< صنّاع فيلم "كان ياما كان في غزة": السينما سلاحنا الأخير في مواجهة محو الذاكرة (حوار)
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

صنّاع فيلم "كان ياما كان في غزة": السينما سلاحنا الأخير في مواجهة محو الذاكرة (حوار)

الرئيس نيوز
  • السيناريو نضج يوم 6 أكتوبر وفي اليوم التالي سقطت غزة تحت النار
  • كتبنا الفيلم ليحفظ الذاكرة لا ليشرح السياسة
  • لم نغيّر كلمة بعد الحرب كأن النص كان يرى الكارثة قبل وقوعها
  • حلمنا التصوير في غزة فبنينا مدينة كاملة تشبهها في مخيم أردني
  • الجندي الذي رفض دوس العلم الفلسطيني لحظة حقيقية أصبحت مشهدًا خالدًا
  • غزة ليست نشرة أخبار بل حياة كاملة لا يريدها العالم أن تظهر
  • السينما أقوى سلاح سردي ومن يخسر روايته يخسر وجوده
  • كل شخصية في الفيلم تحمل وجه غزة: الطيب والشرير والبشع في جسد واحد
  • الجمهور المصري احتضن أسامة وقرأ هشاشته قبل بطولته
  • نحن مجرّد رُواة والحكاية ستبقى دائمًا غزة

في ليلة استثنائية داخل المسرح الكبير بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وقف الجمهور خمس دقائق يصفّق بحرارة لصنّاع الفيلم الفلسطيني "كان ياما كان في غزة"، العمل الذي جاء محمّلًا بروح الحكاية، وقسوة الواقع، وخفة الدم التي لا يعرف سرّها إلا من عاش في قلب هذه الأرض المحاصرة.

بعد العرض، أجرى “الرئيس نيوز” حوارا جماعيا مع المخرجين عرب وطرزان ناصر، والمؤلف عامر ناصر، والممثل مجد عيد، حمل الكثير من الصراحة، والمرارة والأمل أيضًا،  وعن الذاكرة، والفقد، والإيمان، والسينما، وعن غزة التي “يمكن أن تنتهي فيها الحياة في لحظة خاطفة، لكنها لا تتوقف عن مقاومة موتها”.

إلى نص الحوار..

بداية.. كيف بدأت حكاية الفليم؟

عرب ناصر:

بدأت شرارة الفكرة عام 2015. كنا نشعر أن هناك حكاية ما تتشكل داخل غزة، ليست حكاية الحرب كما يرى العالم، بل حكاية الإنسان الذي يعيش يوميًا وسط الحصار والقصف والفقد، ويستيقظ رغم كل ذلك ليحاول أن يجد معنى لحياته، أردنا أن نلتقط التفاصيل الصغيرة، لأنها تحمل في عمقها روح الحكاية الحقيقية.

طرزان ناصر:

لم نكن نبحث عن بطولات، ولا عن مشاهد ضخمة. كنا نريد أرشفة حياة، مجرد حياة، الفلسطيني في غزة يعيش تحت احتلال وحصار وقسوة لا توصف، لكنه رغم ذلك لا يفقد إيمانه ولا روحه، هذا الإصرار هو ما جذبنا لصناعة الفيلم.

لماذا استغرق تطوير السيناريو سنوات طويلة؟

عامر ناصر:

نحن نؤمن أن السيناريو يشبه الثمرة، لا تسقط من الشجرة إلا عندما تنضج، طوال تسع سنوات كنا نكتب ونمزّق ونعود من جديد، كتبنا فيلمين خلال هذه الفترة، وصوّرنا "غزة مونامور"، لكن "كان ياما كان" كان يحتاج وقتًا أطول، أردناه أن يكون صادقًا، وأن يحمل فلسطين كما نراها ونعيشها، لا كما يصوّرها الإعلام.

عرب:

أنهينا النسخة النهائية من السيناريو يوم 6 أكتوبر 2023، شعرنا أنها اللحظة التي وصل فيها النص إلى أقصى نضجه، وفي اليوم التالي بدأت حرب الإبادة على غزة، فانهار كل شيء، أغلقنا النص أيامًا طويلة، كنا عاجزين تمامًا، لكننا أدركنا في النهاية أن التوقف خيانة للحكاية نفسها.

كيف عدتم للعمل بعد صدمة الحرب؟

طرزان:

عدنا للسيناريو وقرأناه بعيون مكسورة، واكتشفنا شيئًا غريبًا، لم نكن بحاجة لتغيير كلمة واحدة، كأن النص كُتب ليواجه هذا الواقع، كأنه انعكاس لمأساة قديمة تتكرر بكل وحشيتها.

عامر:

العالم كان مشغولًا بالحكم على ما يحدث، بالأسئلة السياسية، بالخلافات، لكن الفيلم يسأل السؤال الأعمق: لماذا حدث كل هذا؟، كيف وصل مليونا إنسان إلى لحظة الإعدام الجماعي؟، الفن ليس بيانًا سياسيًا، لكنه قادر على كشف الحقيقة التي يخشاها الجميع.

أين تم تصوير الفيلم؟ وهل كان من المخطط التصوير داخل غزة؟

عرب:

طبعًا كان حلمنا أن نصوّر في غزة، لكنها منطقة محاصرة بالكامل، لذلك بُني لوكيشن كامل يحاكي شوارع غزة داخل أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في عمان، استغرق التحضير أربعة أشهر، وامتد التصوير لأقل من شهر ونصف.

طرزان:

ورغم البعد الجغرافي، الروح كانت غزّية تمامًا، كل من كان في الموقع فلسطيني، معظمهم من غزة أو مخيمات الأردن، كانوا يعرفون كل تفصيله، من رائحة الشارع إلى صوت الباب المعدني، وهذا ما أعطى الفيلم صدقه.

ما التحديات التي واجهتكم أثناء الإنتاج؟

طرزان:

كل شيء كان ضدنا، سياسيًا ولوجستيًا وماديًا، مشاهد كثيرة كانت تحتاج معدات وتقنيات غير متاحة، لكن الأصعب كان المشاهد التي تمس الذاكرة الجماعية، مثل مشهد الطائرة الورقية.

عامر:

على الورق كان مشهدًا ضخمًا، طفل يطير طائرة بألوان العلم الفلسطيني، جيب عسكري بلا سقف يقتحم الساحة، إطلاق نار، أطفال يهربون، لكن لم تكن لدينا إمكانيات التنفيذ، فقررنا أن نحتفظ بالطفل والطائرة فقط، نذهب إلى الجوهر، هشاشة الحياة في مواجهة العنف.

هنا جاءت قصة الجندي الذي رفض دوس العلم الفلسطيني.. ما التفاصيل؟

عرب:

نعم، كنا نبحث عن ممثل يؤدي دور الجندي الإسرائيلي، اخترنا شابًا اسمه “ميشيل زنانيري”، فلسطيني من القدس، يجيد العبرية، وقبل التصوير، وقف أمامنا وقال: "أنا مستعد أن أفعل أي شيء تطلبونه، لكن لا يمكنني أن أدوس العلم الفلسطيني تحت قدمي، سامحوني، أنا فلسطيني، وهذا علم بلادي"، حاولنا إقناعه لكنه رفض تمامًا.

طرزان:

وفي لحظة تخطر على بال مخرجين فقط، نظرنا لبعض وقال عرب: "هذه اللحظة هي المشهد نفسه"، نادى المخرج على مجد عيد: "تعالى، سنعيد بناء المشهد كما حدث بيننا". 

كيف كانت النتيجة؟

عامر:

مع أول لقطة حدثت معجزة صغيرة، الأداء كان حقيقيًا لدرجة أن أهالي المنطقة المحيطة خرجوا إلى الأسطح يصفقون بقوة لأن ميشيل رفض دوس العلم، كان مشهدًا أكبر من السينما، أكبر من الفيلم.

الفيلم يضم ثلاث شخصيات رئيسية.. حدّثونا عنها

طرزان:

الفيلم يقدم ثلاث شخصيات تشبه ثلاثية أفلام الويسترن: الطيب، والشرير، والبشع، لكن في غزة، الجميع طيب وبشع وشرير في الوقت نفسه، لأن الحياة تضغط الإنسان حتى تتغير ملامحه.

عرب:

هم ثلاثة رجال يمكن أن تجد مثلهم في أي مكان، لكن في غزة هم شيء آخر، ضحايا واقع قاس لم يختاروه.

كيف كان استقبال الجمهور المصري لشخصية "أسامة"؟

مجد عيد:

الحقيقة أن رد فعل الجمهور كان مؤثر جدًا، أنا أحببت أسامة من أول قراءة، خفة دمه، هشاشته، خوفه، وإصراره أنه يعيش رغم كل شيء، نهايته كانت منطقية جدًا، لأن غزة لا تمنح نهايات سعيدة بسهولة.

ماذا عن مقارنة الفيلم بـ"غزة مونامور"؟ وهل زادت نجاحاتكم السابقة من إيمانكم بالسينما كسلاح؟

طرزان:

نعم بالتأكيد، السينما اليوم أقوى سلاح سردي، العالم يحارب روايتنا، يحارب ذاكرتنا، يحاول خلق سردية مزيفة عنا، دورنا مقاومة هذا التزييف بالصورة، لا بالكلام.

عرب:

الحرب ليست قذائف فقط، الحرب أيضًا رواية، إذا خسرت روايتك خسرت وجودك.

كيف يختلف فيلم "كان ياما كان في غزة" عن الصورة النمطية التي يعرفها العالم عن غزة؟

عامر:

غزة ليست نشرة أخبار، غزة ليست أرقام ضحايا، غزة ليست تقريرًا عسكريًا، غزة حياة، وهذا ما أردنا تقديمه، ناس تحب، وتضحك، وتتشاجر، وتبحث عن معنى وجودها رغم كل شيء.

مشاركتكم في مهرجان القاهرة… ماذا تعني لكم؟

طرزان:

مهرجان القاهرة له مكانة خاصة لدينا، هو بوابة السينما العربية، السينما الأولى التي صنعت وعي أجيال كاملة، بما فيهم نحن.

عرب:

وأيضًا، هذا أول عرض للفيلم في الشرق الأوسط، كنا متوترين، لكن رد فعل الجمهور المصري منحنا طاقة هائلة.

ماذا تنتظرون بعد هذا العرض؟

عامر:

نتمنى أن يصل الفيلم لكل بيت عربي، لأن غزة اليوم تحتاج من يشاهدها بعين القلب، لا بعين الأخبار.

مجد:

أتمنى أن يرى الجمهور الفلسطيني في الفيلم جزءًا من يومياته، من روحه، من مقاومته الصامتة.

ختامًا.. ماذا تقولون لغزة اليوم؟

عرب:

نقول لها أنتِ الحكاية ونحن مجرد رُواة.

طرزان:

نقول لن نسمح للعالم أن ينسى، لن نسمح للذاكرة أن تُمحى، ولن نتوقف عن سرد قصتك.

عامر:

غزة، كل فيلم نكتبه هو محاولة صغيرة كي تبقي روحك حيّة.

مجد:

غزة، أنتِ المكان الوحيد الذي يعرف كيف يكون الألم جميلًا.