مي سعد وأحمد الدنف مخرجا «ضايل عنا عرض»: سعينا لإبراز حب أهل غزة للحياة رغم الموت| حوار
- مي سعد: الإبادة في غزة دفعتني لصنع فيلم يوثّق بطولة صانعي البهجة تحت القصف
- أحمد الدنف: كنا نعمل بالكشافات ونوثّق حياتنا خوفًا من أن يُمحى كل شيء
- مي سعد: لم أستطع دخول غزة وصورت فيلمًا كاملًا بثقة في صناعه
- صناع العمل: «نريد أن نقول إننا هنا» رسالة فرقة السيرك التي واجهت الحرب بالفن
وسط دمار الإبادة الجماعية في غزة، وبين ركام البيوت والملاجئ المكتظة والأحلام المعلقة، اختارت مجموعة من فناني «سيرك غزة الحر» ألّا يستسلموا لليأس، هنا، يولد فيلم «ضايل عنا عرض» الذي يتتبع رحلة هذه الفرقة، ويقدّم شهادة حيّة على قدرة الإنسان على الدفاع عن الحياة عبر الفن نفسه.

التقى "الرئيس نيوز" مع المخرجة المصرية مي سعد والمخرج الفلسطيني أحمد الدنف، للحديث في حوار خاص عن تجربة صناعة الفيلم، وما يحمله من رسالة تحدٍ وصمود، وكيف تحوّل التهريج واللعب في الشوارع إلى فعل مقاومة.
إلى نص الحوار..
بداية.. كيف بدأت فكرة الفيلم؟
مي سعد:
كنت أتابع الإبادة الجماعية في غزة بشكل يومي عبر شاشة التليفزيونات، دمار شامل، موت في كل زاوية، وأطفال بلا مأوى، وكان الشعور بالعجز طاغيًا، طوال الوقت كنت أفكر في كيفية توثيق ما يعيشه أهل غزة، وكيف يمكن للفن أن يكون شاهدًا على ما يمحى، ثم ذهبت إلى الشركة المنتجة وقلت لهم صراحة: «لا أعرف إن كان ما سأقوم به سيخرج فيلمًا قصيرًا أم طويلًا، أو ربما لا يخرج شيء على الإطلاق، لكن يجب أن نحاول»، وعن طريق صديق صحفي تعرفت على مصور في غزة، هو نفسه مدير التصوير وشريكي في الإخراج لاحقًا، أحمد الدنف، ومن هنا بدأت الرحلة.
ومتى تعرفتِ لأول مرة على فرقة سيرك غزة الحر؟
مي سعد:
كنت أتابع عبر الإنترنت عروض هذه الفرقة التي تقدم عروضًا للأطفال في الملاجئ والشوارع رغم الهجمات المتواصلة، بدا لي الأمر شبه خيال: مجموعة أشخاص يلبسون مناخير مهرج، أو يقفون على أرجل خشبية طويلة، ويقدمون ألعاب الجمباز والتهريج بينما الموت يخيم في الخلفية، قضيت أسبوعًا كاملًا أحاول الوصول إليهم، وفي أول مكالمة، ردّ محمد – مدير الفرقة بصوته الدافئ – وقال لي: «نحن هنا لنثبت أن الحياة لا تزال ممكنة»، فأخبرته أنني من مصر، وأن ما يفعلونه يجب أن يُوثق، ضحك عندما أخبرته أن صورة حسابي كانت لمهرج، وقال: «إذن فأنت واحدة منا»، بعد ثلاثة أسابيع فقط من تلك المكالمة بدأنا التصوير.

الفيلم يتتبع حياتهم اليومية.. هل هو فيلم عن الفرقة أم عن غزة؟
مي سعد:
الفيلم في جوهره يقدّم معايشة يومية لحياة الفرقة، نرصد العروض، لحظات ما قبل الصعود، الكواليس، التحضيرات، ولحظات الهدوء حين ينتهي كل شيء، لكن لا يمكن فصل الفرقة عن غزة، حياتهم لا تُفهم إلا داخل السياق المأساوي الذي يعيشونه، هم يقدمون الفرح في أحلك الظروف، ويواجهون خيارات مستحيلة يوميًا، لذلك الفيلم هو عن الفرقة وعن غزة وعن الإنسان الذي يصر على العيش رغم كل شيء.
هل تمكنتِ من السفر إلى غزة خلال التصوير؟
مي سعد:
حاولت كثيرًا، لكن الحدود كانت مغلقة بشكل شبه كامل، باستثناءات نادرة للفرق الطبية، لم أستطع الدخول لكنني عملت أنا والدنف عن قرب بشكل يومي عبر الإنترنت، رغم انقطاع الكهرباء والاتصالات واستهداف المناطق التي يصوّر فيها، هناك مشاهد كاملة فقدناها بسبب انقطاع الشبكة، وكثير من الإضاءة اعتمدنا فيها على كشافات الهواتف، ومع ذلك، استطعنا، بشكل ما، خلق طريقة للتصوير عن بُعد، كانت الرحلة كلها فعل إصرار.

كيف أثرت الظروف في طريقة صناعة الفيلم؟
مي سعد:
عملنا بإمكانيات بسيطة للغاية، لكن الشيء الأعظم أن كل من شارك في الفيلم – من مهندس صوت، ومونتير، ومساعدين – لم يتقاضوا أي مقابل، الكل كان يعمل فقط لأن الفيلم نفسه أصبح قضية، الفرقة من جانبها كانت لديها رغبة هائلة بالمساعدة، كانوا يصورون، يرسلون المواد، يبحثون عن الإنترنت وسط القصف، فقط لكي يحافظ الفيلم على نبضه، وأذكر مرة كنت أطلب من أحمد الدنف تصوير مشهد في الشارع بطريقة معينة، فيرد: «سأحاول إن لم تُقصف المنطقة قبل الليل»، هذا النوع من التصوير لا يوجد في أي مدرسة سينما في العالم، هذا تصوير حياة وموت.
كيف تصفان تأثير عروض السيرك وسط الإبادة؟
أحمد الدنف:
هناك صورة نمطية انتشرت كثيرًا، أن أهل غزة يحبون الموت ولا يحبون الحياة، لكن الحقيقة أننا شعب يحب الحياة جدًا، والدليل أننا نصنع الفرح رغم كل ما يحدث، سيرك غزة الحر ليس مجرد فرقة، هو مساحة أمان صغيرة وسط الجحيم، حين يلبس أحد أعضاء الفرقة «مناخير المهرج»، فهو يختار أن يحارب اليأس، حين يمشي آخر على أرجل خشبية فوق ركام البيوت، فهو يعلن أن الإنسان أطول من الحرب وأكثر قدرة على الوقوف من أي دمار.
هل الفيلم شهادة فنية أم وثيقة إنسانية؟
مي سعد:
هو الاثنان معًا، الفيلم يقدم عروض السيرك كما هي، طاقة، حماس، ضحك، محاولات لإسعاد الأطفال في المخيمات، لكن خلف هذه المشاهد هناك ثمن إنساني وجسدي رهيب، هناك تعب، خوف، صدمات، فراق، فقد، وانهيار دائم للحدود بين ما هو أداء وما هو حياة، الفيلم يذكّر بأن الفن ليس رفاهية، بل وسيلة للبقاء.
من قلب الإبادة: فيلم مصري - فلسطيني يوثق صمود الفنانين ورسالتهم للأطفال
ما الرسالة التي يحملها الفيلم؟
مي سعد:
أفضّل أن يجيب أحمد فهي رسالته بقدر ما هي رسالتي
أحمد الدنف:
الفيلم يقول شيئًا واحدًا "نحن هنا"، نحن نحب الحياة ونقاوم لأننا نريد أن نعيشها، أردنا أن نكسر صورة الحرب التي تمحو الناس، وأن نُظهر الجانب الذي لا تراه الكاميرات الإخبارية، الضحك، اللعب، الإصرار، وروح الجماعة، هذه الفرقة نموذج لقدرة الإنسان على أن يتمسك بالفرح، حتى في اللحظة التي يُراد له فيها أن ينهار.

ذكرتِ سابقًا مسألة الأرشيف.. كيف ترتبط بالفيلم؟
مي سعد:
حين بدأنا العمل على أرشيفنا البصري، أدركنا أن كثيرًا من الأفلام العربية والأفريقية مهددة بالضياع، المشكلة ليست تقنية، بل في غياب التمويل والدعم المؤسسي، الأرشيف فعل مقاومة ضد النسيان، و«ضايل عنا عرض» جزء من هذه المقاومة، الفيلم ليس فقط عن فرقة سيرك؛ إنه وثيقة تحفظ لحظة من التاريخ كان يمكن أن تُمحى بالكامل لولا الإصرار على تسجيلها.

ما الذي تريدان أن يشعر به المشاهد بعد انتهاء الفيلم؟
مي سعد:
أريد أن يعرف أن خلف كل مشهد تهريج هناك قلب puls beating بالخوف والحب والخيارات المستحيلة، وأن الفن يمكن أن ينقذ الأرواح بأشكال لا نتخيلها.
أحمد الدنف:
أريد أن يشعر الناس بأن غزة ليست خبرًا عاجلًا، بل بشر لهم أحلامهم وذكرياتهم وطفولتهم، وأن هناك من يقف على ركام بيته ليضحك طفلًا لا يعرفه، فقط لكي يقول له «لسه في أمل».
وأخيرًا.. ما أهم ما حملته هذه التجربة لكما؟
مي سعد:
تعلمت أن الفيلم يمكن أن يصنع حياة، وأن الثقة بين الناس قد تبني جسرًا أقوى من كل الحدود.
أحمد الدنف:
تعلمت أن المقاومة ليست فقط حجرًا أو بندقية، بل أيضًا أنف مهرج.