ناشط في فضيحة البريد البريطاني يتحول إلى مليونير بعد التعويض.. ما القصة؟
تحوّل أحد أبرز وجوه فضيحة البريد البريطاني إلى مليونير بعد حصوله على تسوية مالية ضخمة من الحكومة البريطانية، وفق ما كشفته صحيفتا الجارديان وفايننشال تايمز البريطانيتان.
القضية، التي توصف بأنها أكبر إخفاق قضائي في تاريخ المملكة المتحدة الحديث، أعادت تسليط الضوء على عدالة الدولة تجاه مواطنيها وقدرتها على تصحيح أخطائها.
آلان بيتس.. الرجل الذي لم يتراجع
يُعد السير آلان بيتس، أحد مديري فروع البريد السابقين، من أبرز الناشطين الذين كافحوا لسنوات لإثبات براءة آلاف العاملين الذين اتُّهموا ظلمًا بالاختلاس نتيجة أعطال في نظام الحاسوب المعروف باسم هورايزن (Horizon).
ووفقًا لصحيفة فايننشال تايمز، فقد توصّل بيتس مؤخرًا إلى تسوية مالية بسبعة أرقام — أي بملايين الجنيهات الإسترلينية — بعد أكثر من عقدين من الصراع القانوني والضغط الإعلامي والسياسي.
وأشارت الصحيفة إلى أن التسوية جاءت ضمن جهود الحكومة البريطانية لإنهاء واحدة من أكثر القضايا إحراجًا في تاريخها، بعد أن تسببت الأخطاء التقنية في اتهام أكثر من 700 مشغّل بريد باختلاس أموال لم يسرقوها.
منظومة "هورايزن": خلل تقني دمّر حياة الآلاف
تعود جذور القضية إلى أواخر التسعينيات، عندما اعتمدت مؤسسة البريد البريطاني نظامًا محاسبيًا رقميًا يُدعى هورايزن من تطوير شركة "فوجيتسو". لكن هذا النظام احتوى على أخطاء تقنية جسيمة تسببت في تسجيل عجز مالي غير حقيقي في حسابات فروع البريد المحلية.
وبحسب الجارديان، فإن تلك الأخطاء دفعت الإدارة إلى اتهام مئات الموظفين بالسرقة والاحتيال، ما أدى إلى سجن البعض وتدمير حياة آخرين اجتماعيًا واقتصاديًا.
الصحيفة نفسها نقلت أن الحكومة البريطانية أنفقت حتى منتصف عام 2025 أكثر من مليار جنيه إسترليني على برامج التعويض المختلفة، بينما ما تزال أكثر من 3 آلاف مطالبة قيد النظر.
تسوية "كل شئ أو لا شيء" تشعل الجدل
رغم ضخامة التعويضات، إلا أن آلان بيتس عبّر عن استيائه من طريقة إدارة الملف، قائلًا لصحيفة الجارديان إنه تلقّى عرضًا من الحكومة على أساس "كل شئ أو لا شيء"، أي أقل من نصف المبلغ الذي طالب به.
ووصف بيتس نظام التعويض بأنه "محكمة هزلية" تفتقر إلى الشفافية، معتبرًا أن السلطات تحاول طيّ صفحة الفضيحة دون معالجة جوهر الظلم الذي وقع على آلاف الأبرياء.
العدالة المتأخرة
ورغم أن بيتس خرج منتصرًا بعد رحلة استمرت أكثر من عشرين عامًا، فإن العديد من الضحايا ما زالوا ينتظرون إنصافًا حقيقيًا. وذكرت صحيفة بي بي سي نيوز أن بعض الموظفين الذين أُدينوا ظلمًا ما زالوا ينتظرون إلغاء الأحكام الجنائية ضدهم رسميًا، رغم أن الدولة أقرت ببراءتهم أخلاقيًا وقانونيًا.
في المقابل، دعا نواب في البرلمان إلى توسيع التحقيق العام الجاري حول القضية ليشمل المسؤولين التنفيذيين في شركتي "فوجيتسو" و"بوست أوفيس"، مؤكدين أن "العدالة لا تكتمل إلا بمحاسبة من تسببوا في الكارثة وليس فقط بدفع التعويضات".
انتصار بطعم المرارة
بالنسبة لبيتس، الذي أصبح اليوم رمزًا للثبات والمقاومة المدنية، فإن حصوله على الملايين لا يُخفي حقيقة أن العدالة جاءت متأخرة ومجزأة. وكما قالت الجارديان، فإن «القضية ليست عن المال فحسب، بل عن ردّ الكرامة الإنسانية لمن سُحقت حياتهم باسم التقنية والإدارة العمياء».
وتبقى الفضيحة – رغم التعويضات – ندبة عميقة في ذاكرة العدالة البريطانية، تذكّر الجميع بأن أخطاء الأنظمة الرقمية، حين تلتقي بالبيروقراطية الصمّاء، قد ينجم عنها ما لا يحصى من مآسٍ حقيقية.