< السودان ينزف: أطفاله يُذبحون وذوو الإعاقة يُعدمون والعالم يراقب بصمت قاتل
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

السودان ينزف: أطفاله يُذبحون وذوو الإعاقة يُعدمون والعالم يراقب بصمت قاتل

الرئيس نيوز

في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ الكوارث الإنسانية في إفريقيا، كشفت مجلة دير شبيجل الألمانية، استنادًا إلى وثائق أممية وتحقيقات ميدانية، عن سلسلة من الجرائم البشعة التي ترتكبها الميليشيات المسلحة في السودان، خصوصًا في إقليم دارفور ومناطق النزاع الممتدة إلى الخرطوم وكردفان. التقرير وصف الوضع هناك بأنه "انهيار كامل للإنسانية"، في ظل انتهاكات ممنهجة تطال الفئات الأضعف، وعلى رأسها الأطفال وذوو الإعاقة، وسط غياب تام لأي ردع دولي فعّال.

وتقول دير شبيجل إن مسؤولًا أمميًا وصف تلك الميليشيات بأنها "الشياطين الراكبة"، مؤكدًا أن ما يجري في السودان ليس مجرد حرب أهلية، بل إبادة صامتة تمارسها مجموعات مسلحة تقتل بلا رحمة وتجنّد الأطفال بالقوة. 

ووفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تحولت المدارس والمراكز الصحية إلى ساحات للتجنيد القسري، حيث يُنتزع الأطفال من أسرهم أو من مخيمات النزوح ليُجبروا على حمل السلاح، فيما يُقتل ذوو الإعاقة لأنهم – كما يصفهم أحد قادة الميليشيات – "عبء غير نافع".

ولفت التقرير الى أن آلاف الأطفال، بعضهم لم يتجاوز الثامنة من عمره، اختُطفوا من بيوتهم وأُقحموا في ساحات القتال. ويشير إلى أن بعضهم يُستخدم كدروع بشرية في معارك ضارية لا يدركون معناها، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية. وتنقل المجلة عن مسؤولة في اليونيسف قولها إن العالم يواجه اليوم "كارثة أخلاقية وإنسانية"، مضيفة أن "الأطفال في السودان يُحوّلون إلى قتلة قبل أن يتعلموا القراءة".

لكن المأساة لا تقف عند هذا الحد، إذ يكشف التقرير عن استهداف مباشر لذوي الإعاقة في مناطق النزاع. أحد عمال الإغاثة الدوليين روى للمجلة أنه شاهد بعينيه رجلًا كفيفًا يُعدم ميدانيًا لأنه لم يتمكن من الفرار، وأن امرأة مشلولة تُركت في العراء حتى الموت. هذه الصور القاتمة، كما تقول دير شبيجل، تعكس مستوى من الوحشية يتجاوز حدود الخيال، حيث لا تميّز الميليشيات بين مدني ومقاتل، بل تتعمّد ضرب الأضعف لبث الرعب وكسر أي مقاومة محتملة.

وفي موازاة ذلك، يتحدث التقرير عن انهيار شبه كامل للمنظومة الإنسانية. فالمنظمات الإغاثية تواجه حصارًا خانقًا تفرضه الميليشيات، في وقت تغيب فيه سلطة الدولة ويعمّ انعدام الأمن. وتقول المجلة إن الخرطوم تحولت إلى مدينة أشباح، فيما صارت دارفور مقبرة مفتوحة، والعالم يكتفي بإصدار بيانات القلق والإدانة اللفظية دون تحرك فعلي على الأرض.

أما على الصعيد الدولي، فيبدو الصمت أكثر إيلامًا من الرصاص. فالأمم المتحدة تكتفي ببيانات رسمية خجولة، والاتحاد الأوروبي يعبّر عن "قلق بالغ"، بينما الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات لا يُتوقع أن تردع القتلة أو توقف النزيف. وبين هذا التردد والتخاذل، تستمر الميليشيات في جرائمها، لتصبح مأساة السودان واحدة من أكثر الصفحات سوادًا في الذاكرة الإنسانية الحديثة.

وفي ختام تقريرها، كتبت دير شبيجل بعبارة مؤلمة تختصر المشهد: "السودان ينزف، أطفاله يُذبحون، وذوو الإعاقة يُعدمون، والعالم يراقب بصمت قاتل." وبين الصمت الدولي الذي لا معنى له سوى التواطؤ أو العجز، ينهار ما تبقّى من إنسانية في بلدٍ يتلاشى تحت رماد الحرب، بينما تتسع الفجوة بين بيانات الشجب وواقع حمامات الدم التي لا تتوقف.