الرد يسمح للحزب بإعادة بناء قدراته التي تضررت خلال الحرب الأخيرة، لكنه يترك صورته كقوة ردع عرضة للتشكيك، ما قد يشجع إسرائيل على تنفيذ اغتيالات إضافية.

هذه الخيارات لا تنفصل عن الضغوط الداخلية والخارجية. ففي الداخل اللبناني، تتزايد الأصوات التي تطالب بنزع سلاح الحزب، مستندة إلى حقيقة أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة أظهرت أن الحزب لم يعد قادرًا على حماية قياداته. وفي ظل أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ عقود، يخشى اللبنانيون من أن يدفعوا ثمن أي مواجهة جديدة. أما على الضفة الإقليمية، فقد دعا الحرس الثوري الإيراني إلى “انتقام مناسب”، وهو ما يضع الحزب تحت ضغط مباشر من داعمه الأساسي لإظهار رد قوي يحفظ تماسك محور المقاومة.

أما المجتمع الدولي، فيراقب التطورات بحذر بالغ، لأن أي تصعيد جديد قد يهدد بتفجير استقرار الشرق الأوسط في وقت تتصاعد فيه التوترات في البحر الأحمر والعراق وسوريا. وتخشى العواصم الغربية أن يؤدي انفجار جبهة الجنوب إلى انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة اللبنانية، ويعرقل أي مسار محتمل للحل السياسي.

ترتب على اغتيال الطبطبائي تغيير قواعد اللعبة. فحزب الله يواجه اليوم معادلة مربكة: إذا رد بقوة، تغرق المنطقة في حرب لا يريدها أحد؛ وإذا لم يرد، تتآكل صورته كقوة ردع ويبدو وكأنه فقد السيطرة على أهم أوراق قوته. لذلك يبدو أن الحزب يسير فوق خط دقيق بين التصعيد المحسوب وتجنب الانفجار الكبير، في وقت تُعاد فيه صياغة موازين القوى بينه وبين إسرائيل بطريقة قد تحدد شكل المرحلة المقبلة في لبنان والمنطقة.