< أسامة بديع: استغلال المال السياسي يهدد نزاهة الانتخابات.. والهيئة الوطنية قصرت في الرقابة| حوار
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

أسامة بديع: استغلال المال السياسي يهدد نزاهة الانتخابات.. والهيئة الوطنية قصرت في الرقابة| حوار

أسامة بديع
أسامة بديع

أسامة بديع في حوار مع «الرئيس نيوز»:

  • المشهد الانتخابي الحالي عبثي لم نمر به من قبل
  • تدخل الرئيس بشأن المخالفات الانتخابية يعكس حجم الإرباك الذي يعيشه الجميع
  • الأحزاب الصغيرة والمستقلون بلا فرص حقيقية.. والنظام الانتخابي يحتاج إلى إصلاح جذري لإعادة التعددية
  • الهيئة الوطنية للانتخابات قصّرت في الرقابة على العملية الانتخابية
  • الحركة المدنية وأحزاب المعارضة فشلت في الاتفاق على مرشحين حقيقيين
  • الأحزاب بحاجة لإعادة هيكلة شاملة وبناء كوادر حقيقية

قال أسامة بديع، الباحث السياسي، إن المشهد الانتخابي الحالي يشهد حالة من التخبط غير المسبوقة، مؤكدًا أن تدخل الرئيس نفسه لمتابعة المخالفات في المرحلة الأولى يعكس حجم الإرباك الذي يعيشه الجميع، من مواطنين ومرشحين وأحزاب.

وأضاف بديع في حوار مع «الرئيس نيوز»، أن أبرز المخالفات التي رصدها تشمل استغلال المال السياسي، وتجاوزات الدعاية الانتخابية، وتحالف أحزاب كبيرة للسيطرة على القوائم الوطنية، مما أضعف فرص الأحزاب الصغيرة والمستقلين وأثار شكوكا حول نزاهة العملية الانتخابية.

وأشار إلى أن الأزمة لا تتوقف عند الانتخابات فقط، بل تشمل الأزمة الحزبية بأكملها، مؤكدًا أن الأحزاب تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة لتكون قادرة على الدفع بكوادر حقيقية، وتطوير قوانينها ولوائحها، وضمان مشاركة أوسع وأكثر نزاهة في المستقبل.

وإلى نص الحوار:

كيف تُقيّم المشهد الانتخابي الحالي، خصوصًا مع انطلاق المرحلة الثانية من مجلس النواب؟

من الواضح أن المشهد كله مرتبك؛ هناك حالة من التخبط، والجميع في حالة انتظار وترقب، خصوصًا بعد تصريحات الرئيس ومناشدته الهيئة الوطنية للانتخابات بأنها تبحث وتفحص ما وصل إليها من مخالفات في المرحلة الأولى. المواطن نفسه في حالة ترقب، والقوى السياسية في حالة ترقب، والمرشحون ومنظمات المجتمع المدني، الجميع في حالة ترقب وانتظار، لأن المشهد الحالي هو مشهد عبثي لم نمر به بالشكل الذي يحدث الآن من قبل.

ولأول مرة، يتدخل رئيس الجمهورية نفسه ليقدّم ملاحظات وتوصيات للهيئة الوطنية للانتخابات بضرورة فحص الطعون والمخالفات التي وردت إليها في المرحلة الأولى. وليس المشهد الانتخابي وحده هو بداية الارتباك أو التخبط؛ البداية الحقيقية هي منذ وضع قانون الانتخابات والاستمرار في نظام القائمة المغلقة المطلقة. من هنا بدأت حالة التخبط؛ فهذا هو الأساس الذي يجب إعادة النظر إليه بعين الحكمة والتعقّل، إذا كنا نريد بالفعل أن نبني مؤسسات حقيقية تقوم بدورها وتساهم في بناء هذا الوطن، لا أن تصبح عبئًا على المواطن والنظام نفسه.

ما أبرز المخالفات والتجاوزات التي لاحظتها حتى الآن؟

المخالفات بدأت قبل بدء التصويت في العملية الانتخابية. فمن البداية، اتفقت مجموعة من الأحزاب على عمل قائمة مغلقة مطلقة، مستغلة مواردها وعلاقاتها وتواجدها لإزاحة الأحزاب الصغيرة من المشهد السياسي. هذه بداية المخالفات؛ فقانون الانتخابات نفسه جاء على عكس رغبة العديد من القوى السياسية التي أوصت، من خلال جلسات الحوار الوطني، أن يكون النظام مزيجًا بين الفردي والقائمة النسبية أو يجمع بين الأنظمة الثلاثة للحفاظ على النسب الدستورية، لكن في النهاية القانون خرج بهذا الشكل على عكس التوصيات ورغبة القوى السياسية.

بالنسبة للمخالفات والتجاوزات، أنا مثل وغيري كثير من المتابعين للشأن العام، تبعنا ورصدنا ما حدث في المرحلة الأولى من مخالفات: سواء من حيث استغلال المال السياسي، مخالفات الدعاية الانتخابية، تجاوز السقف المالي المقرر، الالتفاف حول إرادة الناخبين، استغلال الحاجة والظروف الاقتصادية لتوجيه الناخبين نحو اختيار مرشح معين. ثم ظهور قائمة واحدة فقط تتنافس وحدها وتحصل على المقاعد بالتزكية وتمثل 50% من المجلس… وهذه كارثة في حد ذاتها، لأن القائمة تم هندستها وتفصيلها بشكل معين دون معايير أو آليات للاختيار، مما نتج عنه وجود كثيرين من المرشحين لم يسبق لهم العمل السياسي أو العام، ولا يمتلك الكثير منهم أي خبرة تؤهله للتشريع والرقابة والمحاسبة ومناقشة الموازنة. فمن المستفيد من وجود مجلس بهذا الشكل؟

هل هناك مظاهر لترسيخ النفوذ الحزبي أو المالي في الانتخابات؟

نعم، هذا واضح وبشكل كبير. اثنا عشر حزبًا اتفقوا على أن يكونوا هم فقط الممثلين في البرلمان دون غيرهم، وذلك عن طريق تكوين قائمة وطنية مغلقة، اشتركوا فيها مع بعضهم، متجاهلين إتاحة الفرصة لوجود تعددية حزبية حقيقية تسمح بالتنوع والاختلاف. كما دفعوا بمرشحين على معظم الدوائر الفردية بتحالف واحد، مما ألغى تكافؤ الفرص بين مرشحيهم ومرشحي الأحزاب من خارج التحالف وأيضًا المستقلين. فمعظم المنافسين، على الرغم من تأثيرهم وتواجدهم على الأرض بشكل قوي، إلا أن فرصهم في النجاح تكاد تكون معدومة لأنهم ببساطة لا يمتلكون نفس الكفاءة المالية أو الدعم المادي والمعنوي والأدبي.

سمعنا عن كثير من الحالات التي كان معيار اختيار المرشحين فيها، سواء في القائمة أو الفردي، هو القدرة المالية. بعض الأحزاب جعلت المال هو المعيار الأساسي لاختيار مرشحيها. حتى داخل الأحزاب، أصبح معيار المال هو الأساس لدى عدد كبير من الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية.

كيف ترى دور الهيئة الوطنية للانتخابات في ضمان نزاهة العملية الانتخابية؟ وهل تلاحظ قصورًا في الرقابة؟

بالتأكيد هناك قصور في الرقابة، وإلا لما تدخل الرئيس بنفسه في هذا الأمر. الهيئة الوطنية كان ينبغي أن يكون دورها أقوى بكثير فيما يتعلق بالإعداد للانتخابات، وتدريب من يُناط بهم الإشراف والمتابعة، خاصة في الجوانب الفنية المتعلقة بحقوق وواجبات المرشحين ووكلائهم ومندوبيهم، منذ بدء العملية الانتخابية وحتى الفرز.

كان يجب على الهيئة أن تُدرّب الفريق المعاون لها والمشرف على العملية الانتخابية، وأن تضع ضوابط واضحة وتراقب الصرف على الدعاية الانتخابية. كما كان عليها أن تُعدّ جيدًا للتعامل مع الصحافة والإعلام والإعلام الأجنبي، وأن تُهيّئ مناخًا منظمًا يضمن مرور العملية الانتخابية بسلام، حتى لا نرى الاضطراب والتضارب في البيانات، وهو أحد الأسباب الرئيسية لارتباك المشهد.

ما تقييمك لتمثيل القوى السياسية المختلفة في القوائم الانتخابية؟

النظام الانتخابي وضع الجميع في مأزق. لا يوجد حزب قادر على المنافسة بقائمته وحده. الأحزاب الصغيرة، وخصوصًا المعارضة، تفتقر إلى الإمكانيات المادية والكوادر. أزمة الأحزاب ممتدة وعميقة، وقد نتحدث عنها في مجلدات.

من الطبيعي أن تتجمع الأحزاب لتكوين قائمة، لكن غير الطبيعي أن يتم الاستقواء على المشهد السياسي وألا تُمنح فرصة للمستقلين ولا لمرشحي الأحزاب في بعض الدوائر. مجموعة من الأحزاب اتفقت على الحصول على حصص كبيرة، وإقصاء الآخرين.

الرهان الحقيقي كان على أحزاب المعارضة، لكن للأسف لم توفق؛ كنت أتمنى أن تجتمع أحزاب المعارضة وتستطيع أن تصنع فارقًا عن طريق العمل على إخراج قانون الانتخابات بشكل يسمح بالتعددية ويتيح الفرص الحقيقية للمنافسة، والتصدي لنظام القائمة المغلقة، خصوصًا وأن بعض هذه الأحزاب كان ممثلًا في مجلس أمناء الحوار الوطني، أو على الأقل محاولة تشكيل تحالف انتخابي قوي يستطيع منافسة أحزاب القائمة الوطنية سواء على مقاعد القائمة أو المقاعد الفردية. لكن للأسف، أحزاب المعارضة تحتاج جميعها إلى إعادة هيكلة وطرح نفسها من جديد.

ما توقعاتك للمرحلة الثانية من الانتخابات؟ هل ستغيّر نتائج المرحلة الأولى أم أنها امتداد للمشهد نفسه؟

لا أعتقد أن المرحلة الثانية ستختلف كثيرًا عن المرحلة الأولى. قد يكون هناك اختلاف في التكتيك بالنسبة لمرشحي التحالف (الممثلين في القائمة الوطنية)، لكن في الجوهر والمضمون أعتقد أننا سنرى نفس الممارسات بصور مختلفة وتكتيك مختلف.

لكن المشكلة ليست في المرحلة الأولى أو الثانية، بل في المشهد السياسي كله. ما حدث في المرحلة الأولى مؤشر على أن العملية برمتها تحتاج إلى إعادة نظر؛ فالمجلس فقد شرعيته قبل أن يبدأ، لأن الانتخابات نفسها فقدت شرعيتها.

قد يتم تلافي جزء من الأخطاء في المرحلة الثانية، لكن المشكلة الآن هي وجود أمر واقع: القائمة الوطنية نجحت في المرحلة الأولى وتمثل 50% من المقاعد في هذه المرحلة. وهناك حالة من اللغط والاستياء نظرًا لكثرة المخالفات الدستورية والقانونية التي جرت على أساسها الانتخابات.

إعادة الانتخابات في 19 دائرة خطوة جزئية، مجرد عملية "ترقيع"، لكنها لا تمس جوهر الأزمة. نحن أمام مخاطر تتعلق بشرعية البرلمان ومصداقيته وقراراته المستقبلية. لذلك، الفرصة ما زالت قائمة لإعادة النظر في العملية الانتخابية كاملة، وهو أفضل بكثير من انعقاد مجلس قد تُطعن شرعيته ويُحكم ببطلانه لاحقًا.

برأيك، ما الذي يجب أن يتغير لضمان مشاركة أوسع ونتائج أكثر نزاهة؟

المطلوب أولًا إعادة بناء القوانين المنظمة للحياة السياسية، وذلك عن طريق إلغاء النظام الانتخابي الحالي، وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، وأيضًا قانون تقسيم الدوائر. النظام الانتخابي يحتاج إلى إصلاح جذري، والانتقال إلى القائمة النسبية لتعزيز تمثيل الأحزاب وتحقيق منافسة حقيقية.

القائمة المغلقة في حال وجود أكثر من قائمة تهدر أصوات 49% من الناخبين، لكن لأسباب كثيرة كان هناك صعوبة في وجود أكثر من قائمة، وبالتالي أصبح لدينا 50% من أعضاء البرلمان شبه معينين، وهذا غير منطقي، فنصف المجلس أصبحوا "نواب دون منافسة". فأين المنطق في هذا؟ لا يوجد برلمان بدون منافسة، والمنافسة تحتاج إلى مناخ آمن، وقانون عادل، ودائرة انتخابية مقسمة بشكل يسمح لأي مرشح بالتواصل السلس مع الناخبين، ورقابة حقيقية على الانتخابات من الجهات المعنية، وإتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بمتابعة الانتخابات دون قيود، وغيرها من الأمور.

ما مشاكل الأحزاب، وخاصة المعارضة، وعدم قدرتها على الدفع بكوادر؟ وما آخر التطورات في حزب الإصلاح والتنمية، وكيف ترى قرار فصلك من الحزب؟

دعنا نبدأ من آخر سؤال لأول، بالنسبة لحزب الإصلاح والتنمية، فهناك قضية منظورة أمام القضاء، وكانت الجلسة يوم 15/11 وتأجلت للنطق بالحكم يوم 24/1، وسألتزم بما سيصدر من المحكمة، وسأستفيد كافة حقوقي القانونية في التقاضي.

بالنسبة لقرار فصلي، لم يصدر قرار رسمي بفصلي، وإذا كان هناك قرار، فلم يتم إبلاغي به. من المفترض أن حزب الإصلاح والتنمية من الأحزاب التي تنادي بالديمقراطية وتطالب دائمًا بحرية الرأي والتعبير وحريّة تداول المعلومات، لكنني تفاجأت أنا وكثير من أعضاء الحزب بقرار فصل "عضوين مبهمين"، ولا أعلم من هما وما موقعهما التنظيمي داخل الحزب، وعملت محاولات عبر بعض المواقع الصحفية للتواصل مع الحزب لمعرفة من هما، لكنها فشلت جميعها.

لائحة الحزب تنظم إجراءات الفصل، حيث يجب إجراء تحقيق، ثم توجيه اللوم، أو تجميد النشاط لفترة معينة، ثم الفصل، لكن هذا لم يحدث معي ولا مع أي من الأعضاء المعارضين لسياسة قيادات الحزب.

أعتقد أن فكرة الفصل التعسفي لأعضاء أي حزب سياسي سقطة كبيرة، وقيادات حزب الإصلاح والتنمية أزكى من ذلك، سواء لأبعاد سياسية أو حقوقية أو دولية.

بالنسبة لأزمة الأحزاب عامة، هي أزمة ممتدة وليست مجرد شيء عارض. الأحزاب تحتاج وقفة مع النفس؛ ما حدث في الانتخابات يجب ألا يمر دون حساب، يتحمل الجزء الأكبر منها "أحزاب التحالف"، فغالبية المخالفات حدثت من مرشحي وممثلي بعض أحزاب التحالف، سواء فيما يخص القائمة أو الفردي.

ملف الأحزاب يجب إعادة هيكلته من جديد، وأتمنى أن يكون عام 2026 عام الأحزاب السياسية والإصلاح السياسي. نحن في أمس الحاجة إلى قانون جديد للأحزاب السياسية ينظم عمليات تأسيس الأحزاب ولوائحها وطريقة انتخاب قيادتها وانتقال الأعضاء من حزب لآخر، حتى لا نتفاجأ بموسم الانتقالات الانتخابية مثل ما حدث في هذه الانتخابات.

المال السياسي ينتشر لأن بعض المرشحين لا يمتلكون خطابًا سياسيًا أو قدرة على التأثير في الناخبين، فيستعيضون عنه بالمال. لو كانت هناك أحزاب قوية تُخرج كوادر حقيقية، لما احتاج المرشحون للمال السياسي.

لذلك، المشهد الحزبي برمته يحتاج إلى إعادة نظر، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية إذا كنا نريد حقًا بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وليس مجرد شعارات رنانة ومزايدات لا تحقق أي نجاحات.

هل فشلت الحركة المدنية في الدفع بكوادر وأحزاب المعارضة؟

منذ عام، وبالتحديد في أكتوبر 2024، أرسلت خطابًا للحركة المدنية أحذّر فيه مما يحدث الآن. لكن للأسف، أحزاب المعارضة والحركة المدنية اتفقت على ألا تتفق. لم تستطيعوا الاتفاق على مرشح رئاسي، ولم يتفقوا على موقف موحد من الحوار الوطني، ولا على تشكيل تحالف انتخابي في 2020 أو 2025، وأعتقد أن الحركة المدنية وأحزابها أكثر الكيانات التي تحتاج إلى إعادة ضخ دماء جديدة، وإعادة طرح نفسها مرة أخرى، وإتاحة الفرصة لجيلي الوسط والشباب لقيادة الحركة المدنية والاشتباك في الملفات السياسية المختلفة تحت مظلتها.